ثمَّ أَرَاهُم الْآيَات من الْقمل والضفادع وصيروة المَاء دَمًا، فَلم يُؤمن فِرْعَوْن وَلَا أَصْحَابه. وَآخر الْحَال أطلق فِرْعَوْن لبني إِسْرَائِيل مَعَ مُوسَى، ثمَّ نَدم فلحقهم بعسكره عِنْد بَحر القلزم، فَضرب مُوسَى بعصاه الْبَحْر، فانشق وَدخل فِيهِ هُوَ وَبَنُو إِسْرَائِيل، وتبعهم فِرْعَوْن وَجُنُوده، فانطبق الْبَحْر على فِرْعَوْن وَجُنُوده وغرقوا عَن آخِرهم.
وَمن معجزات مُوسَى قصَّته مَعَ قَارون ابْن عَم مُوسَى، رزقه الله مَالا عَظِيما قيل: إِن مَفَاتِيح خزائنه كَانَت حمل أَرْبَعِينَ بغلا، وَبنى دَارا صفحها بِالذَّهَب وأبوابها ذهب، فتكبر قَارون بِمَالِه على مُوسَى، وَاتفقَ مَعَ بني إِسْرَائِيل عَن الْخُرُوج عَن طَاعَته وَجعل لبغي - أَي قحبة - جعلا على أَن تقذف مُوسَى بِنَفسِهَا، ثمَّ أَتَى مُوسَى وَقَالَ: إِن قَوْمك قد اجْتَمعُوا، فَخرج إِلَيْهِم مُوسَى وَقَالَ: من سرق قطعناه، وَمن افترى جلدناه، وَمن زنى رجمناه، فَقَالَ لَهُ قَارون: وَإِن كنت أَنْت؟ قَالَ مُوسَى: نعم، وَإِن كنت أَنا. قَالَ: فَإِن بني إِسْرَائِيل يَزْعمُونَ أَنَّك فجرت بفلانة، قَالَ مُوسَى: فادعوها، فَإِن قَالَت فَهُوَ كَمَا قَالَت. فَلَمَّا جَاءَت قَالَ لَهَا مُوسَى: أَقْسَمت عَلَيْك بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة إِلَّا صدقت ﴿أَنا فعلت بك مَا يَقُول هَؤُلَاءِ؟ قَالَت: لَا كذبُوا، وَلَكِن جعلُوا لي جعلا على أَن أقذفك؛ فَأُوحي اللَّهِ إِلَى مُوسَى: مر الأَرْض بِمَا شِئْت تطعك، فَقَالَ: يَا أَرض خُذِيهِمْ، فَجعل قَارون يَقُول: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي، ومُوسَى يَقُول: يَا أَرض خُذِيهِمْ، فابتلعتهم الأَرْض، ثمَّ خسف بهم وبدار قَارون.
وَلما هلك فِرْعَوْن وحنوده قصد مُوسَى الْمسير ببني إِسْرَائِيل إِلَى مَدِينَة الجبارين - أرِيحَا - فَقَالَ بَنو إِسْرَائِيل: (يَا مُوسَى إِن فِيهَا قوما جبارين. وَإِنَّا لن ندْخلهَا حَتَّى يخرجُوا مِنْهَا ﴿فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ . فَغَضب مُوسَى ودعا عَلَيْهِم فَقَالَ: ﴿رب إِنِّي لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ . فَقَالَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي الأَرْض﴾ . فبقوا فِي التيه، وَأنزل اللَّهِ عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى.
ثمَّ أوحى إِلَى مُوسَى: إِنِّي متوف هَارُون، فأت بِهِ إِلَى جبل كَذَا. فَانْطَلقَا نَحوه، فَإِذا هما بسرير فَنَامَا عَلَيْهِ، وَأخذ هَارُون الْمَوْت وَرفع إِلَى السَّمَاء، وَرجع مُوسَى إِلَى بني إِسْرَائِيل فَقَالُوا لَهُ: أَنْت قتلت هَارُون لحبنا إِيَّاه، فَقَالَ: وَيحكم أفتروني أقتل أخي﴾ فَلَمَّا أَكْثرُوا عَلَيْهِ سَأَلَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأنْزل السرير وَعَلِيهِ هَارُون، وَقَالَ لَهُم: إِنِّي مت وَلم يقتلني مُوسَى.
ثمَّ توفّي مُوسَى، وَاخْتلف فِي صُورَة وَفَاته، قيل: كَانَ هُوَ ويوشع يمشيان فظهرت غمامة سَوْدَاء فخافها يُوشَع واعتنق مُوسَى، فأنسل مُوسَى من قماشه، وَبَقِي يُوشَع معتنق الثِّيَاب، وَعدم مُوسَى، وأتى يُوشَع بالقماش إِلَى بني إِسْرَائِيل فَقَالُوا: أَنْت قتلت مُوسَى ووكلوا بِهِ، فَسَأَلَ اللَّهِ أَن يبين بَرَاءَته فَرَأى كل رجل كَانَ موكلا على يُوشَع فِي مَنَامه أَن يُوشَع لم يقتل مُوسَى فَإنَّا رفعناه إِلَيْنَا، فَتَرَكُوهُ. وَقيل: بل تنبأ يُوشَع وأوحي إِلَيْهِ، وَبَقِي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
1 / 19