Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Nau'ikan
فبعد دفن المهدي سار خليفته عبد الله إلى الجامع وخطب في الناس، وأنبأهم بوفاة المهدي، فبكى وبكى الناس، ثم أوصاهم بالطاعة والاتحاد للعمل بأوامره، وبعد الخطبة تقدم الناس لمبايعته، فتلوا صورة المبايعة التي ذكرناها قبل الآن، ولكنه غير العبارة الأولى منها فجعلها: «بايعنا الله ورسول الله ومهدينا وبايعناك على توحيد الله ... إلخ.» (5) أوصاف المهدي
كان طويل القامة، عريض المنكبين، أسمر اللون فاتحه، قوي البنية، وكان أول قيامه بدعوته ربع القامة، فأصبح في أواخر أيامه سمينا ضخما، وكان كبير الرأس، عريض الجبهة، حاد العينين أسودهما، خفيف اللحية أسودها، وعلى خديه آثار الأخاديد العرضية، ثلاثة من كل جانب كسائر الدناقلة أبناء قبيلته، وكان متناسب الأنف والفم، لا ينفك مبتسما فتظهر أسنانه وبين الأماميتين منها فلجة تشبه الثمانية (8) تعد عند السودانيين وغيرهم من المشارقة علامة السعد، ويقال لصاحبها: أفلج، وكان ذلك من جملة ما حبب المهدي إلى النساء وكن يسمينه (أبو فلجة).
وكان يلبس جبة بيضاء قصيرة مضربة، تراها دائما مغسولة نظيفة، مطيبة برائحة خشب الصندل والمسك وعطر الورد، وكان مشهورا بين أتباعه بهذه الرائحة حتى نسبوها إليه فسموها «رائحة المهدي»، وذكر بعضهم خالا كان في خده ادعى أنه من علامات المهدية.
وقد علمت من تدبر ترجمة حاله أنه كان نبيها مدبرا، رضي الخلق، حسن السياسة، ماهرا في التأثير على عواطف الناس، إذا تكلم ظهر للسامعين أن جوارحه كلها تتكلم، فإذا ذكر مآثم بني الإنسان أو وصف النعيم المقبل أو حث على الجهاد بكى وتخشع وأبكى السامعين، ويظهر من مجمل سيرة حياته أنه صبور على البلوى، كاظم للغيظ، مسالم للأحزاب، محسن إليهم، راغب في امتلاك قلوبهم باللطف وحسن الأسلوب، وكان ذلك من أكبر العوامل في نشر دعوته وقيام الناس بنصرته، ولو أمد الله في أجله لكان فتح السودان صعبا على الجنود المصرية؛ نظرا لاستهلاك قواده في سبيل نصرته. أما خليفته فكان على غير خلقه من اللين والدعة والمسالمة إلى حد هاج غيرة الخليفتين الآخرين وغيرهما من الأمراء، فقام الشقاق بين الدراويش، فضعفت عزائمهم، وفسدت أمورهم، وتضعضعت أحوالهم، وسهل الفتح على المصريين. (6) تعاليمه
ذكرنا فيما تقدم ما كان من أعماله الحربية منذ ظهوره إلى وفاته، فنقتصر الآن على ذكر ما أحدثه من التعاليم والتقاليد بين مسلمي السودان: (1)
علم الزهد في الدنيا وملذاتها، ونبذ المجد الدنيوي، فأبطل الرتب والألقاب الرسمية وغير الرسمية، وساوى بين الغني والفقير، وفرض على أتباعه لباسا واحدا يمتازون به ويدل على تزهدهم وهو الجبة المرقعة.
شكل 10-11: دراويش المهدي. (2)
جمع المذاهب الأربعة (المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي) ووحدها بتسوية بعض ما بينها من الخلاف وإلغاء البعض الآخر، واختار آيات من القرآن الكريم تتلى كل يوم بعد صلاة الصبح وصلاة العصر سماها «الراتب»، وسهل طرق الوضوء. (3)
حرم الاحتفال بالأعراس احتفالا يدعو إلى النفقة، ومنع شرب الخمر وغيرهما مما يتناولونه في الأعراس، وخفض مهر الزواج فجعله عشرة ريالات وبدلتين للبكر، وخمسة ريالات وبدلتين للثيب، وجازى من يخالف ذلك بسلب أمواله كلها، وأبدل ولائم الأعراس بطعام من التمر واللبن، فتسهلت بذلك وسائل الزيجة على الفقراء، وقد كانت نفقات العرس الباهظة حائلة بينهم وبين الاقتران. (4)
أبطل الرقص واللعب، ومن رقص أو لعب فقصاصه الجلد وأخذ أمواله، وترى تفصيل ذلك في منشور المهدي الذي تقدم نشره. (5)
Shafi da ba'a sani ba