Tarihin Falsafan Musulunci
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
Nau'ikan
وقال: وجميع ما في هذا الكتاب لأبي حامد على الفلاسفة، وللفلاسفة عليه أو على ابن سينا كلها أقاويل جدلية من قبل اشتراك الاسم الذي فيها (ص100).
وتكلم في مواطن كثيرة عن الغزالي نفسه بما اقتضاه سياق الموضوع، فقال في كلام أبي حامد ضد رأي الفلاسفة في أزلية العالم. (المسألة الأولى من المسائل العشرين).
هذا القول هو في أعلى مراتب الجدل وليس هو موصلا موصل البراهين، لأن مقدمته عامة والعامة قريبة من المشتركة، ومقدمات البراهين من الأمور الجوهرية المتناسبة. وهذا كما لا يخفي على القارئ رد منطقي، لأن الغزالي عالج جميع المسائل على طريقة المنطق التي أتقنها لتكميل نفسه أو لمحاربتهم.
وحاول الغزالي في هذه المسألة الأولى بعينها أن يضرب أمثالا من الشرع، فرد عليه ابن رشد: هذا المثال الوصفي الوهمي من الطلاق أوهم أنه يؤكد به حجة الفلاسفة، وهو يوهنها لأن الأشعرية لها أن تقول إنه كما تأخر وقوع الطلاق في اللفظ إلى وقت حصول الشرط من دخول الدار أو غير ذلك، كذلك تأخر وقوع العالم عن إيجاد الباري إياه إلى وقت حصول الشرط الذي تعلق به وهو الوقت الذي قصد فيه وجوده. لكن ليس الأمر في الوصفيات كالأمر في العقليات.
وقال عن أدلة الغزالي في المسألة ذاتها: فقد تبين لك أنه ليس في الأدلة التي حكاها عن المتكلمين في حدوث العالم كفاية في أن تبلغ مرتبة اليقين، وإنها ليست تلحق بمراتب البرهان ولا الأدلة التي أدخلها وحكاها عن الفلاسفة في هذا الكتاب لاحقة بمراتب البرهان، وهو الذي قصدنا بيانه في هذا الكتاب.
وقال في الرد على قول الغزالي بإلزام الفلاسفة أن وصفوا الإمكان بحدوث النفس غير منطبع في المادة أن يكون الإمكان الذي في القابل كالإمكان الذي في الفاعل؛ لأن يصدر عنه الفعل فيستوي الإمكانان.
ويقصد الغزالي من هذا أن تكون النفس مفارقة أي بعيدة عن الجسم وتدبره من خارج كما يدبر الصانع المصنوع، فلا تكون النفس في البدن، كما لا يكون الصانع هيئة في المصنوع أخرى. وهذا الغرض ينطبق على توفق العلماء إلى ابتداع سفينة حربية أو طيارة أو سيارة تتحرك بقوة كهربائية بعيدة عنها ومستقلة دونها.
وقد فرض ابن رشد إمكان ذلك قائلا إنه لا يمتنع أن يوجد من الكمالات التي تجري مجرى الهيئات ما يفارق محله، ولو صح هذا أيضا فهو لا يرى منفعة في تساوي الإمكانين، الإمكان الذي في القابل والإمكان الذي في الفاعل، ولا فائدة في تشبيههما. ولما شعر أبو حامد أن هذه الأقاويل كلها إنما تفيد شكوكا وحيرة عند من لا يقدر على حلها، وهو من فعل الشرار السفسطائيين؛ أقر بأنه إنما يحارب الفلاسفة بمعارضته الإشكالات التي تنتج من أقوالهم بإشكالات من نوعها، ويقصد بالإشكالات شكوكا تعرض عند ضرب أقاويل الفلاسفة بعضها ببعض، ومثل الغزالي في ذلك كمثل المتقاضي الذي يتقن فهم قانون الإجراءات، ليستفيد منه وسائل لإرباك خصمه بالدفوع الفرعية. وقد كان ابن رشد قاضيا ابن قاض ابن قاض، كما كان فيلسوفا منطقيا، ولذا تمكن من تلخيص أقوال الغزالي ومعرفة الجيد منها من الرديء، وعاب عليه أنه يلجأ إلى معاندة غير تامة؛ لأن المعاندة التامة إنما هي التي تقتضي إبطال مذهب الخصم بحسب الأمر في نفسه لا بحسب قول القائل. فقال: وقد كان واجبا على أبي حامد أن يبتدئ بتقرير الحق قبل أن يبتدئ بما يوجب حيرة الناظرين وتشكيكهم؛ لئلا يموت الناظر قبل أن يقف على ذلك الكتاب أو يموت هو (الغزالي) قبل وضعه . ويشير ابن رشد بذلك إلى وعد الغزالي بتأليف كتاب يظهر به الحق دون أن ينصر مذهبا مخصوصا غير «مشكاة الأنوار»، ونظن أنه «مقاصد الفلاسفة»، ولكن هذا الكتاب لم يكن وصل إلى المغرب. لأن ابن رشد يقول: «والظاهر من الكتب المنسوبة إليه أنه راجع في العلوم الإلهية إلى مذهب الفلاسفة، ومن أثبتها في ذلك وأصحها ثبوتا له كتابه المسمى بمشكاة الأنوار.»
ولا يتردد ابن رشد في الاعتراف بصحة أقاويل الغزالي كقوله في ص78: «قد أجاد في أكثر ما ذكره من وصف مذاهب الفلاسفة في كون الباري تعالى واحدا مع وصفه بأوصاف كثيرة، ومثاله أيضا لدى قوله: «إن العالم ليس موجودا في باب الإضافة، وإنما هو موجود في باب الجوهر والإضافة عارضة له».»
وقد رد الغزالي على الفلاسفة في شخص ابن سينا فجاء ابن رشد ونصر الغزالي على ابن سينا وقصر الصحة في رأي ابن سينا على صور الأجرام السماوية وما يدرك من الصور المفارقة للمواد (ص45). ومعنى هذا أن ابن رشد كتب كتابه لنصرة الفلاسفة، ولكنه لم يتحيز لرأي من آرائهم، وأقر الغزالي في بعض المسائل المنسوبة إليهم وحاول تفسيرها وتبين أسباب خطأ الحكماء فيها، وهذا أعظم دليل على حسن النية حيال خصم عنيد نسب ابن رشد إليه سوء النية في أكثر من مكان من كتابه.
Shafi da ba'a sani ba