Tarihin Kimiyya a Wajen Larabawa
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Nau'ikan
تمهيد
الوعي بتاريخ العلوم ... وعند العرب
لعل أبرز معالم فلسفة العلم في الهزيع الأخير من القرن العشرين هو أنها باتت معنية بتاريخ العلم، ولا تنفصل البتة عنه إن رامت تفهما حقيقيا لظاهرة العلم الحديث الذي يواصل نماءه وتطوره وتعملقه إلى غير نهاية، وبالنظر إلى الحقبة السابقة من فلسفة العلم التي سادتها الوضعية المنطقية، واستغرقها السؤال عن المنهج، يمكن اعتبار هذا الاهتمام بتاريخ العلم بمثابة تطور ونماء معرفي لفلسفته ...
فإذا عدنا إلى القرن التاسع عشر، وجدنا العلم الكلاسيكي مزهوا بنفسه معتدا بذاته إلى أقصى الحدود، ولم تنشغل فلسفته كثيرا بتاريخ العلم، ولأعني أهلوها وأهل عصرها بالإجابة على السؤال: كيف بدأ العلم؟ كيف اتجه وسار؟ كيف نما وتطور حتى وصل إلى تلك المرحلة؟ وكان حسبهم الافتتان برونق جلال تلك المرحلة وجبروت شموخها، هذا رغم أن العلم - كما أكد كروثر
J. G. Crowther - أقدم عهدا من التاريخ، فكانت معطياته الأساسية أول ما تأمله الإنسان في العصر الحجري. فالتوجه العلمي متأصل في صلب العقل الإنساني، حتى يعنى الأنثربولوجيون الآن بالأصول البعيدة القصية للعلم عند الشعوب البدائية، أو ما أسماه برنسلاو مالينوفسكي
B. Malinowski
العقلية القبل علمية.
إن فلسفة العلم قد سيطر عليها هاجس الافتتان بالنسق العلمي في حد ذاته، واعتبار تاريخه مسألة ثانوية، وتوطد هذا بفعل هيلمان الوضعية المنطقية على أجواء فلسفة العلم، وحتى منتصف القرن العشرين، وليس فينا من ينكر دور الوضعية المنطقية العظيم في توطيد أسس النظرة الفلسفية العلمية، وتعبيد الطرق الاحترافية لفلسفة العلم، بخلاف الأفضال الجليلة في مجال المنطق الرياضي. لكن الوضعية كانت فلسفة علمية تجريبية متطرفة، قصرت فلسفة العلم - بل والفلسفة بأسرها - على محض تحليلات منطقية للقضايا العلمية، مجردين الفلسفة من آفاقها الرحيبة وأبعادها المترامية، وشنوا حملتهم الشعواء على ربيبة الفلسفة المدللة - الميتافيزيقا. فقد نزعت الوضعية إلى تجريبية مطلقة لا ترتبط بسواها، ونسق علمي فوق هامات كل الأبنية الحضارية الأخرى، بل وعلى أشلائها سيما أشلاء الميتافيزيقا، وأمعنت في تنزيه العلم من توجهات التفسيرات الاجتماعية والتاريخية، فأنكرت الدور الذي يلعبه تاريخ العلم في تمكيننا من فهم ظاهرة العلم فهما أعمق وأشمل، وأكدت أن المعايير المنطقية، وليست التاريخية هي التي تحدد فلسفة العلم. هكذا جعلت الوضعية المنطقية من فلسفة العلم فلسفة لا تاريخية، تولي ظهرها لتاريخ العلم اكتفاء بالمعطى الراهن منه، ورأوا أن التجربة قادرة على تفسير كل شيء حتى أنها بمثابة المعطى النهائي والبديهي، وحين ترتفع التجريبية إلى مستوى بديهيات المنطق، فإنها تكاد تلامس حدود المطلق الذي يعلو على الزمان والمكان ودع عنك التاريخ. كانت الوضعية المنطقية فلسفة علمية متعصبة متطرفة، مارست نوعا من الإرهاب الفكري في أجواء فلسفة العلم، فمن لا يكتفي بتحليلاتهم المنطقية هو المتخلف الغارق في سدم الأوهام المعيارية، أو السادر في الشطحات الميتافيزيقية.
ولئن كان كارل بوبر
K. Popper (1902-1994) أهم فلاسفة العلم في النصف الثاني من القرن العشرين، فإنه هو الذي حمل لواء العصيان والنقد الحاد للوضعية المنطقية، مؤكدا أن فلسفة العلم ليست محض تحليلات منطقية، بل هي فلسفة الفعالية الحية والهم المعرفي للإنسان، والميتافيزيقا أفقها الرحيب الذي يلهم بالفروض الخصيبة العلم أكثر حيوية وإنسانية من أي منشط آخر، قضاياه قابلة دوما للتكذيب والتعديل والتطوير، يلعب الخيال الخلاق والعبقرية المبدعة دورا أساسيا في رسم قصة العلم المثيرة، التي علمت الإنسان المعنى الحقيقي للتقدم، والتقدم العلمي لا تفسره إلا الثورة، بمعنى التغير الجذري لبدء دورة معرفية جديدة.
Shafi da ba'a sani ba