Tarihin Babil da Ashur
تاريخ بابل وآشور
Nau'ikan
ولما كانت سنة المائة والألف قبل الميلاد وفد مرودخ دنياكي الكلداني على آشور بجموعه وأقام الحصار على هيكالي فدمرها عن آخرها، وكان على آشور إذ ذاك تغلث فلأسر وكان ملكا عالي الهمة شجاعا فاتكا، فألب جيشه وبرز لقتال دنياكي فالتحمت الحرب بين الفريقين زمانا حتى كانت الغلبة لآشور، فولى جيش الكلدان أدبارهم بعد أن قتل منهم خلق كثير وكانت آخر نوبة زحفوا فيها على آشور إلى أن نهض بعليزيس الكلداني وتحالف مع أرباش المادي وجيش على نينوى، فأخذها عنوة وتركها قاعا صفصفا وذلك سنة 788 قبل الميلاد، وقد أسلفنا طرفا من هذه الواقعة في القسم الأول من الكتاب، وسنعود إلى تفصيلها إن شاء الله تعالى.
ذكر الدولة الآشورية الأولى
أما تاريخ الدولة الآشورية فلم تزل أوائله غائبة تحت ظلمات الإبهام لا يكاد يوقف منها على حقيقة يوثق بها، ولا سيما ما كان منها بعيد العهد في أزمان نشأتها، وقد تباينت أقوال المؤرخين في مؤسس هذه الدولة ومشيد أركانها الأول، فمنهم من قال إن نمرود هو أول من أسس مدينة بابل، ثم خرج إلى نينوى فبناها، وقد سبق لنا كلام في هذا المبحث عند ذكر مدينة نينوى يغني عن التكرار هنا.
وذهب غيرهم إلى أن باني نينوى هو نينوس، بدليل تسميتها وظاهره غير بعيد من الصحة لولا معارضة النصوص له كما ورد في سفر الخليقة من أن بانيها آشور بن سام على ما أسلفناه هناك، وأكثر أرباب البحث في هذا العصر على أن بانيها مجهول أو أنه لا يتعين لها بان بعينه، وإنما هم جماعة من أهل تلك الأرض ضربوا فيها مساكنهم، ثم أخذوا يشيدون فيها المباني شيئا بعد شيء وتوطنوها، وجعلت العمارة تتزايد فيها كلما تكاثر أهلها واتسعت أرزاقها شأن غيرها من سائر الأمصار.
قلت: والأظهر أن أولئك القوم كانوا شرذمة من الكلدان نبت بهم أوطانهم فخرجوا إلى تلك الأرض، ولما استقروا في موضع منها ولوا أمرهم رجلا منهم لقبوه بآشور، وهي كلمة بمنزلة القيل عند العرب، ثم أخذوا في بناء هذه المدينة وآووا إليها وتداولوا ملكها، وكان من أمرها ما نحن فيه. يشهد لذلك أنا نرى أكثر الأشياء التي تواطأ عليها الآشوريون من نحو العقائد والعوائد واللغة وأشكال الأبنية وغير ذلك هي نفس ما عند الكلدان، ولا نرى كذلك بقية الأمم المتجاورة فإنها إن لم تكن ذات أصل واحد لم تكد تتوافق إلا في الشيء القليل مما لا يقضي بينها بهذا الحكم، وفي هذا الرأي موافقة لمقال مؤرخي الكنيسة من أن آشور وقومه لبثوا زمانا مخالطين للبابليين في أرض الكلدان، ثم فارقوهم لظلم أحسوا به أو استقلال سموا إليه، فصح أن أصل الآشوريين كلداني استدلالا ونقلا، والله أعلم بالصواب.
ثم إن نص الكتاب لا يورد من هذا القبيل إلا لمعة خفيفة، وبقي تاريخ أعقاب آشور وما آل إليه أمرهم في تقلب ملكهم كل ذلك مجهولا إلى هذا العهد، وقصارى ما يعلم من شأنهم أنهم أفضى بهم حول الدهر إلى الوقوع في قبضة ملوك الكلدان، إلا أن هذا النبأ عار عن التفاصيل غفل من بيان علل سقوطهم وتاريخ انحلال ملكهم وتوقيت الزمان الذي لبثوا فيه تحت إمرة الكلدان إلى حين خروجهم من ربقتهم، وقد يستخلص مما ذكره الكتاب من أن الله جل وعلا لما أراد عقاب بني إسرائيل على معصيتهم أسلمهم إلى كوشان رشعتائيم ملك أرام النهرين، أن الآشوريين كانوا في ذلك العهد تحت ربقة الكلدان؛ لأنهم لو كانوا مستقلين في ملكهم لأسلم بني إسرائيل إليهم لينفذوا فيه نقمته، كما كان من شأنه تعالى أن يسلطهم عليهم كلما أراد نكالهم على ما سنبينه في الكلام على أسرحدون وشلمنأسر وبختنصر وغيرهم، ومهما يكن من ذلك فالذي يفهم من روايات المؤرخين أن الآشوريين مضى عليهم القرن الثامن عشر والسابع عشر والسادس عشر قبل المسيح، وهم في قبضة الكلدان يذوقون من أنواع الذل وأصناف الجور ما لا طاقة لهم به، حتى ضاقت صدورهم وعيل اصطبارهم، فأخذوا يجهدون في التملص من أيديهم، حتى إذا كادوا يظفرون بالنجاة انقضت عليهم جيوش مصر فأذاقتهم البلاء وسامتهم الخسف والرق، وما زالوا في مثل تلك الحال من ضغط المصريين عليهم وغزوات البابليين لهم ممن كانوا يلون تحت إمرة الفراعنة على ما سبق الإيماء إليه حتى انتهى القرن الخامس عشر، ثم تلاه القرن الرابع عشر فنهض في أوائله رجل منهم من أهل الشدة والنجدة يقال له نينيب فلأسر، وهو تغلث سمدان المقدم ذكره قبيل هذا، فصاح في قومه الآشوريين وجرد منهم خلقا لا يحصى وزحف بهم على بابل، فنازلها وحاصرها حصارا شديدا إلى أن افتتحها عنوة سنة 1314 وأباد أهلها قتلا وأسرا.
ونينيب فلأسر هذا هو الذي يسميه الفرس بنينوس، ويجعلون سميراميس زوجته في حديث طويل نلخصه هنا عما رواه أكتزياس طبيب أرتكزرسيس ملك فارس عن السجلات التي كانت في بلاط الفرس بفرسبوليس على ما سلف بيانه في أوائل الكتاب، وعن أكتزياس هذا أخذ أكثر المؤرخين، ومن تاريخه فيما نحن فيه ما رواه ديودوروس الصقلي من كلام يقول فيه ما معناه: ولما انحطت أحوال البابليين إثر المواثبات التي وقعت ببابل أيام دخلتها العرب نهض نينوس الآشوري لإنقاذ قومه من ربقة الذل، فشرع في حشد الجنود وجمع الأقوات واتخاذ العدد وزحف بجيشه إلى بابل، فامتلكها بعد حصار عنيف وأثخن في أهلها وقتل ملكها وحبس امرأته وبنيه وبناته وسائر من ينتمي إليه. ثم انصرف عنها فعطف على أرمينية وفي عزمه أن ينزل بها ما أنزله ببابل، فازدلف إليه ملكها بما عنده من أصناف الكنوز والذخائر الكريمة، فتقبلها نينوس من يده وانصرف عنه راضيا. ثم مضى بجنوده إلى مادي، وكان عليها يومئذ ملك جبار من أرباب الصولة والبأس فأنف من التسليم إلى نينوس والانقياد لطاعته، فواقعه نينوس وقهره ثم قبض عليه وصلبه، وبقي نينوس على مثل تلك الحال نحوا من سبع عشرة سنة يغزو في البلاد ويفتح الحصون والمعاقل ويدمر الأسوار والمدن، حتى استولى على جميع البلاد الواقعة ما بين البحر المتوسط وبحر الخزر ونهر الهند وخليج فارس. قال ولما قفل نينوس إلى بلاده بالغنائم والسبايا هم بابتناء مدينة يجعلها مباءة له ولأعقابه لا يقع في الإمكان أن يكون لها مثيل على تراخي العصور وتوالي الأحقاب، فأقام فيها الأبنية ورفع عليها سورا منيعا شيد عليها بروجا باسقة الارتفاع، ونادى بالناس إلى سكنى المدينة فاجتمع إليها ألوف من الرجال والنساء من أشراف الناس وصعاليكهم، وتواردت إليها أسباب الثروة والعمران، فما لبثت إلا زمنا يسيرا حتى صارت لا تدانيها مدينة في الأرض.
قال وبعد أن تم بناء السور هب نينوس للمسير فجند جنوده وارتحل بهم إلى بقتريا عاصمة بقتريانا، وكان قد قصد هذه المدينة من قبل وأضرم عليها لظى الحرب زمنا، ثم تراجع عنها عن عجز وخسران، فلما عاد إليها في الكرة الثانية لبث تحت أسوارها أمدا طويلا حتى ضعف رجاؤه في النصر وتخوف أن يفرغ من عنده الزاد، فتكون في ذلك هلكته وفناء جيشه. فحدث في تلك الأيام أن الإله الكبير أنفذ إلى نينوس امرأة قائد من قواده اسمها سميراميس فأشارت عليه بحيلة يتمكن بها من الاستيلاء على المدينة، ففعل فانفتحت له أبواب البلد ودخلها ووضع السيف في أهلها فتعزز سلطانه وقويت شوكته في سائر الأقطار، ومذ ذلك الحين هام نينوس في حب سميراميس وكلف لها كلفا لا مزيد عليه، وعلم بذلك بعلها القائد ورأى أنه لا يقوى على مقاومة الملك ولا يصبر عن امرأته، فخنق نفسه ومات شر ميتة، فوقع موته عند نينوس أشهى موقع، ولم يلبث أن أمر فعقد له على سميراميس وتزوجها. انتهى بتصرف.
وممن اشتهر من ملوك آشور تغلث فلأسر المقدم ذكره قبيل هذا، ولي الملك في أواخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وهو السابع من أعقاب نينيب فلأسر، وله على الآثار ما يشهد بأنه كان من جلة ملوك آشور الموصوفين بالإقدام وكثرة الغارات ووفرة العمارات، ومن عهد غير بعيد وجد له أثر في أخربة كالح شرعات قد سطر عليه تاريخ فتوحه فيما ينيف على سبعمائة سطر، ذكر في جملتها أنه بلغ في غاراته بحر الخزر الذي يسميه البحر الأعلى، ودوخ ما هنالك من البلاد وأنه اخترق جبل لبنان، ولم يكن اخترقه ملك آشوري قبله وركب البحر المتوسط إلى جزيرة رواد وزحف بجيشه على ممالك كثيرة، فقهرها ورجع عنها ظافرا وطأطأت له ملوك طانيس كنف الطاعة والخضوع، فأطرفه فرعون مصر بتمساح من تماسيح النيل توددا إليه وتزلفا من رضاه، وفي عهده نهض مرودخ دنياكي الكلداني على هيكالي وأخذها عنوة على ما قدمناه ، فثار تغلث فلأسر بجيش كثيف وأم بابل، فخرج إليه مرودخ واقتتل الفريقان في قاع من الأرض بظاهر بابل، وكانت العاقبة للآشوريين فأثخنوا في البابليين ومزقوا شملهم كل ممزق ودخلت المدينة في حوزتهم.
وبعد وفاة تغلث فلأسر انتشبت الفتن بين الآشوريين وتفرقت كلمتهم فلانت شوكتهم وضعفت صولتهم، وفي تضاعيف ذلك زحف عليهم قوم من الكيتاسيين فناصبوهم حربا شديدة فلم يستطيعوا الثبات أمامهم، واستولى الكيتاسيون على كثير من البلاد وضربوا عليهم الذلة، وبعدما شاء الله من الزمن نهض رجل من أعيان الدولة الآشورية يقال له بعل كيتراسو واليونان يسمونه ببعليتراس، وقد رأى ما حل بالدولة من انحلال عراها واختلال أمرها، فعمل على خلع الملك وهو يومئذ آشور بمار وغلبه على الملك، ونقل السرير من آشور إلى مدينة نمرود، وكان بعليتراس هذا من الأمراء آل الملك كما يستفاد من كتابة لبعلوخوس الثالث الآشوري خلافا لما يزعمه اليونان من أنه كان أجنبيا عن الملك، ولما انقضت أيامه قام بأعباء الدولة بعده شلمنأسر الثاني ثم إربين، وتعاقب بعده ملوك آخرون حتى أفضى الأمر إلى بعلوخوس الثاني، وكانت مدة ملكه من سنة 956 إلى 936، وهو الذي كانت الواقعة بينه وبين ملك مادي، فأخضعه لدولته وأقام الماديون يؤدون الجزية، ولنا من عهد هذا الملك إلى انقضاء الدولة الآشورية سلسلة متواصلة لجميع الملوك الذين ركبوا سرير آشور من غير نقص ولا خلل.
Shafi da ba'a sani ba