Tarihin Ilmin Adabi
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Nau'ikan
فقال: هذا، وأشار إلى خصمه.
والخاصة الثانية هي ما في لسان مضر من الاستعارات، والتشبيهات، والمجازات، وأنواع البديع من الكلام، وورد أحسنه في القرآن الكريم مثل: «اشتعل الرأس شيبا»، ومنه في الشعر كقول ابن المعتز: «والشمس كالمرآة في كف الأشل»، فجميع ذلك أتم وأكمل في لسان العرب. ويعدون من الكلام البديع لفيكتور هوكو تشبيهه موج البحر بقطيع الغنم وقوله: غنم البحر، وقول كمال بك إمام الأدب في اللسان العثماني: «برق الحقيقة يلمع من تصادم الأفكار»، فهذه البلاغة والبيان ديدن العرب، وفي كلامهم كثير من البديع أتوا به بغير تكلف ولا تعمل، وبعضهم تصنع له وتكلف ظنا بأنه أساس البلاغة، والمقصود منها بالذات فملأوا بالبديع والاستعارات النظم والنثر، وصرفوا الذهن وأجهدوا العقل حتى قالوا:
مودته تدوم لكل هول
وهل كل مودته تدوم
وتغافلوا عن إيضاح معنى المودة، وهو من المعاني الكلية الجليلة التي أوضحها أدباء اليونان، والرومان، والإفرنج فيما ألفوه من الروايات المضحكة، أو الفاجعة وعرضوه في المراسح على أنظار الجمهور فقدره الخواص حق قدره، واستفاد منه العوام.
على أن تلك الحسنات البديعة والخصائص اللسانية؛ وإن كان لها تأثير عظيم على النفس، فهي لم تزل في نظر العقلاء كالحلي والمصوغ للعروس، فالعاقل يجتهد بأن تكون عروسه من ربات الجمال والدلال والأدب والكمال، فإن وجد معها شيء من الحلي فنعم، وإلا فالمقصود منها هو نفسها وذاتها، فهي الضالة التي ننشدها ونأتي بها ولو من جبال القوقاس فنعلمها لساننا، ونلبسها ما عندنا من اللباس، ونتمتع بها فهذا أولى من إلباس الجارية السوداء الحلي والحلل، وصرف النقد والوقت في تزيينها، وللناس فيما يعشقون مذاهب.
فالتكلف في زماننا لتقليد الإنشاء العالي، ونظم قصيدة ثامنة للمعلقات السبع، أو سجع مقامات ثالثة لمقامات الحريري، والهمذاني ليس فيه كبير فائدة ما دام الأصل في الكلام للمعاني والمقصود من المعاني إظهار أسرار هذا الكون الذي نصبح فيه، ونمسي ونحن غافلون عن كثير من حقائقه، ولا ندري بأية عبارة نترجم عنها، ولا كيف نوضح شعورنا وإحساسنا بهذا الوسط الذي نحن فيه وهو سجن لنا، والدنيا سجن المؤمن. فهذه المعاني البليغة العالية ينبغي لأدباء العصر سبكها في السهل الممتنع من الكلام الفصيح بغير تهافت منهم على الكلمات اللغوية، والمحسنات اللفظية من جناس وطباق، وقراءة الكلام طردا وعكسا، وأمثال ذلك مما يعده العقلاء من الملاعب الصبيانية إذ ليس هذا غاية الأدب والغرض منه.
وخير اللفظ ما جاء بالطبع والبداهة بلا تكلف، ولا تحر في القواميس والمنشآت، فخطبة ناظر المعارف الفرنساوية الذي تلاها بمناسبة يوبيل الكيماوي برتلو هي نموذج في بلاغة المعاني لمطابقتها لمقتضى الحال، وإيجاب المصلحة وهي من أحسن ما يقال في مثل تلك الجلسة، وفي مناسبة ذاك الاجتماع، غير أن ذوقنا ربما يمجها لركاكة الترجمة، فإن الألفاظ وإن كانت عربية فتركيب هذه الألفاظ بعضها مع بعض لم يجر على أسلوب قس بن ساعدة، أو سحبان وائل، ولا على طريقة الجاحظ إمام الأدب، ولا يشبه رسائل عبد الحميد، أو ابن العميد اللذين قال فيهما الثعالبي: «فتحت الرسائل بعبد الحميد، وختمت بابن العميد»، بل جرى تركيب ألفاظ تلك الخطبة على أسلوب الفرنساوي المترجمة عنه، فأكثر الألفاظ في موضوعاتها التي وضعها فيه العرب الأولون.
والركاكة بالنظر إلى التراكيب؛ وربما كانت بالنظر إلى بعض المفردات أيضا؛ لأن مفردات ألفاظها لم تنتخب من القاموس المحيط ببلاغة هذا اللسان كالذي ألفه الزمخشري، وسماه أساس البلاغة، وطبع بمصر.
ثم هناك أسباب أخرى أيضا تحول بيننا وبين إدراك بلاغة تلك الخطبة، وهي عدم وقوفنا على دقائق تاريخ القوم، وعلى مزايا لغتهم وتعبيراتهم، وفقداننا الملكة في هذا الأسلوب من الخطابة؛ ولذا ينبو سمعنا عما لم يأت على أساليب بلغاء العرب، وعما لم يحرر على وفق مذاهبهم في فنون الأدب، حيث لكل قوم منهج معروف ومسلك مألوف، بل كل إمام في الأدب من أية أمة كان يذهب فيه مذهبا جديدا، ويستخلص لنفسه طريقة مخصوصة يخالف فيها طرق المتقدمين ومذاهبهم؛ ولذا فأهل الذوق في الكلام إذا عرض عليهم شيء منه قالوا: هو على طريقة فلان وأسلوب فلان، وهو من إنشاء فلان دون فلان، كما لو عرضت خمر من خمور بوردو على أهل الذوق المشهورين باسم «ديكوستاتور» لقبض الواحد منهم بكفه على الزجاجة حتى إذا سخنت بحرارة اليد، وفاح منها الشذا المعروف عندهم باسم «بوكه» هزها، ونظر فيها فإذا الخمر في الزجاجة ياقوتة سيالة، ثم جرع منها جرعة ذاقها بطرف لسانه، وقال: لك هي من كرم «شاتولافيت» أو «شاتولاتور» أو «شاتومارغو»، وفي هذه الثلاثة انحصرت الطبقة العليا من طبقات الخمر المعصور بأرض «ميدوق»، واتفق أهل الذوق، والطب على أنها من أطيب البقاع وأبركها لإنبات هذا الشراب الذي فيه منافع للناس وإثمه أكبر من نفعه؛ لأنه من جهة ترياق نافع، ومن أخرى سم ضار. •••
Shafi da ba'a sani ba