ربِّ يسِّرْ وأعنْ يَا كريم
قَالَ القَاضِي أَبُو المحاسن المُفضَّل بن مُحَمَّد بن مسعر: الْحَمد لله رب الْعَالمين، أَحْمَده رضيَّ الْحَمد لَهُ، وأزكاه عِنْده، وأوجبه لبَقَاء نعْمَته، وأدعاه للمزيد من فَضله.
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شيك لَهُ.
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . وشرفا، وبالعلم وَالْأَدب شغفا، أَنِّي أذكر ذَلِك، مِمَّا دَعَاني إِلَى مَا أودعهُ هَذَا الْكتاب، وَهُوَ أَمْرَانِ:
أَحدهمَا: أَن كثيرا مِمَّن ينتحل الْعلم وَيَدعِي رُتْبَة فِيهِ وَلَا يقْتَصر على أَنه من طالبيه يجهل مقادير أَهله المتقادمين، وَلَا يفرق بَينهم وَبَين الْمُتَأَخِّرين، وَلَا يعرف مَرَاتِبهمْ فِي أنسابهم، وَلَا تفاوتهم فِي أزمانهم، وَأَنِّي سَمِعت من هَذِه الطَّائِفَة من يَقُول: إِن الْمبرد أَخذ النَّحْو عَن سِيبَوَيْهٍ، وَإنَّهُ بعد ذَلِك رد عَلَيْهِ، وتنكر مَا كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ.
وَالْآخر: أَن فِي الْوُقُوف على ذكر من مضى من أهل الْفضل مَا سلَّى الْمُبْتَلى بفقد حَبِيبه، وعزى الْمُصَاب بصديقه أَو نسيبه.
وَمن أَبْيَات الْمعَانِي:
1 / 19
ذكرتُ أَبَا ليلى فَبِتُّ كأنني ... بِردِّ الأُمورِ الماضِيات وَكِيلُ
لما ذكر هَذَا الشَّاعِر خَلِيله، أَخذ يعدد من فقد صاحبًا كفقده، وَوجد فِي الْحزن كوجده، فَكَأَنَّهُ وَكيل فِي ردِّ من مضى، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك طلبا للعزاء، واستراحةً إِلَى التأسِّي بِالنّظرِ.
وَبِاللَّهِ أستعين، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل: قَالَ القَاضِي أَبُو المحاسن: دخلت سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة، وَأَنا بِبَغْدَاد، وَبهَا من النَّحْوِيين الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين فِي علم النَّحْو ثَلَاثَة:
١ - عَليّ بن عِيسَى بن الْفرج بن صَالح
1 / 20
صَاحب أبي عَليّ الْحسن بن أَحْمد الْفَارِسِي.
وَقد قَرَأَ، على مَا ذكرت، " كتاب الْجرْمِي الْمُخْتَصر " على أبي سعيد الْحسن بن عبد الله السيرافي.
* * *
و
٢ - أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عبيد الله الدَّقيقي
صَاحب أبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى بن عَليّ الرماني.
1 / 21
قَرَأَ عَلَيْهِ " كتاب سِيبَوَيْهٍ " قِرَاءَة تفهُّم، وَأخذ بذلك خطَّه عَلَيْهِ، وانتفع النَّاس بِهِ.
وَعنهُ أخذتُ، وعَلى رُواته عوَّلتُ.
* * *
وَمَا من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِلَّا من حضرت بِحَضْرَتِهِ، وَأخذت عَنهُ، وَإِن كَانَ عَليّ بن عِيسَى يَقُول: مَا حصل من بحهته. (١)
وَالثَّالِث:
٣ - أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد ابْن أَشْرَس النَّيْسَابُورِي
كَانَ ملازمًا دَار الْخَلِيفَة، وَيَأْتِي يَوْم الثُّلَاثَاء إِلَى قطيعه المَلْحَم، فَكنت أصِل إِلَيْهِ فِي هَذَا الْموضع.
_________
(١) كَذَا بالنسخة، وَلم أعرف الْكَلِمَة. وَرُبمَا كَانَت صِحَة الْكَلَام: وَمَا من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِلَّا من حضرت بِحَضْرَتِهِ، وَأخذت عَنهُ، وَإِن كَانَ عَليّ بن عِيسَى يفوق مَا حصل من جِهَته.
1 / 22
وَكَانَ وَاسع الْعلم، غزير الْحِفْظ.
* * *
وَمِمَّنْ تقدَّمت وَفَاته:
٤ - أَحْمد بن بكر الْعَبْدي
* * *
فَأَما هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذين تقدَّم ذكرهم، فبلغوا سنة خمس عشرَة وَأَرْبَعمِائَة، وَلم يجاوزوا سنة عشْرين وَأَرْبَعمِائَة، فَمَا لقِيت أحدا من البغداديين يحفظ فِي أَي سنة توفّي المتوفي مِنْهُم، فأُثْبِتَه على حَقِيقَته، فَمن وقف على كتابي هَذَا، وَعرف ذَلِك، فليقض الحقَّ بإلحاقه.
* * *
وَكَانَ بِبَغْدَاد كُهُولٌ من أهل هَذَا الْعلم:
٥ - كَأبي الْحسن عَليّ بن خمران
* * *
1 / 23
و:
٦ - أبي الْحسن عَليّ بن رضوَان، الْمَعْرُوف بالثمانيني الضَّرِير
* * *
و:
٧ - الْمَعْرُوف بِابْن البرلي (**)
* * *
وَكَانَ قبل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الَّذين قدَّمت ذكرهم:
٨ - أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جنِّي
صَاحب أبي عَليّ الفارسيِّ، قَرَأَ عَلَيْهِ " الْكتاب "، وَغَيره.
وَله مصنفات؛ مِنْهَا كتاب " سر صناعَة الْإِعْرَاب "، وَكتاب " شرح
_________
(**) كَذَا بالنسخة، وَلم أعرفهُ.
1 / 24
تصريف أبي عُثْمَان الْمَازِني "، وَكتاب يُلقَّب ب " المُحتسب "، وَكتاب " الخصائص ".
وَمن كتبه الصِّغار: " اللُّمَع "، و" التَّصْرِيف الْمُلوكِيّ ".
وَله كتاب " الفسْر " تكلم فِيهِ على شعر المتنبي.
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة.
* * *
وتُوفي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى:
٩ - مُحَمَّد بن مِسْعَر
بعده بِسنة، سنة ثَلَاث وَتِسْعين.
1 / 25
وَإِنَّمَا ذكرته لِأَنَّهُ من أهل هَذَا الْعلم، وَمِمَّنْ شُهر فِي الشَّام بِهِ.
* * *
وَكَانَ قبل هَؤُلَاءِ الَّذين ذكرتهم ثَلَاثَة، انْتَهَت إِلَيْهِم الرِّياسة فِي علم النَّحْو، مِنْهُم:
١٠ - أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن عبد الْغفار الْفَارِسِي
أدْرك أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج، وَأَبا بكر بن السَّرَّاج، وَأخذ عَنْهُمَا، وَعَن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش.
1 / 26
وردَّ على أبي إِسْحَاق فِي كتاب " مَعَاني الْقُرْآن " مسَائِل فِي كتابٍ، لقَّبه كتاب " الأغفال ".
وَله كتاب " الحُجَّة " تكلَّم فِيهِ على مَذَاهِب القُرَّاء السَّبْعَة الَّذين ثبتَتْ قراءتهم فِي " كتاب أبي بكر بن مُجَاهِد " ﵀، ووجوهها فِي الْعَرَبيَّة، وَاحْتج لكل وَاحِد مِنْهُم.
وَله كتاب يُلقَّب " بالعضدي "، عمله للْملك فناخسرو، وَكتاب يُعرف ب " العوامل ".
وَله " شرح مسَائِل مشكلة "، وَغَيرهَا، وَكتاب يعرف بِكِتَاب " التَّذْكِرة ".
توفّي سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة.
وَترك ثَلَاثَة من جُملة أَصْحَابه قد قدَّمت ذكرهم، وهم: أَبُو الْفَتْح عُثْمَان بن جني، وَعلي بن عِيسَى بن الْفرج الرَّبَعي، وَأَبُو طَالب أَحْمد بن بكر العبديّ. وَلَيْسَ الْعَبْدي فِي طبقَة أبي الْفَتْح وَأبي الْحسن عَليّ بن عِيسَى.
* * *
1 / 27
١١ - أَبُو سعيد الْحسن بن عبد الله السيرافي
لحق الزَّجَّاج والسَّرَّاج، وَأخذ عَنْهُمَا.
وَله " شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ ".
وَولي الْقَضَاء فِي آخر عمره.
1 / 28
تُوفي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وثلاثمائة.
* * *
وخلَّف ولدا:
١٢ - يُوسُف بن الْحسن بن عبد الله بن الْمَرْزُبَان
يُكنى أَبَا مُحَمَّد.
كَانَ راوية الْأَشْعَار.
وَله " شرح أبيان غَرِيب المُصنَّف "، و" شرح أَبْيَات إصْلَاح الْمنطق ". و" شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ ".
وَله عَقِب.
تُوفي سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة.
* * *
1 / 29
١٣ - أَبُو الْحسن عَليّ بن عِيسَى الرُّمَّاني
أدْرك الزَّجَّاج، وَابْن السَّرَّاج، وَقَرَأَ عَلَيْهِمَا " الْكتاب ".
وَله تصنيف كَبِير، من تصنيفه كِتَابه الْكَبِير فِي " مَعَاني الْقُرْآن وَشرح
1 / 30
إعرابه "، وَله كتاب " الِاشْتِقَاق "، و" رِسَالَة منتخبة " من كتاب " الِاشْتِقَاق ".
كَانَ يجمع إِلَى علم النَّحْو علم الْكَلَام على مَذْهَب البغداديين، وَرُبمَا خلط الْكَلَام فِي مَوَاضِع مَعَ النَّحْو بِكَلَام المُتكلمين.
وَله كتاب لطيف، لقَّبه كتاب " النُّكت فِي إعجاز الْقُرْآن "، وَله شُرُوح وتصانيف فِي علم الْكَلَام.
تُوفي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وثلاثمائة.
* * *
وخَلَفَه صَاحبه:
أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عبيد الله الدقيقي، رَحمَه الله تَعَالَى.
وَفد النَّاس عَلَيْهِ بِبَغْدَاد نَحْو ثَلَاثِينَ سنة.
* * *
1 / 31
وَكَانَ من عُلَمَاء الزَّجَّاج أَيْضا:
١٤ - أَبُو الْفَتْح المراغي
* * *
و:
١٥ - أَبُو النَّضر مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن أَسْبَاط الْكِنْدِيّ
نزل فِي أنطاكية مدَّة، وَسَار عَنْهَا إِلَى مصر.
1 / 32
وَله كِتَابَانِ: كتاب " التَّلْقِين "، وَكتاب " المُوقِظ ".
* * *
و:
١٦ - أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل النَّحَّاس
قَرَأَ عَلَيْهِ " الْكتاب " بِبَغْدَاد، وَأخذ عَنهُ علما كثيرا، وَعَاد إِلَى مصر.
1 / 33
وصنف كتبا، مِنْهَا: كتاب لقبه ب " الْكَافِي " فِي علم الْعَرَبيَّة، وَكتاب سَمَّاهُ " المُقْنِع "، وَذكر فِيهِ اخْتِلَاف الْبَصرِيين والكوفيين، وَكتاب " إِعْرَاب الْقُرْآن "، وكتابان جيدان ذكر فيهمَا أَقْوَال الْمُتَقَدِّمين.
وَلم يكن صَاحب دراية واستنباط، وَإِنَّمَا كَانَ معوِّله على النَّقْل وَالرِّوَايَة.
وَله كتاب فِي " النَّاسِخ والمنسوخ "، و" شرح المعلقات السَّبع "، و" شرح المُفَضَّليَّات "، و" شرح أَبْيَات الْكتاب ".
حُكيَ الْمُنْذر بن سعيد، قَاضِي الأندلس، قَالَ: لقِيت يَوْمًا ابْن النّحاس بِمصْر، فِي مَجْلِسه، فَأَلْفَيْته يملي شعر قيس بن معَاذ الْمَجْنُون، فَانْتهى إِلَى قَوْله:
خَلِيَليَّ هَل بالشَّام عَيْنٌ مَرِيضَةٌ ... تُبَكِّي عَلى نَجْدٍ لَعَلِّي أُعِينُها
قَدَ اسْلَمَها الباكُونَ إلاَّ حَمَامَةً ... مُطَوَّقَةً باتتْ وَبَات قَرِينُها
1 / 34
فَقلت: باتا يفْعَلَانِ مَاذَا!! أعزَّك الله.
قَالَ لي: وَكَيف تَقول أَنْت يَا أندلسي؟ فَقلت: بَانَتْ وَبَان قرينها.
فَسكت. وَكنت على الانتساخ من نسخته كتاب " الْعين "، وَكَانَ وَعَدَني بِهِ، فَمَنَعَنِي بعد ذَلِك، فَلَقِيت ابْن ولاَّدٍ، فَسَأَلته فِي الْكتاب، فَأخْرجهُ إليَّ، وَكَانَ ذَا أدب، وَعلم، ومروءة. فَلَمَّا علم ابْن النّحاس بذل كِتَابه.
قَالَ الزبيدِيّ: وَكَانَ يتبذل، وَيقوم فِي حَاجته بِنَفسِهِ.
وَله ولد.
توفّي فِي ذِي الْحجَّة، سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة.
* * *
1 / 35
وَمن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق الزَّجَّاج بالشَّام:
١٧ - عبد الرَّحْمَن، يعرف بِأبي الْقَاسِم الزَّجَّاجي
جَاءَ إِلَى بَغْدَاد، وَقَرَأَ عَلَيْهِ، وَصَارَ إِلَى دمشق.
وَله كتاب مُخْتَصر لقَّبه " الجُمل "، وَله تصنيفٌ، و" أمالِ ".
قَرَأت على ظهر دفتر بِدِمَشْق: توفّي أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الزَّجَّاجي بطبرية، سنة أَرْبَعِينَ وثلاثمائة. وَقد
1 / 36
قيل فِي ذِي الْحجَّة، فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة.
ورُوي عَن أبي عَليّ الْفَارِسِي، أَنه قَالَ، -وَقد وقف على كَلَامه فِي النَّحْو-: لَو رآنا لاستحيى.
* * *
وَمن أَصْحَاب أبي إِسْحَاق الزَّجَّاج أَيْضا:
١٨ - أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن ولاَّد الْمصْرِيّ
لَهُ كتاب " الْمَقْصُور والممدود " على تَرْتِيب حُرُوف المعجم.
1 / 37
تُوفي سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة.
* * *
قبل هَؤُلَاءِ الطَّبَقَة الْمَذْكُورَة، أَصْحَاب المُبرِّد.
مِنْهُم:
١٩ - أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السَّريّ الزَّجَّاج
لَهُ كتاب " مَعَاني الْقُرْآن وَشرح إعرابه "، وَله كتاب " الِاشْتِقَاق "،
1 / 38