Tarihin Ilmin Adabi
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
Nau'ikan
الدور الأول من حياته: من ولادته سنة 1802 إلى نفيه سنة 1852
كانت فرنسا في افتتاح القرن التاسع عشر في هرج ومرج من هول «الانقلاب الكبير»، الذي حدث فيها؛ فغير معالمها وثل منها عرش الاستبداد، وحرر العقول، وبدل الظلام بالنور، ووضع العدل في موضع الظلم، وجرى بسبب ذلك من الفظائع الدموية ما تقشعر من سماع حديثه الجلود، لبث الانقلاب من سنة 1790 إلى سنة 1795، ثم نبغ بونابرت، واكتسح بالعساكر الفرنساوية إيطاليا، ثم مصر وفلسطين، وطاف بها أوروبا من مشرقها إلى مغربها، وقهر الملوك والإمبراطور والقيصر، واستقدم البابا من رومية إلى باريس ليلبسه تاج الإمبراطورية ويسميه نابوليون الأول، وأجلس زوجته جوزيفين على سرير الملكة ماري أنتوانيت ثم لم يستحسن التاج على رأسها لأنها أرملة الجنرال بوهارنه، فأبدلها بماري لويز بنت إمبراطور ألمانيا، وجعل أخاه الأكبر يوسف بونابارت ملكا على نابولي، ثم ملكا على إسبانيا، وحشد عساكره في هاتين المملكتين، وكان سيجسبر هوكو والد صاحب الترجمة ضابطا في عسكر الفرنساويين ومأمورا مع جنودهم بالمحافظة على بيزانسون، وهي مدينة على طريق السكة الحديدية بين مرسيليا وباريس، وكان أبوه نجارا وجده فلاحا.
وفي 26 شباط سنة 1802 وضعت امرأته ماري في تلك المدينة غلاما نحيفا ضعيفا، فقيده في سجل نفوس البلدة باسم «فيكتور ماري هوكو»، وكان له ولدان أكبر من فيكتور أحدهما يسمى أبيل والآخر أوجين، وبعد شهرين من ولادة فيكتور تلقى والداه الأمر بالمسير إلى جزيرة كورسيكا، ومنها إلى جزيرة إيليا فحمل إليها امرأته وأولاده وأقام فيها إلى سنة 1805، ثم دعي سيجسبر هوكو إلى باريس فذهب إليها بعائلته، ودخل في خدمة الملك يوسف بونابارت، ورافقه إلى نابولي ومعه عائلته فشاهد فيكتور بركان فيزوف، وهو في السادسة من عمره، وانطبعت في ذهنه صورة هذا الجبل وما يتصاعد من فوهته من اللهيب والدخان، وارتسمت في مخيلته مناظر إيطاليا الطبيعية وجوها الصافي، فلما كبر ونظم هذه الرحلة وصف هذه المناظر في أشعاره أحسن وصف.
ولما ذهب يوسف بونابارت إلى إسبانيا ليلبس فيها تاج الملك اصطحب سيجسبر هوكو، وعاد فيكتور مع أمه وأخويه إلى باريس، وسكنوا في دير فيليانتين بجوار مدرسة الطب العسكرية التي يقال لها: «فال دوغراس»، وهي قريبة من البانتيون، فكان فيكتور يقرأ مع أخويه أشعار فرجيل على راهب متضلع في الآداب اللاتينية، واستمر على ذلك إلى سنة 1811، وقد ترقى والده وصار قائدا على الجيش، وبلغ راتبه إلى ثلاثين ألف فرنك إسبانيولي (ريوس)، ومنحه الملك يوسف لقب كونت، وعينه ناظرا على مطبخه العام، فأحضر حينئذ امرأته وأولاده إلى مادريد. فاستفاد فيكتور هوكو من هذه الأسفار فوائد كبيرة، وتمكن مع حداثة سنه من مراقبة جمال الطبيعة، وحفظ أسماء المدن والبقاع التي مر بها، وشاهد في قصور مادريد آثار العمران الشرقي، وصور أعاظم الرجال الذين قامت بهم القرون الماضية، فاتسعت مخيلته وانفتق ذهنه، ونفح بنفحات شعرائنا الأندلسيين، فرقت ألفاظه، وراقت معانيه، وظهر النفس الأندلسي في أشعاره، وسمعت النفحة الأندلسية من أكثر قوافيه، وذكر في قصيدته التي سماها غرناطة أكثر مدن الأندلس، ووصف ما فيها من المباني والقصور، وذكر في غير هذه القصيدة جميع البلدان التي مر بها في طريقه مثل أيرون، وعين العرب التي يقال لها اليوم: «فونت أرابي» وقلعة إيرناني، وجعل اسم هذه القلعة عنوانا لرواية من رواياته، ودخل وهو في مادريد مدرسة أولاد الأشراف، وخالط فيها أبناء الأمراء من الإسبانيوليين، وعرف أخلاقهم وعاداتهم، فنظمها في رواية «إيرناني»، و«ريوبلاس» وغيرهما من مؤلفاته، واستعار أسماء كثير من رفاقه؛ ليشخصهم في قصصه ورواياته، وكان يدقق في أحوال الجند، ويتأثر بأصوات أبواقهم وصدى موسيقاهم، فأبدع في وصف حركاتهم العسكرية، وفتحهم القلاع، ونزولهم مساء ورحيلهم صباحا، وسيرهم ليلا إلى غير ذلك من الأوصاف التي شخص بها حال العساكر تشخيصا تاما.
ولما انقلبت السياسة في إسبانيا، واشتد الخطر على عساكر الاحتلال أعاد الجنرال هوكو عائلته إلى باريس، ولم يبق عنده إلا ابنه الأكبر أبيل، فأدخله في خدمة الملك، ورجع فيكتور هوكو مع أمه وأخيه إلى الدير الذي كان فيه، وعكف على مطالعة ما عند أمه من الكتب كمؤلفات فولتير، وجان جاك روسو، وديدرو أحد مؤلفي الإنسلكوبيدي، ومؤلفات السائح كوك وغيرهم. وكان لأمه ألفة بعائلة فوشر أحد مستخدمي نظارة الحربية، فكانت مدام فوشر تكثر التردد عليها، ومعها ابنتها الصغيرة عادلة (أديل) لتلعب مع فيكتور وأخيه أوجين، وتستنشق الهواء الصافي في بستان الدير، ولما ضبطت الحكومة هذا الدير في جملة ما ضبطته من أملاك الرهبان سكنت زوجة الجنرال هوكو بالقرب من دار فوشر، فكثر اختلاط فيكتور هوكو بعادلة، وألفها حتى صارت فيما بعد زوجته.
ولم يمض كثيرا من الزمان حتى اشتدت الأزمات السياسية، وتوالت الحوادث المرهبة، وعاد نابوليون بالخيبة من سفر موسكو، وعاد أخوه يوسف بعساكره من إسبانيا ومعه الجنرال سيجسبر هوكو، فالتمس الرجوع لمأموريته والدخول في سلك العساكر الفرنساوية، فلم يقبلوه إلا برتبته السابقة، وبعد أن دارت الدائرة على نابوليون الأول، وحبطت أعمال الحكومة الإمبراطورية وعاد آل بوربون إلى كرسي المملكة الفرنساوية تقرب الجنرال هوكو إلى لويس الثامن عشر، وتملق إليه حتى صار من المقربين لديه، فخلع عليه رتبة الجنرالية، وسلمه قيادة العسكر، فأراد إدخال ولديه الأصغرين في هذا السلك كما أدخل أخاهما الأكبر من قبل، فوضع فيكتور وأخاه أوجين في مدرسة «لوي لوغران»؛ ليدخلهما فيما بعد مدرسة الفنون الحربية وهما من المدارس التي لم يزل يتردد إليهما بعض أبناء الشرق في باريس، فأقبل فيكتور هوكو على تحصيل العلوم الرياضية، ولم يترك مع ذلك نظم الأشعار، فنظم عدة قصائد في الغزل والمدح والهجو والهزل والرثاء، وقصيدة في الطوفان، ولم ير مباينة بين العلوم الرياضية المبنية على حقائق برهانية، وبين علوم الشعر التي كان يظنها الناس خيالات باطلة وأوهاما كاذبة، وإن أعذب الشعر أكذبه، بل كان يعتقد بأن الشاعر لا بد له من تعلم العلوم الرياضية والطبيعية، وكان يعتبر تصور حوادث الكون، وتخيل مناظر الطبيعة، وجمع معاني ذلك في الذهن ثم إفراغ المعاني في قوالب الألفاظ، ونسجها في أبيات الشعر كل ذلك أشبه بتصوير المسائل الحسابية والهندسية، وحل المعادلات الجبرية؛ ولذا قال: بأن صباه لم يكن إلا تخيلا طويلا ممزوجا بدرس مدقق، وأن لا مباينة بين التدقيق والشعر؛ لأن القواعد الرياضية تطبق في الشعر كما تطبق في العلم، وقال أيضا: «إن الكلمة كائن حي فاعلموه.»
وكان شاتوبريان من أفحل أدباء العصر، وله مؤلفات جليلة في النظم والنثر، وقد طاف بلاد الشرق، وزار مصر وسوريا واليونان، وألف بعد ذلك كتابه المسمى «روح النصرانية»، وبحث عن حكمة الديانة المسيحية، فطالعه فيكتور هوكو وأعجب به، وتشرب منه آراء المذهب الكاثوليكي وسياسة الحزب الملوكي، فكتب على دفتره، وهو في المدرسة بتاريخ 10 يوليو سنة 1816: «أريد أن أكون شاتوبريان أو لا شيء.» وبعد سنة من هذا التاريخ فتحت الأكاديمية الفرنساوية مسابقة للشعراء، وجعلت موضوع السباق «فوائد المطالعة»، فنظم فيكتور هوكو في هذا المعنى 320 بيتا عرضها على لجنة التحكيم، ولم يكن له من العمر إلا خمس عشرة سنة، فاستحسنوا أبياته، واستصغروا سنه، وظنوه سارقا شعره فلم يعطوه الجائزة، واكتفوا بقيد اسمه في دفتر الشعراء، وفي السنة التالية بعث إلى جمعية «لعب الأزهار» - وهي جمعية أدبية تأسست قديما في طولوز - القصيدة التي سماها «عذارى فيردون»، وتشبب فيها ببنات تلك المدينة التي على الحدود الألمانية، وبعث أيضا بقصيدة أخرى في مدح هنري الرابع، فنال بهما جائزة الجمعية.
وفي سنة 1818 أكمل فيكتور هوكو دروسه في مدرسة «لوي لوغران»، واستنكف من الدخول في امتحان المسابقة لأجل قبوله في المكتب الحربي، وكتب لأبيه بأنه عدل عن سلك العسكرية، واتخذ الشعر صنعة يتعيش منها وأن لا حاجة له بالراتب القليل المعين له، وأقبل على الجد والاشتغال ومثابرة الأعمال، واشترك مع أخيه الكبير أبيل، وكان له مشاركة في علوم الأدب، فأسسا جريدة أدبية عنوانها «المحافظ الأدبي»، ونشر فيكتور هوكو الأشعار البديعة، والمقالات الانتقادية.
وكان لويس الثامن عشر الذي جلس على سرير الملك سنة 1824 عاقلا ماهرا لم يصغ لأقوال الذين يريدون إطفاء نور العلم والحرية، وإعادة المظالم القديمة، بل أعطى الشعب حقوقه، وسن لبلاده القوانين، وكان ولي عهده أخاه شارل العاشر وله ولد اسمه دوك دوبري قتله أحد الرعاع، وهو خارج من مرسح الأوبرة سنة 1820، وخلف دوك دوبري طفلا صغيرا اسمه دوك دوبوردو، فنشر فيكتور هوكو في جريدته قصيدة هنأ فيها بالمولود وأخرى رثى فيها الوالد والقصيدتان موافقتان لسياسة الحزب الملوكي، فاستحسنهما لويس الثامن عشر، وأجازه عليهما بخمسمائة فرنك، وفي تلك السنة بعث فيكتور هوكو إلى جمعية لعب الأزهار في طولوز بالقصيدة التي عنوانها «موسى على النيل»، فكافأته عليها بالمدالية الذهبية، وكانت على شكل الزهرة ومنحته لقب الأستاذ في جمعيتها.
فاشتهر هوكو وانتشر شعره، ولقبه شاتوبريان بالولد النجيب، وفتحت الشعراء له أبوابها، فتعارف على ألفرد دوفينيه ولامارتين مؤلف «الرحلة الشرقية»، وسومه وإميل دوشان وغيرهم من شعراء العصر وفحول أدبائه، وفرح به جميع المنتصرين للحزب الملوكي؛ لأنه على مذهبهم السياسي ودينهم الكاثوليكي، وترنموا بأبياته في مجامعهم، وأنشدوا قصائده في نوادي سمرهم، وكان ينظم لهم القصائد الهزلية والمدائح الملوكية على ما يوافق مشربهم مثل «التلغراف»، و«المقيد السياسي»، و«القريحة»، وغيرها.
Shafi da ba'a sani ba