186

قال أبو الحسن الهمداني الحروري وكان على مذهب الشافعي، يجمع بين الفقه والتجارة عندما وصل إلى اليمن بتجارته في بعض الأوقات وأراد رؤية الإمام الهادي (ع) لما يصل إليهم من آثاره، ولما وصل صعدة قال لمن لقيه كيف يصل إلى الإمام الهادي (ع) ومتى؟ وبمن يتوسل؟ فقيل له: الأمر أهون مما تقدر، تراه الساعة إذا دخل الجامع للصلاة بالناس فإنه يصلي بالناس الصلوات الخمس كلها. قال الحروري: فانتظرته حتى خرج للصلاة فصلى بالناس وصليت خلفه، فلما فرغ من صلاته تأملته، فإذا هو قد مشى في المسجد إلى قوم أعلاء في ناحية منه فعادهم وتفقد أحوالهم بنفسه، ثم مشى في السوق وأنا أتبعه فغير شيئا أنكره ووعظ قوما وزجرهم عن بعض المناكير، ثم عاد إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه في داره فتقدمت إليه وسلمت عليه، فرحب بي وأجلسني وسألني عن حالي ومقدمي، فعرفته أني تاجر وأني وردت ذلك المكان تبركا بالنظر إليه، وعرف أني من أهل العلم، فأنس بي، وكان يكرمني إذا دخلت عليه، إلى أن قيل لي في يوم من الأيام إن غدا يوم المظالم وأنه يقعد فيه للنظر بين الناس فحضرت غداة هذا اليوم فشاهدت هيبة عظيمة، ورأيت الأمراء والقواد والرجال وقوفا بين يديه على مراتبهم وهو ينظر في القصص ويستمع الظلامات ويفصل الأمور، قال: ثم أنفذ إلي يوما من الأيام يقول: «إن كان في مالك لله حق زكاة فأخرجه إلينا»، فقلت: سمعا وطاعة، من لي بأن أخرج زكاتي إليه، وحسبت حسابي فإذا علي من الزكاة عشرة دنانير، فأنفذتها إليه. فلما كان ذات يوم بعث إلي واستدعاني فإذا هو يوم العطاء، والمال يوزن ويخرج إلى الناس، فقال: إني أحضرتك لتشهد إخراج زكاتك إلى المستحقين، فقمت وقلت: الله الله أيها الإمام كأني أرتاب فيك بشيء أو أشك في فعلك. فتبسم وقال: ماذهبت إلى حيث ظننت ولكن أردت أن تشهد إخراج زكاتك (1) وجاءه يوما رجل ضعيف وقت السحر يستعدي على قوم فدق الباب، فقال: من هذا يدق الباب في هذا الوقت؟ فقال له رجل: كان على الباب هذا رجل يستعدي. فقال: أدخله. فدخل الرجل واستعدى على قوم، فوجه معه في ذلك الوقت ثلاثة رجال يحضرون معه خصومه، ثم قال: يا أبا جعفر يريد مؤلف سيرته الحمدلله الذي خصنا بنعمه، وجعلنا رحمة على خلقه، هذا رجل يستعدي إلينا في هذا الوقت، لو كان واحدا من هؤلاء الظلمة ما دنا إلى بابه في هذا الوقت مستعد، ثم قال: «ليس الإمام منا من احتجب عن الضعيف في وقت حاجة ماسة» (2).

نشر العدالة الاجتماعية بينهم، ونظم اقتصادهم، وألغى كل ماكان يفرض عليهم من الأمراء سابقا، ولم يأخذ إلا زكاة أموالهم يتحرى العدل والنصفة في ذلك، رسم لعماله طريقة الإسلام في أخذ الزكاة، وأمرهم أن يراقبوا الله تعالى، ولايقبلون هدية، ولاينزلون على أحد، وكان يستحلفهم على ذلك، فإذا جاء صاحب المال وقال: إن زكاته أقل مما قدرها الخراص استحلفه وأخذ منه الذي قال فيقسمها على الفقراء والمساكين، ويأمر بالمناداة أين أصحاب الحاجات فيأتون لاستلام نصيبهم.

Shafi 187