Tarbiya A Cikin Musulunci
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Nau'ikan
منهج علم النفس الذي يعتمد على الاستقراء من جهة، وعلى التأمل الباطني من جهة أخرى، وعلى مناهج تجريبية وإحصائية من جهة ثالثة. (3)
المنهج القياسي لنستمد النتائج من المقدمات التي نحصل عليها بالطريقتين السابقتين.
فلا سبيل للباحث في تربية الصبيان وتعليمهم إلا اتباع الطرق السابقة إذا شاء أن يصل إلى نتائج صحيحة. لأننا لا نعلم سلوك الصبيان وأحوالهم وتدرجهم في النمو العقلي والجسماني إلا بالمشاهدة، وهي الطريق الأول للمعرفة. ولا نقول إن الأقدمين كانوا لا يبصرون ولا يشهدون، ولكننا نقول إنهم لم يهذبوا طريقة المشاهدة، ولم يضعوا لها القواعد التي تضبطها، وجهلوا طرق التجربة التي تقرر الحقائق العامة، ولا يكون تحقيق الفروض الموصلة إلى القوانين إلا بها. ولا بد لنا من موازين تضبط بها أمثل الطرق في التعليم، والتجربة هي الميزان والنتائج العملية أصدق لسان وأنطق من كل برهان، وأحكم من الجدل العقلي الذي لا ينتهي إلى نهاية.
أما القابسي فإنه عكس الطريق، فبدأ من حيث كان ينبغي أن ينتهي؛ لأنه يعتمد على أصول ثابتة من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفرع عليها ما يريد من أحكام، والأصح أن ينظر إلى أحوال الصبيان لينتهي بعد ذلك هذه الأحكام.
ولا نلوم القابسي على سلوك هذا المنهج الخاص، وإنما اللوم على العصر كله، فمن العسير أن يتخلص المرء من البيئة العقلية التي شب فيها ونشأ عليها. وقد صورنا هذه البيئة لبيان طبيعة التكوين العقلي للقابسي. وكان الفكر مقيدا بالأغلال من ناحيتين: منطقيا ودينيا. فمن الناحية المنطقية انصرف العلماء عن بحث الطبيعة والإنسان بالاستقراء، وهو الطريق الصحيح للمعرفة. والمنهج الديني يخضع صاحبه لمبادئ لا يستطيع أن يحيد عنها، خشية الخروج على تعاليم رجال الدين، وما يجره ذلك من الاتهام بالكفر والزندقة، فكان العلماء يرون من السلامة لأنفسهم أن يتقيدوا بما ذكر الأوائل حرفا بحرف، فهو طريق مأمون سليم العاقبة.
ونحن نرى أن القابسي لو تجرد من قيود هذا المنهج، وانطلق في حرية البحث كما فعل في بعض الأجزاء اليسيرة من كتابه، لكان لبحثه شأن غير هذا الشأن.
الفصل الثالث
تعليم الصبيان في القرن الرابع الهجري
نستطيع أن نجعل كتاب القابسي الأساس الذي نعتمد عليه في الكلام عن تعليم الصبيان في القرن الرابع الهجري، دون أن يمنعنا ذلك من استقصاء آراء المسلمين الذين تقدموه أو تأخروا عنه. على أن يكون المحور الذي ندور حوله ونعود إليه، هو كتاب القابسي؛ لأنه محدود وكامل، ومرآة للعصر الذي عاش فيه.
توفي القابسي سنة 403 هجرية، وهي توافق سنة 1012 ميلادية. ولا نستطيع أن نعرف على وجه التحقيق العام الذي ألف فيه هذا الكتاب، من بين الأعوام الثمانين التي عاشها المؤلف. وأكبر الظن أنه لم يكتبه في الأعوام الأخيرة التي سبقت وفاته؛ لأننا إذا نظرنا إلى تصانيفه التي ذكرها أصحاب التراجم، نجدها أربعة عشر كما جاء عن القاضي عياض، وذكر منها صاحب معالم الإيمان عشرا، أكبرها كتاب «الممهد في الفقه وأحكام الديانة»، بلغ فيه إلى ستين جزءا ولم يكمله.
Shafi da ba'a sani ba