Tarihin Kimiyyar Harshe Larabci
تاريخ علوم اللغة العربية
Nau'ikan
صلى الله عليه وسلم : «أرشدوا أخاكم فقد ضل»، وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلحن فكتب إليه عمر رضي الله عنه أن «اضرب كاتبك سوطا واحدا»، ثم فشا اللحن في أخريات عهد الراشدين على أثر اتساع رقعة الفتوح وانتشار العرب في الأرض وتبسطهم في العمران، ولم يزل أمره آخذا بالاتساع ولا سيما في الحواضر الكبرى التي تحوي ألفافا من الموالي المتعربين وبعض الأعاريب الذين استخذت سلائقهم ولم تتوقح ملكة الفصاحة فيهم لأسباب اجتماعية أو جغرافية أو غيرها. وعند ذاك خشي عقلاء الأمة وأهل العلم منهم أن يتمادى أمر الاختلال والاضطراب في الألسنة فينتهي الأمر بفساد اللغة المعربة فسادا لا صلاح وراءه فينغلق أمر القرآن والسنة النبوية على الفهوم وينهار صرح اللغة وآدابها، ولا سيما بعد أن أصبحت لغة دينهم الذي أخرجوا به من الظلمات إلى النور، ولهذا شرعوا يستقرون الكلام ويستنبطون من مجاريه قوانين وضوابط وأصولا ينقاس عليها أشباهها ونظائرها، واصطلحوا على تسميتها ب «علم النحو».
ولا جرم أنهم عندما عمدوا إلى استنباط قوانين هذا العلم انجرت بهم الحال إلى استقراء الشيء الكثير من منظوم العربية ومنثورها، وقد امتطوا من ذلك غارب بحر عجاج لأن العربي بطبيعته من أثبت الناس حفظا وأقواهم حافظة، ولا سيما إذا عاش في بيئة تغمرها الأمية وألجأته الضرورة إلى استخدام لسانه وحده في أفانين المحاورات والمناظرات والمساجلات وسائر ضروب التعبير عما في مطاوي الضمير، ولهذا كان العربي يومئذ - كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين - كتابا أو جزءا من كتاب، وكانت كل قبيلة بذلك كأنها سجل زمني في إحصاء الأخبار والآثار، فالعربي بطبيعته وطبيعة بيئته ضابط لمآثره ومآثر قومه راو لما هو في سبيله من أمره وأمر عشيرته.
ومن هذا تعلم صحة ما قلناه من أن علماء العرب عندما انصرفوا إلى استخراج قواعد النحو وجدوا أنفسهم أمام بحر من منظوم القول ومنثوره.
وواضح أن النحوي لا يصل إلى استنباط قواعد النحو واستخراج مسائله إلا بعد البحث عن معنى ما يستعين به من منثور القول ومنظومه، لأن القواعد النحوية تابعة للموضوعات اللغوية فمعرفة معاني الكلام سابقة لاستخراج قوانين تركيبه وضبط قواعده، فالمعاني اللغوية أساس للقواعد النحوية ومن لم يكن متبحرا في معرفة موضوعات اللغة لا يتمكن من استخراج قواعدها وضبط أصولها، فالنحوي يجب أن يكون لغويا دون العكس لأنا نعرف لغويين كثيرين لا يعرفون إلا النزر اليسير من النحو، ونحن لا نعني في هذا المقام بالنحوي من يأخذ النحو عن المشايخ ومن الكتب بعد أن تم أمره ونضجت قواعده، بل نعني به أمثال أبي الأسود الدؤلي والخليل والكسائي وأضرابهم من الأئمة الذين وضعوا أساس هذا العلم واستنبطوا أصوله وفرعوا فروعه ورتبوا مسائله وبوبوها وفصلوها تفصيلا، وبعبارة أخرى نحن إنما نعني بالنحاة هنا أولئك المجتهدين الذين تم على يدهم إبداع هذا العلم وإنماؤه وتوسيعه وإنضاجه، لا المقلدين الذين لا شأن لهم إلا معرفة ما وضعه أولئك الأئمة ودرس ما قرروه، وعلى هذا لا مراء في أن أول واجب على من يتصدى للإمامة في النحو أن يتوسع في معرفة اللغة كل التوسع وإلا فإنه يكون مفلوج الاجتهاد.
وإنما قدمنا هذه النبذة لنصل إلى نتيجة واضحة وهي أن المجتهدين من النحاة هم أنفسهم رواة اللغة الأولون، ومنزلة النحوي في النحو تابعة لسعة اطلاعه في اللغة، فليس من الغرابة بعد هذا أن تسمعوا في هذا الباب ذكر كثير من مشاهير النحاة الأقدمين، ذلك لأنهم لغويون قبل أن صاروا نحويين فقد روي أن غلاما كان يلم بأبي الأسود الدؤلي يتعلم منه، فتكلم يوما بكلمة لم يفهم أبو الأسود مراده منها فسأله عنها فقال الغلام: هذا حرف من العربية لم يبلغك، فقال أبو الأسود: لا خير لك في ما لم يبلغني منها يا بن أخي. فأبو الأسود وهو رأس النحاة كان من أوسع الناس معرفة في اللغة حتى إنهم زعموا أنه كان يجيب في كلها.
فأبو الأسود يعد رأسا في اللغويين كما يعد رأسا في النحويين على ما سيأتي من تاريخ علم النحو، ولم يطلق عليه المتقدمون اسم اللغوي لأن هذا اللقب لم يكن معروفا إذ ذاك وإنما شاع استعماله في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع عندما نضج كثير من فنون اللغة وتمايزت فروعها، ولذلك كانت شهرة أبي الأسود في النحو أوسع وصيته فيه أبعد إذ هو واضع أساسه ومقرر سماعه وقياسه، على أنه في علماء العربية طبقة برأسها وتخرج به جماعة أشهرهم: (1)
ولده عطاء، وكان من متقدمي تلاميذ أبيه. (2)
يحيى بن يعمر - على وزن يذهب - العدواني: كان من الأدباء المعروفين والرواة الأثبات المبرزين وهو مع ذلك فقيه ورع، تولى القضاء في خراسان على عدان قتيبة بن مسلم القائد المشهور، وتوفي سنة 129ه. (3)
نصر بن عاصم الليثي: تلقى القرآن والعربية عن أبي الأسود وكان من نبهاء أصحابه، وهو الذي روى عنه صحيفته في العربية المعروفة إذ ذاك بالتعليقة حتى قال بعضهم: إن أول إسناد علمي عرف في الأدب هو إسناد نصر هذا إلى أبي الأسود في تعليقته هذه، وقد ألف نصر كتابا في العربية لم يصل إلينا، وقال بعضهم إن نصرا أخذ العربية عن يحيى بن يعمر، وإليهما يرجع الفضل في إعجام الحروف الهجائية وترتيبها على النمط المعروف اليوم «أ، ب، ت، ث ... إلخ»، وكانت من قبل مهملة ومرتبة على النمط الأبجدي كما سنبينه في تاريخ الخط. وقد توفي نصر سنة 89ه. (4)
عنبسة بن معدان الملقب بالفيل: قالوا لم يكن فيمن أخذ عن أبي الأسود أبرع منه، حتى إن بعض تلاميذ أبي الأسود أخذ العربية عن عنبسة هذا لأنه رأس أصحاب أبي الأسود من بعده، وكان راوية للأشعار ظريفا فصيحا. (5)
Shafi da ba'a sani ba