Tarihin Ilmin Adabi
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Nau'ikan
والنموذج الثاني ظهرت فيه جميع العيوب، والعلل واتصف بالبشاعة، والشناعة، والهذيان، والانهماك في الشهوات الحيوانية، والرذائل الدينية وفي جر المنافع ولو بإيقاع المفاسد والجنايات، فهو فسيق، دني، شره، مهذار، بخيل، طماع، مرائي، مفسد، مفتن، قواد، غدار، كذاب، محتال، ويتمثل في صورة باصيل وفيغارو وتارتوف وهارباغون، والأول اسم راهب يحب مسايرة العاشقين على أهوائهم ولكنه كثير الطمع في أموالهم، والثاني اسم خادم نشيط ظريف قواد لسيده أوصله إلى معشوقته، ومكنه من وصالها بمهارة حيله ودسائسه، وهما من الأشخاص التي أوجدها مارشه في رواية «حلاق إشبيليه» و«زواج فيغارو»، ونكت بها على أخلاق المعاصرين من الفرنساويين قبل الانقلاب الكبير؛ أي في عهد لويس السادس عشر، والخامس عشر، وبين إسرافهم واستهزأ بأفعالهم، وفي سنة 1854؛ أي في عهد الإمبراطورية الثانية أنشأ أحد الكتبة جريدة هزلية سماها «فيغارو» إشارة إلى أنها تخدم خدمة فيغارو مع التنكيت والتبكيت، وعدم المبالاة بشيء ولا التعصب لأمر، فأصبحت جريدة الفيغارو اليوم من أعظم الجرائد اليومية في باريس، و«تارتوف» نموذج الرياء، و«هارباغون» نموذج البخل وهما من أشخاص روايات مولير، ويمكن أن يعد من هذا القبيل أيضا أبو زيد السروجي في وعظه للناس بالمواعظ الحسنة، ثم جمعه الفلوس واشترائه اللحم والخمر والجلوس للمنادمة مع غلامه كما هو موضح في مقامات الحريري.
فالجميل ليس له إلا نموذج واحد، والقبيح له ألف نموذج؛ لأن جمال الجميل ما هو إلا نسبي بالنظر إلى الإنسان وباعتبار تركيب أعضائه، والقبيح له نسبة وعلاقة مع غير الإنسان، فهو جميل بالنسبة إلى عموم المخلوقات، وقبيح بالنظر للإنسان وحده.
ففي القرون الوسطى نرى لكلام السخرية موقعا بجانب الإعجاز بالفصاحة، وكثر استعمال السخرية في الأدب في الرسم والتصوير والحفر، وفي الأخلاق والعادات كالرسوم التي أحسن في تصويرها المصور الشهير ميكل أنجلو الطلياني، والمصور مويلو الإسباني وأبدع ما أتت به قريحته الراسمة التي نقش فيها كيفية الصعود إلى السماء، ثم ظهر شكسبير وصار ملك الشعراء كما قال دانتي عن هوميروس، ومزج كلام السخرية بكلام الإعجاز وصاغ منهما الدرام، فشكسبير هو أبو الدرام والدرام هو الخاصة المميزة للدور الثالث من أدوار الشعر والأدب العصري، وهو جامع للمرهب والمضحك من الكلام؛ أي للكوميديا وللتراجيديا. (14) الإجمال
فإجمالا لما تقدم لنا ذكره نقول: إن الشعر له ثلاثة أدوار وهي الغناء والحماسة والدرام، ولكل منها مناسبة بدور من أدوار الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم، فالقرون الابتدائية غناءة، والقرون القديمة حماسية، والقرون الجديدة درامية، والغناء يترنم في الأزل، والحماسة تحتفل بالتاريخ، والدرام يصور حياة الإنسان، وخاصة الأول السذاجة، وخاصة الثاني البساطة، وخاصة الثالث الحقيقة.
فرواة اليونان - ويسمونهم رايزود، وهم أشبه برواة العرب الذي جاء منهم حماد الراوية، وكانوا يطوفون القرى ويروون أشعار بندار وهوميروس وأيشيل - يدلون على دور الانتقال من الشعراء المغنيين؛ أي الناظمين لشعر الأغاني إلى الشعراء الحماسيين. والرومانيون؛ أي مؤلفو الرومانات وهي الأقاصيص الموضوعة يدلون على دور الانتقال من الشعراء الحماسيين إلى الشعراء الدراميين، وبظهور الدور الثاني ظهر المؤرخون، وبظهور الدور الثالث ظهر الباحثون في حكمة التاريخ وبيان أسباب الوقائع وعللها.
وأشخاص شعر الأغاني عظام الأجسام طوال القامات والأعمار مثل آدم، وقابيل، وهابيل، ونوح، ويدخل في زمرتهم عوج بن عناق، وأشخاص شعر الحماسة من القوم الجبارين وهم أقوياء أشداء؛ مثل أشيل بطل الحروب اليونانية، وأستره آلهة العدل، وأوريست بن أغا ممنون الذي ألف فيه شعراء اليونان رواياتهم ثم جاء فولتر ونسج على منوالها روايته المشهورة باسم أوريست. ويدخل في زمرتهم عنترة بن شداد. وأشخاص الدرام هم بشر على الصورة الحقيقية للإنسان مثل هاملت، وماقبت، وأوتيلو الذين صورهم شكسبير في رواياته المشهورة بهذه الأسماء، وربما دخل في زمرتهم أبو زيد السروجي في مقامات الحريري، والشيخ علي بن منصور الحلبي في رسالة غفران المعري، ومنبع الأغاني الوهم والخيال ومنبع الحماسة العظمة والفخامة، ومنبع الدرام الحقيقة، وتتفجر هذه الينابيع الثلاثة من ثلاثة بحور كبيرة التوراة وهوميروس وشكسبير.
فهذه هي أشكال الفكر المختلفة بحسب اختلاف القرون التي تقلب فيها الإنسان والعمران، وهي في ثلاثة أدوار الشباب والكهولة والشيخوخة، فسواء نظرنا في أدب أمة على حدتها، أو في أدب البشر على وجه العموم، فالنتيجة التي نستنتجها من جميع ذلك واحدة؛ وهي تقدم الشعراء المغنين أو الغنائيين، وهم الناظمون أشعار الأغاني على الشعراء الحماسيين؛ أي الناظمين شعر الحماسة وتقدم الشعراء الحماسيين على الشعراء الدراميين، ففي فرنسا ماليرب (1555-1628م) سابق على شابلين (1595-1674م) وشابلين سابق على قورنيل (1606-1684م)، والأول هو الشاعر الغنائي «ليريك» الذي أصلح اللغة الفرنساوية، وقال فيه بوالو: «وفي النهاية أتى ماليرب ...» فذهبت مثلا.
وأما الثاني فانتقد عليه بوالو في الشعر وسخر به حتى جعله أعجوبة وهزءا، ويلقب الثالث بأبي التراجيديا وهي الروايات الفاجعات، وكذا الحال عند قدماء اليونان، فشاعرهم المسمى «أورفيوس» متقدم على هوميروس، وهوميروس متقدم على «أيشيل» الملقب بأبي التراجيديا اليونانية. وفي كتاب العهد القديم؛ أي التوراة سفر التكوين متقدم على سفر الملوك، وسفر الملوك متقدم على سفر أيوب - عليه السلام - وإذا نظرنا في أدب البشر على وجه العموم نرى التوراة قبل الإيلياذة، والإيلياذة قبل شكسبير.
ولا غرو في ذلك فإن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم يبتدئ في الترنم بما يتخيله، ثم يقص ما يعمله، ثم يصور ما يفتكره، فالدرام بجمعه بين الأوصاف المتضادة كان أوعب للأفكار الفلسفية والتصورات العميقة، وكل ما في الطبيعة وما في الحياة يتقلب في هذه الأشكال الثلاثة، وهي الغناء والحماسة والدرام؛ لأن كل ما في الوجود يولد ويعمل ويموت. ولو أبيح التعبير عن الحقائق البرهانية بالتخيلات الشعرية لقال الشاعر بلسان الشعر: إن الشمس عند طلوعها ترنم بالغناء، وعند القائلة؛ أي الظهيرة تفاخر بالحماسة، وعند الغروب تفجع بالمصيبة وهي الدرام، فهذا التعبير هو من باب الشعر، وربما كان ضربا من الجنون، انتهى كلامه ببعض تصرف وزيادة.
ثم شرع صاحب مقدمة كرومويل في الرد على أصحاب الطريقة المدرسية في تقسيمهم الشعر إلى الأجناس، التي سبق ذكرها في الكلام على بوالو وفي تحديدهم كل جنس منها بالحدود والتعاريف، وفي تفريقهم بين التراجيديا والكوميديا، وأبطل قولهم: بلزوم وحدة الزمان والمكان في الروايات التمثيلية، ولم يقبل من وحداتهم الثلاثة إلا وحدة العمل. وقد ضربنا صفحا عن إيراد كلامه في هذه المباحث لعدم التطويل؛ ولأن الروايات التمثيلية على ما فيها من الفوائد الجليلة في أساليب البلاغة لم تشتهر لهذا الزمان بين المتكلمين بالعربية، ولا اعتنى فحول أدبائنا في تأليف الروايات لا بالنظم، ولا بالسجع، ولا بالنثر كما فعلت النشأة الجديدة من أدباء اللسان العثماني.
Shafi da ba'a sani ba