Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Nau'ikan
أن ينقذ سنار وسائر البلاد الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض (الجزيرة). (5)
أن يرسل خمس بواخر لنقل عائلات الجنود المصرية في مديريات خط الاستواء وبحر الغزال. (6)
أن يدبر طريقة لمن بقي في دارفور أن ينسحبوا إلى مصر عن طريق دنقلا.
هذه كانت مقاصده عند خروجه من مصر، وخلاصتها إخلاء السودان، فلما وصل بربر أراد أن يتلوها على أهلها فمنعه حسين باشا خليفة مدير بربر؛ لأن التصريح بذلك يعجل على بقية نفوذ الحكومة، فأطاعه ولكنه تلاها في المتمة فكانت داعية إلى سرعة سقوط بربر بعد ذلك. وأما غوردون فوصل الخرطوم في 18 فبراير كما تقدم، وفي يوم وصوله جمع أعيان الخرطوم كافة في بناية المديرية وأفهمهم مهمته، ثم خرج إلى سراي الحكمدارية فلاقاه مئات من الناس، وتراموا على يديه ورجليه يقبلونها وهم يقولون: «يا سلطاننا، يا والدنا، يا مخلص كردوفان» ثم أخذ غوردون وستيوارت في تدبير شئون الأحكام فأنشئوا أقلاما مختلفة في الحكمدارية للنظر في قضايا الناس وإنصافهم على اختلاف طبقاتهم. فأخرج دفاتر الحكومة القديمة وفيها قيود لذممات مطلوبة من أصحاب الأطيان خراجا عن أطيانهم، فوضع تلك الدفاتر في باحة عمومية وأوقد فيها النار، ولما اتقدت النيران وتعالى لهيبها استخرج الكرابيج والعصي وسائر أدوات الضرب والصفع التي كان يستخدمها الحكمداريون قبلا، وألقاها في ذلك اللهيب وأهل الخرطوم ينظرون، فكان لذلك تأثير حسن في أذهانهم، ثم أنشأ مجلسا وطنيا مؤلفا من أعيان المدينة، وبعد قليل زار الترسانة والمستشفى، وأخيرا ذهب لتعهد السجن ومعه ستيوارت وكونلجن والمستر بوار قنصل إنكلترا هناك، فرأى فيه حوادث تتفتت لها الأكباد، فضلا عن القذارة، وشاهد بين المسجونين أولادا وشيوخا بعضهم قد ثبتت براءتهم ولا يزالون في السجن، وآخرون سجنوا لتهمة فقضوا ثلاث سنين في السجن قبل أن تثبت عليهم جناية، ورأى هناك امرأة قضت خمس عشرة سنة مسجونة لذنب اقترفته في صباها، فأمر غوردون بإخراج المسجونين كافة، وتنظيف السجن، فلم يأت المساء حتى خرجوا زرافات ووحدانا وهم يطلبون إلى الله تعالى أن يطيل عمره، وقضى أهل الخرطوم تلك الليلة سهارى، فأضاءوا الأنوار الملونة، وأوقدوا المشاعل، وباتوا فرحين مسرورين.
وأراد غوردون أن يمكن محبته من قلوب أهل السودان فخفف الضرائب وأنصف المظلومين، وأبطل كثيرا من العوائد، ثم أصدر منشورا يلغي فيه كل الأوامر الصادرة بشأن إلغاء تجارة الرقيق، وهاك مفاد المنشور:
منشور إلى أهل السودان كافة
اعلموا أن راحتكم هي غاية ما نرجوه، وبما أني أعلم أن إبطال تجارة الرقيق قد ساءكم، وهالكم ما وضعته الحكومة من القصاص على من يتعاطاها، وغير ذلك مما صدر من الأوامر العالية بشأن تأكيد إلغائها، فقد رأيت التماسا لراحتكم أن أبطل كل تلك الأوامر وأمنحكم الحرية التامة، فلا يعترضكم أحد في اتخاذ الرقيق لخدمتكم، والسلام لكم.
غوردون باشا
الخرطوم
ففرح تجار الرقيق لهذا المنشور، ولكنهم استدلوا منه على ضعف الحكومة، وأنها إنما أصدرته بالرغم منها؛ لأنها لم تقو على تنفيذ أوامرها في إبطال تلك التجارة، ثم حول نظره إلى أمر المهدي فأرسل إليه في الأبيض كتابا يطلب فيه إطلاق الأسرى ويوليه كردوفان، وأرفق الكتاب بخلعة نفيسة، فرد محمد أحمد الخلعة وبعث إلى غوردون أن يسلم فيسلم، وأن المهدي لم يقم دعوته طمعا في الولاية.
Shafi da ba'a sani ba