Tarihin Kimiyya a Wajen Larabawa
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Nau'ikan
فلم يكن العالم بالنسبة للمتكلمين إلا علامة على وجود الله، على ما وراءه. «إنما سمي العلم علما؛ لأنه أمارة منصوبة على وجود صاحب العلم. فكذلك العالم بجواهره وأعراضه وأجزائه وأبعاضه دلالة دالة على وجود الرب سبحانه وتعالى.»
11
كلمة «عالم» مشتقة أصلا من العلم والعلامة، وفي أصلها اللغوي البعيد من الحس: العلام؛ أي الحناء لما يترك من أثر باللون، والعلامة ما تترك في الشيء مما يعرف به، ومن هذا العلم: لما يعرف به الشيء أو الشخص كعلم الطريق، وعلم الجيش «الراية»، وسمي الجبل علما لذلك، ومنه: علمت الشيء؛ أي عرفت علامته وما يميزه، ونقيضه الجهل، وتكون بعد ذلك المعاني الخاصة والاصطلاحية في «العلم»
12
لم ترد لفظة «العالم» ولا لفظة الطبيعة في القرآن الكريم أبدا، وردت فقط في صيغة الجمع: العالمين - ربما على سبيل التأكيد - ثلاثا وسبعين مرة. هذا غير «العالمين بكسر اللام»، من العالم بالشيء التي وردت ثلاث مرات.
13
وكانت المشكلة المحورية للطبيعيات الكلامية هي العلاقة بين الله وبين العالمين أو العالم أو الطبيعة، والتي اتخذت مبدئيا شكل الإيجاد والخلق من العدم، إحداث المحدث: هذا العالم، وهذا ما يتبلور في دليل الحدوث، وبصرف النظر عن عبقرية اللغة التي تطابق بين العلم والعالم وتجعلهما من نفس المصدر نجد دليل الحدوث هو في جوهره قياس الغائب على الشاهد، وهو شكل من أشكال الاستدلال العلمي الإمبيريقي، إنه ينطلق من المحسوس إلى المعقول، فتمتد له خطوط في صلب التيار العلمي البازغ من ثنايا الفكر الديني، الذي جعل البحث في الطبيعة يغلب على المتكلمين الأوائل. لكن دليل الحدوث ذاته بتوغله في الدوائر المغلقة كان من العوامل التي أدت إلى انفصال علم الكلام عن البحث في الطبيعة بعد انتهاء عصور الازدهار، وإجهاض الفكر العلمي البازغ وإسقاطه من الحساب، وسيادة الفكر الديني وحده.
الدوائر المغلقة لدليل الحدوث تتمثل في أن الطبيعيات ليست إلا سلما للعقائد، خادمة للإلهيات وليس للإنسان، في حين أن الإنسان هو الذي يحيا في الطبيعة، وهو الذي يحتاج لترويضها وتطويعها. الطبيعيات ليست مطلوبة في حد ذاتها للتفهم والتفسير - كإشكالية إبستمولوجية - المطلوب فقط استخدامها كوجود أنطولوجي حدوثه يدلل على وجود الله.
ظل دليل الحدوث دائما إطار الطبيعيات الكلامية ككل وكأجزاء، مما جعل الإلهيات هي النهاية والغاية: مثلما كانت قبلا هي البداية والمنطلق وزخم الدفع، في دائرة مغلقة من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا وبالعكس. •••
وإذا تتبعنا مسار التراث العربي في تطوره إلى الفلسفة أو الحكمة، وجدنا الطبيعة ومباحثها عند الفلاسفة أكثر وضوحا وتميزا منها عند المتكلمين. فقد سلموا جميعا بأنها قسم من أقسام الحكمة الثلاثة: العقليات والطبيعيات والإلهيات.
Shafi da ba'a sani ba