ولا بد أن القارئ سيسائل: أليس هناك فرق بين الدين والفلسفة؟ وهل أنا محق في التحدث عنهما باعتبارهما وحدة؟
وجوابي أني لا أعرف أمصيب أنا أم مخطئ، ولكني هنا أذكر إحساسي، وإذا شئت التمييز بينهما فإني أقول إن الإحساس الديني هو طرب الحب، حب الطبيعة وحب الحيوان وحب الإنسان بل حب الحياة والكون. أما الإحساس الفلسفي فهو تأمل الفكر. ولكن الحقيقة أنهما يندمغان عندي، وإن كان أحدهما قد يتغلب على الآخر في بعض الظروف، وأن هذا هو إحساس غاندي: تأمل فكري وطرب عاطفي معا.
وكثير من كفاحي الثقافي - بل أحيانا السياسي - قد سرت فيه بتأمل الفكر وطرب الدين. والتأمل يطلب السكون في حين يستفزنا الطرب إلى الحركة. فإذا مزجنا الدين بالفلسفة وجدنا الكفاح. ولذلك لم أعرف قط ذلك البرج العاجي حيث استسلم للتفكير بعيدا عن المعركة؛ إذ إني لا أكاد أنتهي إلى فكرة بالتأمل حتى يعمني الطرب فأنشط إلى الكفاح.
وقد قلت إن ديانتنا وفلسفتنا تتكون أولا ثم تتبلور ثم تتجوهر. وعندي أن هذه النهاية، هذا التجوهر هو الحب. وقد انتهت جميع الأديان إلى هذا الموقف، كما انتهت السيكلوجية إليه أيضا. والحب هو اتجاه وسلوك، هو الاستطلاع الدائم للكون والرغبة النهمة في المعرفة، ثم هو التعاون والتسامح. وهذا الحب هو أيضا ما انتهى إليه الصوفيون المسلمون مثل محيي الدين بن عربي حين يقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
وقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
Shafi da ba'a sani ba