تاريخ ابن حجي
تصنيف
مؤرخ الإسلام العلامة الحافظ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حجي السعدي الحسباني الدمشقي (٧٥١ هـ - ٨١٦ هـ)
«حوادث ووفيات: ٧٩٦ هـ - ٨١٥ هـ»
ضبط النص وعلق عليه
أبو يحيى عبد الله الكندري
[المجلد الأول]
Shafi da ba'a sani ba
حُقُوقُ الطَّبْعِ مَحْفُوظَةٌ
الطَّبْعَةُ الأولى
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
الْكتب والدراسات الَّتِي تصدرها الدَّار تعبر عَن آراء واجتهادات أَصْحَابهَا
دَار ابْن حزم للطباعة والنشر والتوزيع
بيروت - لبنان - ص ب: ٦٣٦٦/ ١٤ - تليفون: ٧٠١٩٧٤
1 / 2
تَارِيخ ابْنِ حِجِّي
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 4
المقدّمَة
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، فإن من أعمّ النعم وأشمل المنن ما تفضّل به الرب ﷾ علينا من الوقوف على تراث هذه الأمة والاطلاع على بعض جوانبه سائلين المولى ﷿ أن يجعل كل جهد وخاطر في ميزان الحسنات يوم يقوم الأشهاد. اللهم آمين.
فإنه لما كنت أنظر في كتاب "بهجة الناظرين" في تراجم الشافعية لرضي الدين الغزي ﵀ ت ٨٦٤ هـ منذ أكثر من ثلاث سنوات لفت انتباهي كثرة استشهاده لعالم جليل وعلم مؤرخ يكثر من ذكره ويعود إلى قوله خاصة إذا كانت وفاة من يترجم له قبل عام ٨١٦ هـ وبالأخص إذا كان شاميًا، فهو يكثر أن يقول: "قال الشيخ شهاب الدين ابن حجي" في أكثر من عشرة مواضع من كتابه، مما دفعني ولله الحمد والمنة والفضل أن أراجع ترجمة هذا الإمام فأجدني أمام سيرة إمامٍ علمٍ جليل من أعلام هذه الأمة المباركة، ذكره الفضلاء في كتبهم واستفاد منه العلماء في مصنفاتهم، فقوله منثور في كتب التراجم والتواريخ من عصره إلى عصر ابن العماد الحنبلي في شذراته عبر ثلاثة قرون.
وعند التمعّن في قراءة ترجمته ومصنفاته تبيّن أنه بنى كتابه التاريخ على كتاب الحافظ العلاّمة ابن كثير ﵀ ت ٧٧٤ هـ "البداية والنهاية"، وفي ترجمة المصنف ﵀ عند تلميذه ابن قاضي شهبة
1 / 5
﵀ في طبقات الشافعية تفصيل مراحل تصنيف هذا الكتاب فابن قاضي شهبة يقول:
"وكتب "ذيلًا" على "تاريخ ابن كثير" وغيره، بدأ فيه من سنة إحدى وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر، ثم من توفي فيه، وهو مفيد جدًا، كتب منه ست سنين، ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قُبيل وفاته بيسير، وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته".
ثم إن محققا كتاب "شذرات الذهب" لابن العماد الحنبلي الأستاذين الفاضلين عبد القادر ومحمود الأرناؤوط يعلّقان في الحاشية ٩/ ١٧٤ على العلاقة بين الكتابين "البداية والنهاية" و"تاريخ ابن حجي"، جاء فيها:
"الذي ترجّح عندي بأن الحافظ ابن كثير قد توقف في "تاريخه" أول الأمر سنة (٧٣٨ هـ)، ثم تابع التأريخ إلى سنة (٧٧٤ هـ) ويشهد لذلك كلام الحافظ ابن حجر في أول كتابه "إنباء الغمر" (١/ ٤) حيث يقول: ... وهذا الكتاب يحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلًا على ذيل التاريخ للحافظ عماد الدِّين ابن كثير فإنه انتهى في "تاريخه" إلى هذه السنة. وما كتبه الحافظ السخاوي في أوائل سنة (٧٧٤) حيث قال: وفي أثناء شعبانها انتهى "تاريخ العماد ابن كثير" وكان حين ضرره وضعفه يملي فيه على ولده عبد الرحمن. ويبدو بأن النسخة التي كانت محفوظة في المكتبة الأحمدية بحلب من "البداية والنهاية" والتي اعتمدناها كنسخة أولى في تحقيقنا للكتاب مع طائفة من الأساتذة المحققين في طبعته التي ستصدر عن دار ابن كثير هي نسخة نسخت عن النسخة الأولى المشار إليها، ثم نسخ عن النسخة التامة نسخ أخرى، فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك بأن الحافظ السخاوي قد نقل عن "البداية والنهاية" في كتابه "الذيل التام على دول الإسلام" الذي يقوم بتحقيقه صاحبي الفاضل الأستاذ حسن إسماعيل مروة، وأقوم بمراجعته، وقد أنجزنا منه المجلد الأول وهو تحت الطبع الآن، ومعلوم بأن كتاب السخاوي يبدأ بحوادث سنة (٧٤٥ هـ). وأما ما كتبه ابن حجي، وابن قاضي شهبة من التذييل على "البداية والنهاية" فإنما كان على النسخة الأولى
1 / 6
من "البداية والنهاية" المتوقفة عند سنة (٧٣٨ هـ) وأنهما لم يطّلعا على النسخة الأخرى منه التي تمّمها ابن كثير بنفسه من الكتاب، والله أعلم، وانظر ما كتبه العلَّامة الشيخ محمد راغب الطباخ في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق (١٨/ ٣٧٦) وما كتبه العَلّامة الشيخ محمد أحمد دهمان في المجلة المذكورة (٢٠/ ٩٠) وما بعدها حول هذا الموضوع، والله الموفق لكل خير وصواب".
ومن هذا نصل إلى حقيقة واضحة وهي أن المصنف ﵀ كتب في البداية السنوات (٧٤١ - ٧٤٦ هـ) ثم انتقل إلى سنة (٧٦٩ حتى ٨١٥ هـ) والمجموع الكلي لهذه السنوات (٥٢) عامًا.
ولكن للأسف الشديد لم نتمكن من العثور إلا على السنوات (٧٩٦ - ٨١٥ هـ) وهي عبارة عن الجزء الثاني من الكتاب، وكم من كنوز مفقودة من تراث هذه الأمة المباركة كشفت الأيام عن خباياها والله المستعان.
1 / 7
شكر وتقدير
وكما بدأنا عملنا بالحمد والثناء والتمجيد للرب ﷾ والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نختمه بالاستغفار والتوبة عن كل تقصير وزلل فما كان من صواب فمن فضل الله وتمام منّه وكرمه وما كان من تقصير فمن نفسي والشيطان.
لقد كان للحصول على نسخ المخطوط الألمانية ثم الإيرلندية رحلة مباركة شارك في وصولها بين يدى القارئ الكريم أخوةٌ فضلاء، ولا يسعني في نهاية العمل إلا أن أدعو الله ﷿ أن يجزل لهم المثوبة ويبارك لهم في كل خير ويرشدهم إلى كل صواب. اللهم آمين.
وأخص بالذكر منهم الأستاذ الكريم والأخ المفضال الشيخ أبو الحارث فيصل العلي الذي تكرّم مشكورًا بالسعي للحصول على نسخة -برلين- بكل جهد، خاصة عندما سافر الأخوين الفاضلين المهندسين أحمد خليل المنصوري وحسين خليل المنصوري إلى ألمانيا فطلب منهم السؤال عن المخطوط فتفضلوا مشكورين بزيارة مكتبة برلين والاطلاع على المخطوط الأصلي وقدموا طلب التصوير، فشكر الله لهم وجعل ذلك في ميزان حسناتهم فقد كانوا أول من أعان على الخير.
وأما النسخة الإيرلندية فإن لها خبر لطيف يذكرنا بأن في خزائن المخطوطات كنوزًا مدفونة تنتظر همة الباحثين وجهد المحققين.
فقد حفظت هذه المخطوطة ضمن مجموع من مخطوطات شستربتي
1 / 9
رقم (٤١٢٥) تحت عنوان "قطعة من كتاب في التاريخ" غير معروفة المؤلف.
وقد كتب الله ﷿ الكشف عنها على يد الأستاذ الفاضل أحمد دورماز أخصائي المخطوطات بجامعة الكويت والذي كان يقوم بإدخال مجموعة من مخطوطات شستربتي في الكومبيوتر فيسّر الله ﷿ العثور عليها على يده.
وليس هذا أول أفضاله فقد تعودنا منه كل جميل وتعلمنا منه خدمة العلم وأهله فأجزل الله له المثوبة في الدارين ووفقه لكل عمل صالح متقبل. اللهم آمين.
ورغم أنني لم أحصل على نسخة شستربتي إلا بعد أن أنهيت عملي فإني عدت من جديد فأكملت ما نقص في النسخة الألمانية.
ولا أنسى في الختام أن أذكر ما تفضل به الأخوة الأفاضل في مكتبة الوسائل بجامعة الكويت من تصوير النسخة الألمانية والأخوة الكرام بمكتبة المخطوطات بوزارة الأوقاف من تصوير النسخة الإيرلندية وأخص بالذكر منهم الأستاذ الفاضل أبو مبارك سهيل الجلاهمة مدير إدارة المخطوطات والمكتبات بوزارة الأوقاف.
شكر الله للجميع وجعل ذلك في ميزان حسناتهم وأثابهم كل خير ومعروف اللهم آمين وصلى الله على محمد وآله.
وكتب: أبو يحيى عبد الله الكندري
الكويت - الفحاحيل الزاهرة
الجمعة: ٢٧ من رجب الفرد ١٤٢٣ هـ
الموافق ٤/ أكتوبر/ ٢٠٠٢
1 / 10
ترجمة المصنف
* اسمه وكنيته ومولده
هو الإمام الحافظ العلامة حافظ الشام ومؤرخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي الحسباني الأصل الدمشقي المولد والنشأة الشافعي.
كان مولده ليلة الأحد رابع المحرم بين المغرب والعشاء بخانقاه الطواويس بالشرف الأعلى ظاهر دمشق سنة إحدى وخمسين وسبعمائة.
* نشأته العلمية ومشاهير من أخذ عنهم
نشأ المصنف ﵀ في بيت فضل وعلم وديانة في كنف أبيه الإمام العلامة فقيه الشام وحافظ المذهب علاء الدين أبو محمد حجي بن موسى السعدي الحسباني ت ٧٨٢ هـ.
- وأول ما بدأ به أنه قرأ القرآن على المؤدب المقرئ شمس الدين بن حبش وختمه في سنة ستين وسبعمائة، وأخذ عنه علم الميقات أيضًا وأتقنه.
- وأما الحديث وأصوله فقد سمع من خلائق من أصحاب ابن البخاري وأحمد بن شيبان وأبي الفضل بن عساكر والشيخ شرف الدين اليونيني وابن مشرف والتقي سليمان وعيسى المطعم وطبقتهم.
1 / 11
-ومن مشاهيرهم- الأصيل المسند نجم الدين (١) أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النجم الحنبلي ت ٧٧٣ هـ، والذي قال عنه المصنف ﵀ "سمعنا منه مسموعه من مشيخة ابن البخاري وآمالي ابن سمعون".
والمسند المعمر شهاب الدين أحمد بن عبد الكريم (٢) بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي ت ٧٧٧ هـ، سمع صحيح مسلم من زينب بنت كندي واليونيني وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس، وقال عنه المصنف ﵀ "كان خيرًا حسنًا أخرجت له جزءًا".
والشيخ الصالح الكبير علاء الدين أبو الحسن علي (٣) بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجى الحنبلي ت ٧٧٨ هـ، سمع صحيح البخاري من وزيره وسمع من عيسى المطعم وغيره وحدّث، وسمع منه المصنف ﵀ وقال عنه "هو من بيت كبير ورجل جيد".
والحافظ الكبير عماد الدين أبو الفداء إسماعيل (٤) بن عمر بن كثير بن ضوء البصروي الدمشقي الفقيه الشافعي ت ٧٧٤ هـ، قال عنه المصنف ﵀ "أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه".
- والحافظ المتقن المعمر الرحلة تقي الدين أبو المعالي محمد (٥) بن
_________
(١) الوفيات لابن رافع ٢/ ٣٨٧ (٩٣١)، ذيل العبر للعراقي ٢/ ٣٣٢ الدرر الكامنة ١/ ١٠٥ (٢٩٠)، إنباء الغمر ١/ ٢١، شذرات الذهب ٨/ ٣٨٧.
(٢) ذيل العبر للعراقي ٢/ ٤٠٥، إنباء الغمر ١/ ١٦٠، الدرر الكامنة ١/ ١٧٦ (٤٥٣)، شذرات الذهب ٨/ ٤٣١.
(٣) إنباء الغمر ١/ ٢١٥، المقصد الأرشد ٢/ ٢٦٢، السحب الوابلة ١٩١ شذرات الذهب ٨/ ٤٤٤.
(٤) ذيل العبر ٢/ ٣٥٨، إنباء الغمر ١/ ٤٥، الدرر الكامنة ١/ ٣٧٣ (٩٤٤)، شذرات الذهب ٨/ ٣٩٧ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٨٥ (٦٣٨).
(٥) ذيل العبر ٢/ ٣٥٢ إنباء الغمر ١/ ٥٩، الدرر الكامنة ٣/ ٤٣٩ (١١٧٩) شذرات الذهب ٨/ ٤٠٣ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١٣٣ (٦٦٥).
1 / 12
جمال الدين رافع بن هجرس السلامي الدمشقي الشافعي ت ٧٧٤ هـ، قال عنه المصنف ﵀ "كان متقنًا محررًا لما يكتبه ضابطًا لما ينقله وعنه أخذت هذا العلم -أي علم الحديث- وقرأت عليه الكثير وعلقت عنه فوائد كثيرة" وحصل على عدة إجازات من مشايخ عصره من دمشق والقدس وبعلبك وحلب ومصر والمدينة المنورة، وقد كتب أسماء مشايخه مجردًا في بعض مجاميعه مرتبة على حروف المعجم.
ومن مسموعاته الكتب الستة والموطأ ومسند أبي حنيفة ومنتخب عبد بن حميد ومسند الشافعي والدارمي وأبي يعلى وغالب مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني وصحيح ابن خزيمة وابن حبان وكتب أبي عبيد القاسم بن سلّام.
- وأما عن مشايخه في الفقه فأولهم والده علاء الدين أبو محمد (١) حجي بن موسى السعدي الحسباني الدمشقي الشافعي فقيه الشام وحافظ المذهب ت ٧٨٢ هـ، قال عنه ولده المصنف ﵀ "حافظ العصر أحد من اعتنى بالفقه وتحصيله وتقريره وحفظه وتحقيقه وتحريره وكان كثير الاطلاع صحيح النقل عارفًا بالدقائق والغوامض، معروفًا بحل المشكلات مع فهم صحيح وسرعة إدراك وقدرة على المناظرة برياضة وحسن خلق" وقد لازم المصنف ﵀ والده شيخ البلاد الشامية نحوًا من عشرين سنة وتفقه به.
والشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد (٢) بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب المعروف بابن قاضي شهبة "الجد" ت ٧٨٢ هـ شيخ الشافعية وبقية السلف، قال عنه المصنف ﵀ "قرأ عليه الناس طبقة بعد طبقة وكان مشهورًا بمعرفة التنبيه وشرحه وحسن تقريره وكذلك كان يقرئ النحو وكنت ممن حضر عنده وحصل لي بركته وسمعت منه".
_________
(١) إنباء الغمر ٢/ ٢٥، الدرر الكامنة ٢/ ٦ (١٤٨٢) طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة ٣/ ١٥٠ (٦٨٤)، شذرات الذهب ٨/ ٤٧٣.
(٢) إنباء الغمر ٢/ ٣٥، الدرر الكامنة ٤/ ١١٠ (٣٠٧) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١٧٣ (٧٠٤) شذرات الذهب ٨/ ٤٧٦.
1 / 13
وقاضي القضاة بقية الأعلام صدر مصر والشام بهاء الدين (١) أبو البقاء محمد بن عبد البر الأنصاري السبكي الدمشقي ثم المصري ت ٧٧٧ هـ، قال عنه المصنف ﵀ "كان إمامًا نظارًا جامعًا لعلوم شتى".
والإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد (٢) بن حمدان الأذرعي ت ٧٨٣ هـ شيخ البلاد الشمالية وفقيه تلك الناحية ومفتيها والمشار إليه بالعلم فيها.
والإمام العلامة المحقق عماد الدين أبو الفداء إسماعيل (٣) بن خليفة بن عبد العالي الحسباني ت ٧٧٨ هـ، قال عنه المصنف "أحد أئمة المذهب والمشار إليهم بجودة النظر وصحة الفهم وفقه النفس والذكاء وحسن المناظرة والبحث والعبارة وكانت له مشاركة في غير الفقه ونفسه قوية في العلم".
ومن مشايخه في العربية والنحو العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد (٤) بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي العتابي ت ٧٧٦ هـ، شيخ النحاة بدمشق قدم القاهرة فأخذ عن الشيخ أبى حيان العربية والقراءات ولازمه وكتب عنه تصانيفه، ثم قدم الشام فقصده الناس للأخذ عنه وانتفعوا به وعظم قدره واشتهر ذكره وشرح التسهيل في النحو وغيره وكان حسن الخلق كريم النفس.
- وقد ذكر ابن قاضي شهبة في طبقاته وابن طولون الصالحي في
_________
(١) ذيل العبر للعراقي ٢/ ٤٠٦، إنباء الغمر ١/ ١٨٣ الدرر الكامنة ٣/ ٤٩٠ (١٣١٦) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١٢٧ (٦٦٨) شذرات الذهب ٨/ ٤٣٧.
(٢) إنباء الغمر ١/ ٦١، الدرر الكامنة ١/ ١٢٥ (٣٥٤) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١٤١ (٦٧٨) شذرات الذهب ٨/ ٤٧٩.
(٣) ذيل العبر للعراقي ٢/ ٤٥٠، إنباء الغمر ١/ ٢٠٣، الدرر الكامنة ١/ ٣٦٦ (٩٢٥) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٨٣ (٦٣٧) شذرات الذهب ٨/ ٤٤١.
(٤) ذيل العبر للعراقي ٨/ ٤١٤، إنباء الغمر ١/ ١٠٧، بغية الوعاة ١١/ ٣٨٢ (٧٤١) شذرات الذهب ٤/ ٤١٨ الدرر الكامنة ١/ ٢٩٨ (٣٨٢).
1 / 14
قلائده الجوهرية في ترجمة المصنف كثيرًا من مشايخه ومن أخذ عنهم العلم.
* ومن مشاهير من أخذ عنه وروى مصنفاته من أهل عصره، الإمام الحافظ الكبير شيخ الإسلام شهاب الدين أبو العباس أحمد (١) بن علي بن حجر العسقلاني ت ٨٥٢ هـ، والمراجع لكتاب "إنباء الغمر" لابن حجر ﵀ يجده مليئًا بقوله "قال ابن حجي" معتمدًا على أحوال البلاد الشامية وتراجمها على "تاريخ ابن حجي" ويذكر لقائه بالمصنف ﵀ فيقول "اجتمعت به بدمشق وسمعت من فوائده وذاكرته".
وتلميذه النجيب الشيخ تقي الدين أبو بكر بن أحمد بن قاضي (٢) شهبة ت ٨٥١ هـ الذي قام على وصية شيخه فرتب كتابه وأكمل تراجمه وزاد عليه إلى عام ٨٤٠ هـ.
* ولم يأت كتاب بعد المصنف ﵀ في التواريخ والتراجم يذكر الشام وأهلها إلا وزيّن كتابه بقوله "قال ابن حجي" مثل ابن حجر في إنباءه والمقريزي في عقوده وابن تغري بردي في نجومه والنعيمي في تاريخ المدارس وابن طولون في قلائده الجوهرية إلى عصر ابن العماد في شذراته إلى بداية القرن الحادي عشر.
* وأما عن مصنفاته فقد شارك المصنف ﵀ في تراث هذه الأمة المباركة، وقد أثنى على مصنفاته عددٌ ممن ترجم له مثل ابن فهد المكي ت ٨٧١ هـ في لحظ الألحاظ فقال "وله تآليف حسنة مفيدة"، وقال ابن قاضي شهبة "وصنف وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى كثرة" وقال ابن حجر "وكتب الكثير وتميز وتقدم في الفقه والحديث مع الدين والصيانة والانجماع".
وقد ذكرت المراجع عددًا من مصنفاته ﵀ فمنها:
_________
(١) الضوء اللامع للسخاوي ٢/ ٣٦، (١٠٤) شذرات الذهب ٩/ ٣٩٥.
(٢) الضوء اللامع للسخاوي ١١/ ٢١ (٦١) شذرات الذهب ٩/ ٣٩٢.
1 / 15
١ - جمع المفترق - وهو كتاب جمع فيه فوائد من علوم متعددة.
٢ - تاريخ ابن حجي وقد رتبه على حوادث السنين -وهو الكتاب الذي بين أيدينا-.
٣ - تعليق على كتاب الألغاز للأسنوي - ت ٧٧٢ هـ.
٤ - الدارس في أخبار المدارس - يذكر فيه ترجمة الواقف وشرطه وتراجم من درس بالمدرسة إلى عصره، وقال عنه ابن قاضي شهبة "وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير" وللأسف الشديد فابن طولون الصالحي يذكر الكتاب ثم يقول "وقد احترق غالبه في وقعة التتار" أي عام ٨٠٣ هـ، وقد بنى على هذا الكتاب وطريقته في التصنيف عدد من العلماء مثل النعيمي وجمال الدين بن عبد الهادي والعلموي وابن بدران.
٥ - الردود على مواضع من المهمات للأسنوي ت ٧٧٢ هـ.
٦ - شرح المحرر -في مصطلح الحديث- لشمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي ت ٧٤٤ هـ.
...
صورة خط المصنف ابن حجي ﵀
1 / 16
٧ - معجم لشيوخه رتبه على حروف المعجم مجردًا من التراجم.
* وهذه إجازة بخط المصنف مصورة من دار الخطيب بالقدس ذكرها الزركلي في الأعلام ضمن ترجمة المصنف ﵀ ١/ ١١٠.
جاء فيها "أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الحنفيين عن المؤلف إجازة عامة وأجزت له رواية الكتاب المذكور عني بهذا الإسناد ورواية ما يجوز روايته واتفق العرض المبارك في يوم الخميس أول ذي الحجة أو ثانيه سنة إحدى عشرة وثمان مائة .... جوار المدرسة الظاهرية البرانية، قال وكتبه أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد السعدي حامدًا لله تعالى مصليًا على نبيه سيدنا محمد وآله وصحبه مسلمًا".
* مكانته العلمية والاجتماعية
تميزت الفترة التي عاصرها المصنف ﵀ من وسط القرن الثامن إلى بداية القرن التاسع الهجري بكثرة المتغيرات السياسية والعسكرية والاجتماعية خاصة على مدينة الشام وقاعدتها دمشق وهو وسط ذلك مشارك في أحوالها العلمية والسياسية والقضائية مع حرصه التام على الانجماع عن الناس وعدم الخلطة بأهل النيابة والسياسة والسلطة.
وأما عن مكانته العلمية فقد ذكر ذلك ابن قاضي شهبة في طبقاته فقال: "ولي الشيخ في أواخر عمره الخطابة ومشيخة الشيوخ وانتهت المشيخة الشامية إليه وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة وخطه مليح وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه".
وقال ابن حجر في إنباءه عن المصنف ﵀ "أُريد على قضاء الشافعية مرارًا فامتنع وانتهت إليه في آخر وقته رئاسة العلم بدمشق وكان أشياخه ونظراؤه يثنون عليه".
وقال الغزي في بهجة الناظرين "وانتهت إليه بعد الفتنة المشيخه في البلاد الشامية ويكتب على الفتوى كتابة حسنة حسًا ومعنى".
1 / 17
وذكر ابن طولون الصالحي في قلائده الجوهرية المدارس التي درس فيها مثل الظبيانية والشامية والعذراوية والأتابكية وسواها من المدارس بدمشق وقال السخاوي في الضوء اللامع "وولي خطابة الجامع الأموي ونظره مرارًا وترك النيابة بل أريد على القضاء الأكبر بدمشق مرارًا وهو يمتنع".
وقال ابن فهد في ألحاظه "حصّل فنونًا من العلوم جمة ومهر في علم الحديث والفقه، وأفتى ودرس مع الصيانة والديانة واشتهر ذكره وبعد صيته، وكان لهجًا بعلم التاريخ والمواقيت".
وكان للمصنف ﵀ علاقات ومراسلات مع أهل عصره من أهل العلم فهو يذكر في عدة مواضع من كتابه ما كان يصله من أخبار يدونها في كتابه مثل مكاتباته مع القاضي تقي الدين الفاسي في مكة ومراسلات أخيه نجم الدين لما كان قاضيًا في حماة.
وألطف من ذلك وأدق ما وقع له مع نائب الشام شيخ المؤيدي عام ٨٠٩ هـ فهو يقول في حوادث شهر ذي الحجة من السنة المذكورة "ويوم الخميس ثامن عشريه .... واجتمعت يومئذ بالنائب وحدثني الدوادار شاهين بالقصة، وقال النائب: اكتب هذا في التاريخ"، فهو بهذا مُعتمدٌ عند أهل عصره كمؤرخ لهذا يسميه معاصره ابن ناصر الدين الدمشقي ت ٨٤٢ هـ عندما يترجم له في "التبيان شرح بديعة البيان" مؤرخ الإسلام.
ولمكانته الاجتماعية المرموقة فقد تم اختياره من ضمن وفد الصلح بين نائب الشام شيخ المؤيدي والملك الناصر فرج، وقد ذكر كثير ممن ترجم له هذه الوفادة على السلطان في القاهرة مثل ابن حجر وابن فهد والمقريزي والسخاوي، ويقول ابن تغري بردي في نجومه الزاهرة "وقدم القاهرة في دولة الملك الناصر فرج في الرسلية عن الأمير شيخ وكان معدودًا من فقهاء دمشق وأعيانها".
وقد وصف المصنف ﵀ هذه الرحلة من بدايتها حتى العودة إلى دمشق أدق وصف.
1 / 18
* وفاة المصنف ﵀
بعد عمر مبارك مليء بالجد والاجتهاد بين طلب العلم وتعليمه ومشاركة فعالة في جوانب الحياة متميزة بالديانة والصيانة، كما يقول الغزى ﵀ في "بهجة الناظرين" -كان حسن الشكل ديّنًا خيّرًا له أوراد من صلاة وصيام وعنده أدب كثير وحسن معاشرة-.
وافاه الأجل في سادس المحرم من سنة ست عشرة وثمان مائة مكملًا بذلك خمسة وستين عامًا ودفن بجوار والده بمقابر الصوفية بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن الصلاح وحضره الجم الغفير وكان يومًا مشهودًا، ﵀ رحمة واسعة وتقبّل منه صالح عمله. اللهم آمين.
* مصادر ترجمة المصنف ﵀
التبيان شرح بديعة البيان لابن ناصر الدين الدمشقي -مخطوط- ورقه (١٦٠) "درر العقود الفريدة للمقريزي ٢/ ١٧٩ (٢٩١) "، "السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي ٦/ ٣٥٩"، "طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١٢ (٧١٧) "، "إنباء الغمر لابن حجر ٧/ ١٢١"، "بهجة الناظرين للغزي ١١٤"، "لحظ الألحاظ لابن فهد المكي ٢٤٧"، "النجوم الزاهرة لابن تغري بردي ١٣/ ١٢٣"، "الدليل الشافي لابن تغري بردي ١/ ٤٢"، "الضوء اللامع للسخاوي ١/ ٢٦٩"، "القلائد الجوهرية لابن طولون الصالحي ١/ ١٧٨"، "الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي ١/ ١٠٤"، "كشف الظنون لحاجي خليفة ٢٧٧، ١١٢٢، ٢٠١٩"، "شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي ٩/ ١٧٣"، "إيضاح المكنون لإسماعيل باشا ٩١، ٥٠٨"، "تاريخ الأدب العربي"، "بروكلمان مترجم ٦/ ١٨٩ (١١) "، "الأعلام للزركلي ١/ ١١٠"، "معجم المؤلفين ١/ ١٨٨"، "مجلة معهد المخطوطات المجلد (٢) الجزء (١) ص ١٢٠ رقم (٣٧) ".
1 / 19
ترجمة الناسخ ابن قاضي شهبة -٨٥١ هـ-
كان من لطف الله وتدبيره أن نسختي المخطوط "الألمانية والإيرلندية" كتبتا بخط ناسخ واحد وهو تلميذ المصنف ﵀ الذي أوصاه بتكملة كتابه وهو الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة فهو يقول "وكان قد أوصاني" بتكميل الخرم المذكور فأكملته، وأخذت التاريخ المذكور وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ وتراجم أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير وبسطت الكلام في ذلك وجاء إلى آخر سنة أربعين وثمان مائة في سبع مجلدات كبار ثم اختصرته في نحو نصفه وهذه ترجمة جامعة ذكرها السخاوي ﵀ لابن قاضي شهبة في الضوء اللامع ١١/ ٢٢ (٦١).
* * *
أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف التقي بن الشهاب بن الشمس بن النجم بن الشرف الأسدي الشهبي الدمشقي الشافعي والد البدر محمد وحمزة من بيت كبير أشرت لمن عرفته منهم في المعجم؛ ويعرف كسلفه بابن قاضي شهبة لكون النجم والد جده أقام قاضيًا بشهبة السوداء أربعين سنة. ولد في رابع عشري ربيع الأول سنة تسع وسبعين وسبعمائة بدمشق ومات أبوه وهو ابن إحدى عشرة سنة بعد أن أحضره على والده في الثانية والثالثة والرابعة ومما
1 / 20
حمله عنه البخاري فاشتغل بالعلم وأخذ عن جماعة منهم كما قرأته بخطه السراج البلقيني -قال وهو أعلاهم- والشهاب الزهري وابن حجي والملكاوي والشرفان الشريشي والغزي والجمال الطيماني والزين القرشي الحافظ والبدر بن مكتوم والشمس الصرخدي وسمع كما بخطه من أبي هريرة بن الذهبي والعلاء بن أبي المجد وابن صديق وكما بخط بعضهم من غيرهم ومن جده الشمس وتدرب في التاريخ بالشهاب بن حجي وله على تاريخه ذيل انتهى فيه إلى سنة أربعين وكذا عمل مختصرًا لطيفًا مفيدًا في طبقات الشافعية استمد فيه بل وفي سائر تعاليقه التاريخية من تصانيف شيخنا ومراسلاته -ابن حجر- حسبما يصرح بالنقل عنه وعليه فيها عدة مؤاخذات، وفنه الذي طار اسم به هو الفقه قد انتهت إليه الرياسة فيه ببلده بل صار فقيه الشام وعالمها ورئيسها ومؤرخها وتصدى للإفتاء والتدريس فانتفع به خلق، وحدث ببلده وببيت المقدس سمع منه الفضلاء أجاز لي ودرس بالسرورية والأمجدية والمجاهدية والظاهرية والناصرية والعذراوية والركنية وغيرها، وناب في تدريس الشاميتين وصار الأعيان في وقته ببلده من تلامذته ورحل إليه من الأماكن النائية، كل ذلك مع الذكاء والفصاحة والشهامة والديانة وحسن الخلق والمحاسن الوافرة، ومن تصانيفه سوى ما تقدم شرح المنهاج سماه كفاية المحتاج إلى توجيه المنهاج ولكنه لم يكمل وقف فيه مكان وقف السبكي في الخلع في أربع مجلدات وشرح التنبيه سماه كافي النبيه، وحج وزار بيت المقدس وناب في القضاء بدمشق مدة ثم استقل به في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين عوضًا عن الكمال ابن البارزي ولم يلبث أن صرف بالبهاء بن حجي لكونه خطب في واقعة أينال الجكمي للعزيز يوسف بن الأشرف برسباي ثم أعيد بعد الونائى في شوال التي تليها وانفصل عن قرب أول سنة أربع وأربعين وانقطع للعلم وسافر قبيل موته بجميع عياله لزيارة بيت المقدس في رمضان وقصد الشهاب أبا البقاء الزبيري بالمدرسة الطولونية لزيارته فقيل أنه تكلم على بعض المحال من البخاري بحضرة المزور بما أبهت به من حضر حتى قال بعضهم لو كان هنا ابن حجر لم يتكلم بأكثر ولا أحسن ويحققوا بذلك تقدمه فيما عدا الفقه أيضًا،
1 / 21