ولم يكن رجال دولة الخروف الأبيض أهلا للملك؛ بل كانوا كرجال الدولة التركمانية المنقرضة، ومن أجل ذلك قامت بين أفراد الأسرة المالكة حروب عنيفة بعد موت حسن الطويل في سنة 883ه فقتل أكثرهم، واستمرت الفتن والحروب حتى تولى آخرهم السلطان مراد بن يعقوب شاه في الوقت الذي كانت فيه الدولة الصفوية الفارسية قد قوي أمرها، وفتحت بلادا كثيرة، فحمل الشاه إسماعيل الصفوي على العراق في سنة 914ه وأخذه من السلطان مراد بعد حروب، ولم تكن مدة حكم دولة الخروف الأبيض في العراق أكثر من أربعين سنة، ولم يصلنا عن البصرة في عهد هاتين الدولتين التركمانيتين شيء يستحق الذكر، ولا شك أنها كانت في اضطراب كغيرها من المدن العراقية؛ بسبب توالي الفتن والحروب منذ قامت دولة الخروف الأسود إلى أن انقرضت دولة الخروف الأبيض هذه. (3) البصرة في عهد الدولة الصفوية الفارسية
كان الشاه إسماعيل الصفوي بن حيدر مؤسس الدولة الصفوية في إيران قد فتح بلادا كثيرة، وأسس مملكة واسعة الأطراف، وكان طامحا في العراق، فلما قوي أمره، ورأى أصحاب العراق قد أنهكتهم الحروب الداخلية حمل عليه في سنة 914ه كما تقدم، وبعد حروب استولى على بغداد أولا، ثم على غيرها، فدانت له أكثر بلاد الرافدين، ولكنه لما انشغل في حروب خراسان حمل السلطان مراد بن يعقوب شاه على بغداد في سنة 916ه فاستردها، فأعاد الكرة الشاه إسماعيل، فطرد السلطان مراد من العراق طردا نهائيا، وقرض دولة الخروف الأبيض التركمانية في سنة 920ه، وولى على العراق حاكما عاما أحد رجاله المدعو إبراهيم خان، وجعل مقره بغداد، فولى هذا الأمير على البلاد التابعة له رجالا من خاصته ومنها البصرة.
وتوفي الشاه إسماعيل في سنة 930ه فتولى الملك ابنه الشاه طهماسب الأول، وكان قاسي الحكم، فولى على البلاد العراقية رجالا قساة مثله، فظلموا الناس؛ حتى اضطر أكثر أهل البلاد إلى الهجرة من أوطانهم، وعصت أكثر القبائل العراقية، واستقلت بنفسها.
وتغلب في السنة نفسها - 930 - على بغداد الأمير ذو الفقار بن نخود سلطان
2
رئيس قبيلة موصلو من عشيرة كلهور الكردية، وكان قبل ذلك مستوليا على أطراف لورستان، فلما دانت له بغداد وبعض مدن الرافدين احتمى بالسلطان سليمان القانوني العثماني، وأرسل إليه وفدا من بغداد لعرض الطاعة والدخول تحت سيادته، وخطب له على المنابر، وضرب السكة باسمه. أما الشاه طهماسب فإنه لما بلغته أعمال ذي الفقار تريث، حتى إذا ما كانت سنة 936ه حمل على بغداد بجيشه فحاصرها، ولكنه لما عجز عن أخذها بالقوة لحصانة أسوارها يوم ذاك ركن إلى الخداع - والحرب خدعة - فأغرى علي بيك وأحمد بيك أخوي ذي الفقار، وأطمعهما بالمناصب الرفيعة والمال فانخدعا؛ فاغتالا أخاهما وقتلاه غدرا، وسلموا المدينة إلى الشاه في سنة 936ه، وعلى أثر سقوط بغداد سلمت أكثر المدن، فولى الشاه على العراق حاكما عاما بكلو محمد خان، وجعل مقره بغداد، فولى هذا الأمير على البصرة والجزائر قانصو بيك الفارسي، وبقيت هذه المدينة وسائر المدن العراقية خاضعة للفرس حتى حمل السلطان سليمان القانوني على العراق، ودخل بغداد فاتحا في سنة 941ه. (4) البصرة في العهد العثماني الأول
يقول بعض المؤرخين: إن الذي حمل السلطان سليمان القانوني على إشهار الحرب على الصفويين قسوة الفرس واضطهادهم السنة أبناء مذهبه، في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية قد بلغت فيه مبلغا عظيما من القوة.
فصمم السلطان على الانتقام منهم، فأعلن الحرب عليهم، فافتتحت جيوشه تبريز، ثم بغداد في سنة 941ه ثم الموصل، ودانت له بلاد الرافدين، ولعله اتخذ اضطهاد أبناء مذهبه ذريعة للاستيلاء على هذا القطر شأن أكثر الملوك حينما يخدمهم السعد، وتقبل عليهم الدنيا.
أما البصرة: فإنها كانت يوم مجيء السلطان سليمان إلى بغداد بعد دخول جيشه فيها بأيام تحت حكم أمير فارسي اسمه راشد خان، وكان قد بلغه سقوط بغداد وغيرها، فخاف على نفسه ومنصبه فسار إلى بغداد؛ للمثول بين يدي هذا الفاتح الكبير، فلما قدمها عرض الطاعة والخضوع، فأقره السلطان على البصرة على شرط أن تكون الخطبة والنقود باسم السلطان، وأن يكون ممتثلا لأوامر ولاة بغداد الأتراك في المسائل الهامة، فعاد راشد خان إلى منصبه، ولكنه استبد بالأمور بعد أشهر كأن لم تكن له رابطة بالدولة العثمانية، فاضطرت إلى إرسال جيش بقيادة الوزير إياس باشا لطرد راشد خان من البصرة،
3
Shafi da ba'a sani ba