Tarihin Kimiyya a Wajen Larabawa
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Nau'ikan
56
أما عن الفرض العلمي فلنذكر كيف أكد بوبر أنه ليس ثمة طريق ملكي مضمون للنجاح والإنجاز في العلم؛ لأن الفرض العلمي إبداع يأتي من إلهام العبقرية العلمية، حين يقدح العالم زنادها مستعينا بالحصيلة المعرفية السابقة، إن الفرض وحي وإلهام خطر برأس العالم، سوف يختبر تجريبيا ليقبل أو يرفض، لكن الطريق إلى الفرض ليس له قواعد ميثودولوجية ربما يفهمه علم نفس الإبداع، لا المنطق.
57
هذه القاعدة الميثودولوجية/السيكولوجية المقرة بضرورة عنصر الإلهام الذي لا نعرف له سبيلا منطقيا محددا، سبق أن تراءت ظلالها للبيروني منذ عشرة قرون، وحاول التعبير عنها.
لكن تعبير البيروني جاء مشبعا بعبق الإيمان الذي استقاه من نشأته تحت ظلال الحضارة الإسلامية؛ إذ يقول: «إن النجاح والتوفيق موهبة من عند الله .» وأردف مؤكدا على ضرورة الرجوع إلى المراجع العلمية السابقة، حتى إن تطلب هذا إتقان اللغات الأخرى، تماما كما أكد بوبر على ضرورة الإلمام بالحصيلة المعرفية السابقة، وضرورة أن يستفيد الباحث من جهود سابقيه، كي يمثل إضافة حقيقية بدلا من أن يهدر جهوده في محاولة شق طريق كان قد قطع، فالسمة الأساسية للبحث العلمي أنه نشاط جمعي متصل.
كما كان البيروني يدعو إلى ضرورة المواظبة على ممارسة البحث العلمي بغير كلل ولا ملل، لكي نصل إلى ما يمكن أن نسميه - بالتعبير المعاصر - العمل على رفع احتمالية النظرية، ويؤكد البيروني على هذا بحثه العلماء على التشكك في نتائجهم المرة تلو المرة، حتى يرفعونها إلى أعلى درجة ممكنة من الدقة واليقين.
سابعا: المنهج العلمي في التأريخ
وهذا النابغة الذي جعلته روحه العلمية الأصيلة ميثودولوجيا ذا اعتبار، قد تنبه إلى أن علم التاريخ ذو طبيعة مختلفة عن طبيعة العلوم التجريبية؛ لذا فالمنهج السالف لا يصلح له.
ومن ثم انشغل البيروني بمشكلة المنهج الخاص بعلم التاريخ، فتصدر الطليعة من المفكرين المنهجيين المعنيين بعلمنة هذا المبحث، أو من مؤسسي علم التاريخ. لقد ظل التاريخ أمدا طويلا فنا لا علما، أقاصيص وحكايات شيقة، معقولة أو لا معقولة، واقعية أو يمتزج بها الخيال، على الإجمال تنتسب إلى فنون الأدب أكثر مما تنتمي للدراسات المنهجية أو المباحث العلمية، وكدأب الباحثين الأوروبيين في الزعم بأن الغرب هو فاعل كل فعل حضاري، ورائد كل إنجاز عقلاني، راحوا يدعون أن علمنة التاريخ - خصوصا من حيث المنظور النقدي الساعي إلى تمحيص الحقائق - تمت فقط على أيديهم،
58
Shafi da ba'a sani ba