Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Nau'ikan
فلما سد الناس رمقهم عادت اللجنة إلى البحث عن مقدار التعويضات اللازمة، فقدروا خسائر اللبنانيين وحدها بثلاثة ملايين جنيه، وشخصت اللجنة إلى دمشق للنظر فيما لحق تلك المدينة أيضا فقدروا خسارتها بمليون جنيه، فرجعت اللجنة إلى بيروت لإعادة النظر في هذه الشئون فجعلوا خسائر دمشق 700000 جنيه فقط، وقرروا أن يجمع هذا المال من مسلمي الولاية ثم والت اللجنة اجتماعاتها والآراء مضطربة، وفي اجتماعها الخامس عشر صرح فؤاد باشا أن مسألة التعويضات أصبحت من خصائص الآستانة، وللباب العالي وحده الحق في ذلك، فأرادت اللجنة مقاومته والاعتراض على قوله فلم تفلح، وبعد مخابرات طويلة تقرر أن تكون تعويضات دمشق 350000 جنيه فقط تدفع تدريجيا، وطال الجدال أيضا في المسائل الأخرى مثل معاقبة الجانين ومحاكمتهم، وأظهر اللورد دفرين ورفقاؤه ثباتا كثيرا، ولكن فؤاد باشا تغلب عليهم وأجرى ما رآه أضمن لمصلحة دولته وأحفظ لاستقلالها، والدول الأوربية تراه مجحفا بحقوق المسيحيين هناك.
وكان في جملة مطالبهم سرعة تنفيذ القصاص على الدروز الذين ثبتت الجناية عليهم، ولكن فؤاد باشا تغلب على سياستهم في ذلك، وأجل القصاص وغير أوجه المسألة وخفف الجريمة، فانتهت تلك المهمة إلى ما هو مشهور من أمرها، وقد تغلب فيها رأي فؤاد باشا بوجه الإجمال.
وفي سياحة السلطان عبد العزيز إلى أوروبا ألحق فؤاد باشا بمعيته؛ لأنه كان ناظرا للخارجية، وتعين وكيلا لعالي باشا الصدر عند سفره إلى كريد ولبث فيها مدة سنة، وأصيب فؤاد باشا في أواخر حياته بمرض في القلب، اشتدت وطأته عليه حتى ألزمه أطباء فرنسا الذهاب إلى «نيس»، فذهب إليها وتوفى فيها سنة 1285 وعمره خمسون سنة، وتقلد صاحب الترجمة منصب الخارجية خمس مرات، ثلاث منها في عصر السلطان عبد المجيد، واثنتان في عهد السلطان عبد العزيز والسرعسكرية، وتعين رئيسا للمجلس العالي (مجلس والا) وكان فؤاد باشا في صدارته الأولى يوقع على الأوامر بختم محفور عليه عبارة «الوزير الأعظم محمد فؤاد»، وفي صدارته الثانية انضمت له السرعسكرية وأحسنت إليه الذات الشاهانية بعنوان «ياور أكرم مقبل صادق».
ولفؤاد باشا شهرة طائرة في عالم السياسة، ويذكرون له وصية إصلاحية لم نقف عليها كلها.
الفصل التاسع والعشرون
محمد شريف باشا
شكل 29-1: محمد شريف باشا (ولد سنة 1823 وتوفي سنة 1887م).
هو الوزير الخطير الجامع بين العلم والسياسة والفضل والرئاسة والشهير بين أقرانه الوزراء بالغيرة على الوطن المصري غيرة خالصة من كل شائبة كما سيتضح لك من سيرة حياته رحمه الله.
ولد في القاهرة في سنة 1823 من عائلة تركية الأصل عريقة في الحسب والنسب، وكان والده قد جاء الديار المصرية في أيام المغفور له محمد علي باشا بمنصب قاضي القضاة، فأقام فيها زمنا ثم عاد إلى الآستانة حتى أذن ساكن الجنان السلطان محمود الثاني نقاد الرجال بتقليده منصب القضاء في الحجاز، فمر في طريقه بمصر أقام فيها أياما وولده صاحب الترجمة معه وسنه إذ ذاك بضع سنين، وكان محمد علي باشا رحمه الله لحسن فراسته ينتقد الرجال بمجرد النظر إليهم، فلما رأى الغلام تنبأ بعظم مواهبه وفرط ذكائه فاستبقاه عنده، وجعله كأحد أولاده فأدخله المدرسة العسكرية التي أنشأها في الخانكاه بضواحي القاهرة وجعل فيها أولاده وأولاد الأمراء والأعيان، وبعد أن درس فيها مدة بعثه محمد علي باشا في الرسالة المصرية التي كان يبعث بها إلى أوروبا للتخرج في العلوم، وكانت تلك الرسالة مؤلفة من ثلاثة وأربعين تلميذا، أرسلوا إلى المدرسة المعدة لأبناء مصر في باريس، وكان في جملة تلك الرسالة محمد سعيد باشا ابن محمد علي والي مصر، وإسماعيل باشا الخديوي الأسبق، وغيرهما من أبناء العائلة الخديوية، وعلي باشا شريف، وعلي باشا مبارك، ومراد حلمي باشا، وعلي باشا إبراهيم، وغيرهم من أبناء الأعيان والوجهاء.
وكان صاحب الترجمة رحمه الله ميالا ميلا طبيعيا إلى العلوم العسكرية والحركات الحربية، ولا سيما في إبان شبيبته، فاختار تعلمها؛ لأن التعلم كان في تلك الرسالة اختياريا فأدخلته الحكومة مدرسة سان سير المعدة لتعليم الضباط العسكرية سنة 1843، وبعد سنتين أتم دروسها وامتاز عن رفاقه، فانتقل منها إلى مدرسة تطبيق العلوم العسكرية، قضى فيها سنتين أظهر فيهما كل ما دل على النجابة والذكاء، فانتظم في الجند الفرنساوي للتمرن عملا بمقتضى قوانين تلك المدرسة حتى توفي المغفور له إبراهيم باشا ووالده محمد علي باشا سنة 1849م فلما تولى المرحوم عباس باشا حلمي الأول استرجع الرسالة المصرية فرجع صاحب الترجمة وقد نال رتبة يوزباشي أركان حرب في الجيش الفرنساوي، وألحق بالجيش المصري ولقب من الحين بالفرنساوي، وما زال معروفا به بين عامة المصريين بشريف باشا الفرنساوي إلى هذه الغاية.
Shafi da ba'a sani ba