Tara'if fi al-'Arabiyya - within 'Aathaar al-Mu'allimi'
طرائف في العربية - ضمن «آثار المعلمي»
Bincike
أسامة بن مسلم الحازمي
Mai Buga Littafi
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٤ هـ
Nau'ikan
الرسالة الخامسة
طرائف في العربية
20 / 127
الحمد لله الذي لا إله إلا هو، وصلواته وسلامه على خاتم أنبيائه محمدٍ وآله وصحبه.
وبعد:
فما من مُعْتَنٍ بفنٍّ من الفنون إلا وتلوح له فيه نِكاتٌ (^١) لا يجد من تَقَدَّمَهُ نَصَّ عليها، فمِنْ محسنٍ ظَنَّه بنفسه يَتَبجَّح لما لاح له ويتعصَّب، ومن مُسِيءٍ يكون حَالُه كحال ذاك الأعمى الذي أَبْرَمَتْهُ (^٢) امرأتُه بإطراء نفسها بالجمال، فقال لها: لو كنتِ كما تقولين لسَبَقَني البُصراءُ إليك (^٣) [هذه نكات طريفة في العربية لم أجد من نص عليها، ولم أرض لنفسي أن أقبلها متبجِّحًا، ولا أن أَردَّها حاذٍ حذْوَ ذاك الأعمى الذي تزوج امرأة فكانت مما تطري نفسها بالجمال فلمَّا عيل صبره قال لها: لو كنت كما تقولين لما تركك المبصرون لهذا الأعمى!
لكنِّي أعرضها على أهل العلم، فإما أن يتقبلوها فأطمئن إليها، وإما أن ينبهوني على وجه الخطأ إن كان] (^٤).
_________
(^١) بالكسر، جمع نكتة بالضم.
(^٢) أي: أضجرته، وجعلته يسأم.
(^٣) انظر: نكت الهميان (ص ٦٧)، والغيث المسجم (٢/ ٣٢٩)، كلاهما للصفدي.
(^٤) هذا تخريج وضعه المؤلف بعد المقدمة السابقة، ويلاحظ فيه أنه أعاد قصة الأعمى، والأفضل أن توضع فاء قبل قوله «هذه نكات ...».
20 / 129
[نشأة اللغة] (^١)
اشتهر قديمًا وحديثًا القول بأن منشأ اللغة كان حكاية الأصوات المسموعة (^٢)، وذكروا من ذلك: «دقَّ، وقطَّ، وأنَّ، وحنَّ، وصرَّ»، ولهذا حظ من الوجاهة.
أما إذا قلنا: إن اللغة من وضع البشر، فظاهر (^٣).
وأمَّا على القول بأنها من تعليم الله ــ ﷿ ــ لآدم (^٤)، فالحكمة اقتضت تلك المناسبة.
_________
(^١) هذا العنوان من وضعي، بخلاف العناوين الآتية، فإنها من وضع المؤلف.
(^٢) أول من قال: إن أصل وضع اللغة كلها من الأصوات المسموعة كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء ... هو عباد بن سليمان الصيمري، ت (٢٥٠ هـ)، واستحسن هذا الرأي ابن جني في الخصائص، والجمهور على أن المناسبة بين اللفظ والمعنى موجودة في الكلمة غالبًا، وليست شرطًا في وضعها العربي.
وانظر تفصيل هذه المسألة في فيض نشر الانشراح للطيب الفاسي (١/ ٢٥١ - ٢٦٩)، والمزهر (١/ ٤٧)، وإرشاد الفحول (١/ ٩٩)، والخصائص (١/ ٤٦).
(^٣) ذهب أبو هاشم الجبائي المعتزلي إلى أن الواضع للغة هو البشر، وتبعه على هذا المعتزلة. راجع إرشاد الفحول (١/ ٩٨)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (١٢/ ٤٤٧)، وفيض نشر الانشراح (١/ ٢٥٠).
(^٤) وهو قول أبي بكر عبد العزيز، والشيخ أبي محمد المقدسي، وأبي الحسن الأشعري، وابن فورك، وجماعة كبيرة من أهل العلم. والمسألة فيها خلاف عريض، يصل إلى ستة أقوال. انظر: إرشاد الفحول (١/ ٩٨)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (١٢/ ٤٤٦)، وتاج العروس (١/ ٥).
20 / 130
والمهم أن حكاية الأصوات لا تفسر لنا إلا جزءًا ضئيلًا جدًّا من اللغة.
وذكر أئمة العربية (^١) وجهًا آخر وهو المناسبة بين الألفاظ والمعاني من جهة اختلاف صفات الحروف وترتيبها وحركاتها، ذكر ابن جنى في الخصائص طائفةً من ذلك (^٢).
وهذا أيضًا وجيه، ولكنه لا يفي إلا بجزء ضئيل أيضًا، وقد خطر لي وجه ثالث ــ لم أر من تعرض له ــ وهو الإشارة.
لا ريب أننا إذا تصورنا أناسًا لا يعرفون لغةً علمنا أنهم يحاولون التفاهم بالإشارة مع التصويت، كما نشاهده من البكم. وكما تكون الإشارة باليد فكذلك تكون بالرأس (^٣)، وقد تكون باللسان، وحريٌّ بأولئك الأناس إذا خطر لهم أنه يمكنهم توزيع الأصوات على الأشياء، حتى يكون لكل شيءٍ
_________
(^١) كسيبويه، والخليل، كما في الكتاب (٤/ ١٤)، وابن قتيبة في أدب الكاتب (ص ٢٠٠)، في باب الأسماء المتقاربة في اللفظ والمعنى، وابن جني في الخصائص (٢/ ١٥٢)، وابن القيم في عدة مواضع من كتابه بدائع الفوائد (١/ ٨٩) (٢/ ٣٨٤)، وجلاء الأفهام (ص ٦٧).
(^٢) على سبيل المثال: «الخضم لأكل الرطب، والقضم للصلب اليابس، والنضح للماء ونحوه، والنصخ أقوى من النضح، ومن ذلك القد طولًا، والقط عرضًا، ومن ذلك قرت، وقرد، وقرط .. إلى غير ذلك من الأمثلة التي أوردها ابن جني في الخصائص (٢/ ١٥٧)، وانظر أيضًا: أدب الكاتب لابن قتيبة (ص ٢٠٠).
(^٣) راجع: لسان العرب (٤/ ٤٣٦)، والقاموس (ص ٤٢١)، وفي كتاب العلم من صحيح البخاري، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس. وذكر حديث عائشة: «... فأشارت برأسها، أي: نعم ... الحديث».
20 / 131
صوت خاص أن يحاولوا ربط الطريقة التي عرفوها وهي الإشارة بالتصويت، وإنما يكون هذا بتحري الإشارة باللسان والشفتين ويتفقدون الصوت الذي يوافق تلك الإشارة.
فمن ذلك اسم الإشارة «ذا» (^١) إذا حاول الإنسان أن يشير بلسانه وجد أنه لا يسهل عليه التصويت إلا إذا عض على لسانه ثم صوَّت رافعًا أسنانه عن لسانه، فحينئذ يخرج إما صوت الذال، وإما صوت الظاء، وإما صوت الثاء، فاختاروا الذال؛ لأن الصوت بها أرفع، وحركوها لامتناع الابتداء بالساكن، ثم وجدوا إلى أنهم يحتاجون إلى الفرق بين الذَّكَر والأنثى، ففزعوا إلى الإشارة المعنوية، والذَّكَر عندهم عالٍ والأنثى بخلافه فقالوا في الذكر: ذا، وفي الأنثى: ذي (^٢).
ومن ذلك ضمير المتكلم حاولوا الإشارة باللسان إلى النفس، وإنما يحصل ذلك بعطف اللسان إلى باطن الفم، والصوت الذي يسهل خروجه حينئذ هو النون ورأوا أن يقدموا قبله صوتًا ينبه السامع إلى الإشارة، وأسهل
_________
(^١) اعلم أن السهيلي قد سبق المؤلف إلى طرق هذا الباب، فقد قرر ما ضمنه المعلمي هنا، وزاد عليه بذكر مسائل تتعلق باسم الإشارة، ثم جاء بعده ابن القيم، واستفاد من هذا المبحث، وأورده في كتابه بدائع الفوائد (١/ ١٤٩)، وانظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص ١٧٧).
(^٢) هذا الرأي الذي أبداه المؤلف ﵀ في اسم الإشارة له حظٌّ قويٌّ من النظر، ولكن يبقى أن يقال: إن العرب أشارت للمذكر بـ «ذاءِ» ممدودًا بهمزة مكسورة، و«ذائِهِ» بهمزة بعدها هاءٌ مكسورة ــ كما في ارتشارف الضرب (٢/ ٩٧٤) ــ، وقالوا أيضًا في الأنثى: «تا، وذاتُ» بالضم. فبِمَ يجاب عن هذا؟ !
20 / 132
الأصوات الهمزةُ المفتوحةُ، وفتحوا النون أيضًا ليرتفع الصوت بالنون شيئَا فقالوا: «أنَ» (^١)،
ويمكن التطرق إلى بقية الضمائر. «أنتَ ــ أنتِ ــ أنتُم» وليس من الصعب توجيه ذلك (^٢).
ومن ذلك اسم «الماء» فإنَّ الماء يُشْرب بالامتصاص، وأقرب إشارة إلى المصِّ بأعضاء الفم أن تجتذب شفتيك إلى داخل الفم، وإذا فعلت ثم حاولت فتح الفم قليلًا لإخراج صوتٍ كان أقرب الأصوات «ما» (^٣)، وقد
_________
(^١) للعرب في «أنا» لغاتٌ، أجودها: أن تحذف الألف عند الوصل، وتثبت عند الوقف، والثانية: أن تثبت الألف وقفًا ووصلًا. والثالثة: بوزن «مَنْ». والرابعة: بمد الألف الأولى «آنَ». والخامسة: بقلب الهمزة هاءً «هَنَا». وزاد بعضهم «أنهْ» بهاء السكت.
انظر: اللسان (١٣/ ٣٧)، وشرح التسهيل لابن مالك (١/ ١٤٠).
(^٢) يقال ــ على ما قرره المؤلف ــ: إن أصل الضمير في القول الراجح الهمزة والنون، ثم لما أرادوا خطاب المذكر حاولوا الإشارة إليه باللسان، فوجدوا أيسر الحروف لأداء هذا المعنى هو التاء، ثم ناسب أن يفتحوها لأن المخاطب مذكر، وهو عالٍ، فجعلوا الأعلى للأعلى، ولأن فتح التاء يجعل اللسان يتقدم نحو خارج الفم مما يؤدي إلى تقوية الإشارة إلى المخاطب باللسان. وكذا يقال في ضمير المخاطبة «أنتِ» سوى أنهم جعلوا الأسفل ــ وهو الكسر ــ للأسفل ــ وهو المؤنث ــ.
وأما «أنتم» فالكلام فيه كالكلام في مفرده، إلا أنهم لما أرادوا الإشارة باللسان إلى جمع المخاطبين أتوا بحرف «الميم» الذي يدل على الجمع، ومخرجها يقتضي هذا ــ كما قرره ابن القيم في جلاء الأفهام (ص ٦٧) ــ ويمكن أيضًا أن يقال في ضمير الرفع المتكلم المتصل الذي في نحو «ضربتُ» إنهم خصوه بالضم؛ لكون اللسان يرجع إلى الباطن مما يشعر أن المتحدث يشير إلى ذاته وشخصه بلسانه من داخل.
(^٣) لذلك كان بعض العرب يقصر لفظ «الماء»، فيقول: «اسقني ما»، كما جاء في لسان العرب (١٣/ ٥٤٣).
وههنا لطيفة تناسب المقام، وهي: أن العرب تُشبّه صوت الظبي بلفظ الماء، قال أبو علي القالي في المقصور والممدود (ص ٣١٥): «والماء: حكاية صوت الظبي، قال ذو الرمة:
لا يرفع الطرفَ إلا ما تخوَّنه ... داعٍ يناديه باسم الماء مبغومُ
ومثله قوله أيضًا:
ونادى بها ماءٍ إذا ثار ثورة ... أُصَيْبحُ قوَّامٌ يقومُ فَيَخْرِقُ
وقال لي أبو المياس: الماء المشروب مفخم، والماء حكاية صوت الظبي ممال». اه.
20 / 133
تكون كلمة «مص» مأخوذةً من هذه الميم مع حكاية صوت الامتصاص، فإنه يقرب من حرف الصاد (^١).
ومن ذلك كلمة «بلع» فإن هذا الترتيب عنَّ (^٢) له الإشارة، أي البلع، ألا ترى أن الباء شفوية، واللام متوسطة، والعين حلقية، وهكذا [...] (^٣) المبدوء بالشفة فوسط الفم فالحلق.
وعكسها (^٤) كلمة «لفظ» و«نفث» ابتدأت كل منهما بحرف متوسط فحرف شفوي فحرفٍ يبرز معه اللسان، ولا يخفى إذا تأملت وجدت النون
_________
(^١) قد كانت العرب تدرك هذا الأمر، فتجدهم يعبرون مثلًا بالشِّيب عن صوت الإبل في شربها الماء، قال الزبيدي في التاج (١/ ٣٢٩): «(و) الشيب أيضًا (حكاية أصوات مشافر الإبل) عند الشرب. قال ذو الرمة، ووصف إبلًا تشرب في حوض متثلم، وأصوات مشافرها شِيبْ شِيبْ:
تداعين باسم الشيب في متثلم ... جوانبه من بصرةٍ وسِلامِ». اهـ.
(^٢) أي: حصل وعرض له.
(^٣) الكلمة غير واضحة، ولعلها: «البلوغ».
(^٤) أي: عكس كلمة «بلع» في الترتيب والإشارة.
20 / 134
والثاء [...] (^١) معنى النفث، واللام والظاء أنسب بمعنى اللفظ، وقريب منهما كلمة «نبذ»؛ ذلك أن الإشارة معنوية.
ومن الحسية (^٢) كلمة «ذوق»، فإن عادة من يتذوق شيئًا أن يضع قليلًا منه على لسانه، ثم يديره في فيه، ويغلب أن يصل به إلى الحلق.
ومن المعنوية كلمة «قرب» تبدأ من أقصى الحلق ثم تتوسط ثم تصل إلى أقرب ما يلي [...] (^٣) وهو الشفة.
أما «بلغ» فالإشارة فيه معنوية، ومنه «مضغ».
هذا ما حضرني (^٤)، فإذا ضممت هذه الطريقة مع التوسع في الإشارة
_________
(^١) كلمتان غير واضحتين، ولعلهما: «أنسب ببيان».
(^٢) أي: ومن الإشارة التي تدرك بالحسّ.
(^٣) هنا كلمة لم تتضح لي.
(^٤) إن الأمثلة التي ذكرها في قوله: «ومن ذلك كلمة بلع ... إلخ»، وما قرره من مناسبة دلالات الكلمات لمدلولاتها، يشبه ما بينه ابن جني في الخصائص شبهًا قريبًا، إلا أن ابن جني لم يتعرض للإشارة المعنوية أو الحسية باللسان، وهاك كلامه حيث قال في (٢/ ١٦٢): «... نعم، ومن وراء هذا ما اللطف فيه أظهر، والحكمة أعلى وأصنع، وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها، وتقديم ما يضاهي أول الحدث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقًا للحروف على سمت المعنى المقصود، والغرض المطلوب، وذلك قولهم: بحث، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض، والحاء لصحلها تشبه مخالب الأسد، وبراثن الذئب، ونحوهما إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث، والبث للتراب ... ومن ذلك قولهم: شد الحبل ونحوه، فالشين بما فيها من التفشي تشبه بالصوت أول انجذاب الحبل قبل استحكام العقد، ثم يليه إحكام الشد والجذب، وتأريب العقد، فيعبر عنه بالدال التي هي أقوى من الشين، لاسيما وهي مدغمه، فهو أقوى لصنعتها، وأدل على المعنى الذي أريد بها ..» إلخ. اهـ باختصار.
20 / 135
المعنوية وإلى ما ذكروه من حكاية الأصوات، وإلى ما ذكره ابن جني (^١)، وغيره (^٢) من صفات الحروف شدة ورخاوة وغير ذلك كثر عدد الكلمات التي يمكن تطبيقها.
ومن الواضح أنه يكفي الواضعَ لتعيين اللفظ أدنى مناسبة تحضره.
ففي باب التذكير والتأنيث ناسب أن يُذكِّروا عضْوَ التذكير من الرَّجُل، وبالنظر إليه مع البيضتين يتخيل رجل له امرأتان؛ فأنثوا اسمهما ثم اعتبروا ذلك كالأصل وهي تذكير ما كان فردًا من الأعضاء وتأنيث ما كان زوجًا، هذا الغالب وربما خالفوا لمناسبةٍ أخرى (^٣).
ومن الصعب أن نعرف من المناسبات التي حضرتهم إلا القليل، وهذه أسماء الناس مختلفة جدًّا، وكثيرًا ما يخفى على الإنسان نَفْسِه لماذا اختار له
_________
(^١) في الخصائص (٢/ ١٥٧).
(^٢) كابن القيم في كتابه جلاء الأفهام (ص ٦٧)، والسيوطي في الاقتراح (ص ٢٧) نقلًا عن ابن جني، ومحمد صديق حسن خان في العلم الخفاق (ص ١٦٢)، وغيرهم.
(^٣) من المزدوج المذكر: «الحاجب، والصدغ، والخد، والمرفق، والزند، والكوع وغيرها»، ومن الأعضاء المؤنثة وهي غير مزدوجة: «الكبد، والكرش»، ومن الأعضاء التي يجوز فيها التذكير والتأنيث: «الإبط، والعنق، واللسان، والقفا».
انظر: شرح الأشموني مع حاشية الصبان (٤/ ٩٥)، والتصريح للأزهري (٢/ ٢٨٧)، وحاشية الخضري (٢/ ٢٢٣).
20 / 136
أبواه الاسم الذي سمياه به؟ (^١).
_________
(^١) راجع: الخصائص لابن جني (١/ ٤٨، ١٨٤، ٢٣٧).
وجاء في كتاب الأضداد للأنباري (ص ٧) ما ملخصه: «وقال ــ أي ابن الأعرابي ــ: الأسماء كلها لعلةٍ، خصت العرب ما خصت منها، من العلل ما نعلمه، ومنها ما نجهله. وقال أبو بكر ــ أي الأنباري ــ: يذهب ابن الأعرابي إلى أن مكة سميت مكة لجذب الناس إليها، والبصرة سميت البصرة للحجارة البيض الرخوة بها، ... والإنسان سمي إنسانًا لنسيانه ... ثم قال: فإن قال لنا قائل: لأي علة سمي الرجل رجلًا، والمرأة امرأةً، والموصِل الموصل، ودعد دعدًا؟ ! قلنا: لعللٍ علمتها العرب وجهلناها، أو بعضها، فلم تَزُل عن العرب حكمة العلم بما لحقنا من غموض العلة، وصعوبة الاستخراج علينا» اهـ المقصود منه.
20 / 137
تَنُّور
علاقة التنور بالنار لا تخفى، وقد روي بسند ضعيف عن علي ــ ﵁ ــ أنه فسر التنور في قصة نوحٍ ــ ﵇ ــ: بتنوير الصبح (^١).
وهذا على ضَعْفِه يجعل للتنور علاقة بالنور (^٢).
والنار والنور من مادة واحدة هي مادة «ن ور» والتاء من حروف الزيادة، والزيادة بالتضعيف فاشية في العربية، لكن صيغة «تَفُّعْل» مفقودة في اللغة.
لهذا صار الجمهور إلى أن التاء أصلية وأن الواو زائدة، وأنه من مادة
_________
(^١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٢/ ٢٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٦/ ٢٠٢٨) بسندهما من حديث محمد بن فضيل بن غزوان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد مولى أبي جحيفة عن أبي جحيفة عن علي ﵁ في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ...﴾ قال: «هو تنوير الصبح».
وهذا الأثر في سنده عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، ضعفه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان وأبو حاتم وجمع من الأئمة، كما في التهذيب لابن حجر (٢/ ٤٨٦)، وفيه أيضًا زياد بن زيد الأعسم، قال عنه أبو حاتم: هو مجهول. كما في الجرح والتعديل (٣/ ٥٣٢).
(^٢) هذا القول وما سبق من قوله: «علاقة التنور بالنار لا تخفى ...» اعترض عليه بعضُهم، ففي تاج العروس (٣/ ٧٠) قال: «قال شيخنا ــ يعني الفاسي ــ: وأما ما ذكروه من كون التنور من نار أو نور، وأن التاء زائدة، فهو باطل، وقد أوضح بيان غلطه ابن عصفور في كتابه الممتع، وغيره، وجزم بغلطه الجماهير» اهـ.
وانظر أيضًا: كلام ابن سيده في اللسان (٤/ ٩٥)، ولكن هذا الاعتراض لا يرد على ما اختاره المؤلف في تصريف «التنور»، فتأمل.
20 / 138
«ت ن ر» ووزنه «فَعُّول» (^١)، أو «فَنْعُول» (^٢).
وأُورِدَ عليهم أمور:
الأول: إهمال المناسبة الصريحة (^٣).
الثاني: أن مادة «ت ن ر» ليس لها شاهد آخر (^٤).
الثالث: أنه قلما يقع في العربية نون يعقبها راء، بل قد لا يتحقق شيء من ذلك إذا كان النونُ عينَ الكلمة، والراءُ لامَها (^٥).
_________
(^١) قاله الأزهري في التهذيب (١٤/ ٢٧٠)، وأبو علي الفارسي، كما نقله عنه غير واحد، منهم السمين الحلبي في الدر (٤/ ٩٨)، وانظر كذلك الخصائص (٣/ ٢٨٥).
(^٢) هذا الوزن أجازه ابن جني في الخصائص (٣/ ٢٨٥).
(^٣) أي: المناسبة بين «التنور» والأصل المشتق منه، وهو «تنر» عند الجمهور؛ لأن المناسبة في المعنى شرط من شروط الاشتقاق، كما في العَلَم الخفاق (ص ٧٧).
(^٤) قال الأزهري في التهذيب (١٤/ ٢٧٠) في معرض كلامه على لفظة «التنور»: «... والدليل على ذلك أن أصل بنائه تَنَرَ، ولا يعرف في كلام العرب؛ لأنه مهملٌ ...».
وقال ابن جني في الخصائص (٣/ ٢٨٥): «وإنما تنور من لفظ «ت ن ر» وهو أصلٌ لم يستعمل إلا في هذا الحرف، وبالزيادة كما ترى ...»
(^٥) هذه القاعدة قد أخذ بها جماعة من أئمة اللغة والاشتقاق، وجعلها بعضهم علامة يستدل بها على عجمة اللفظة، كما في مقدمة المعرب للجواليقي (ص ١١)، وكذا قاله الخفاجي في شفاء الغليل، وقد قال سيبويه ــ فيما نقله عنه الجواليقي (ص ١٧٢) ــ: «ليس في كلام العرب نون ساكنة بعدها راء، مثل «قَنْر»، ولا «زَنْر»». اهـ.
وكذا ابن دريد كما في الجمهرة (٢/ ٣٢٧)، وأيضًا ابن فارس في المقاييس، انظر (٣/ ٢٨)، (٥/ ٤١٤)، والسيوطي في الاقتراح، انظر الفيض (١/ ٣٩٠).
وأما صاحب القاموس؛ فإنه اضطرب، تارةً ينفي مطلقًا، كما في (٢/ ٣٠١)، وتارةً يجعله قليلًا، كما في (٢/ ١٦٨).
ومن خلال التأمل في نصوص العلماء يظهر أن هذه القاعدة أكثرية، لا لازمة؛ لأني قد وقفت على بضع عشرة كلمة اجتمع فيها الراء والنون، وفي بعضها تقع النون عين الكلمة، والراء لامها، وهذه الكلمات ربما وقع فيها اختلاف أو انفرد بنقلها بعض الأئمة، أو حصل فيها تصحيف، وهذا في بعضها، لا جميعها، وثمت أمرٌ آخر، وهو أن بعض الأئمة الذين قرروا تلك القاعدة لم يلتزموا بها، بل أوردوا كلمات تخالف القاعدة، كما جرى لابن فارس في المقاييس، في مادة «قنر»، وانظر أيضًا (٣/ ٣٨) منه.
وسأذكر الكلمات ــ دون معانيها ــ حتى لا أطيل، والمعاني تلتمس من مظانها، وهي كما يلي: «خنر، زنر، سنر، شنر، قنر، نرب، نرد، نرز، نرس، نرش، هنر، ونر».
هذا ما وقفت عليه، وربما كانت هنالك كلمات تضاف إليها. والله أعلم.
20 / 139
وقد نقلوا (^١) عن الإمام أحمد بن يحيى المدعو بـ «ثعلب» أنه قال: وزنه «تَفْعول» من مادة «ن ور».
وأنكروا عليه (^٢)؛ لأنه لو كان كذلك لكان «تَنْوُور»، وما قد يُتخيَّل من إبدال الواو نونًا لا يعرف في العربية إلا شاذًّا في النسب قالوا: «صنعاني
_________
(^١) ممن نقله عنه ابن جني في الخصائص (٣/ ٢٨٥)، وأبو حيان في البحر (٥/ ١٩٩)، وانظر لسان العرب (٤/ ٩٥).
(^٢) ممن أنكره عليه ابن جني، حتى عده من سقطات العلماء، كما في الخصائص (٣/ ٢٨٥)، وكذا ابن سيده في المحكم كما نقله ابن منظور في اللسان (٤/ ٩٥)، وأنكره الفاسي شيخ الزبيدي كما في التاج (٣/ ٧٠)، وأيضًا ابن عصفور في مقدمة كتاب الممتع.
20 / 140
ــ وبهراني، والأصل صنعاوي ــ وبهراوي» (^١).
ولِمَا تقدَّم ذهب جماعة إلى أن الكلمة أعجمية استعملتها العرب، وليست من أصل لغتها (^٢).
وهذا لا يدفع قضيةَ المناسبة الصارفة (^٣).
وقد خطر لي وجه أسلمُ من جميع ما تقدم، وهو أن يقال: أصل وزنه «فَعُّول» من مادة «ن ور»، لكن وقع في حروفه قلب ــ أي: تقديم وتأخير ــ فجُعِلت العينُ موضعَ الفاء؛ فصار «وَنُّور» بوزن «عَفُّول» ثم أبدل من الواو تاءً (^٤).
_________
(^١) صنعاء: بلد معروف. وبهراء: قبيلة من قضاعة.
وهل أبدلت الهمزة نونًا، أو واوًا، ثم قلبت الواو نونًا؟ فيه خلاف بينهم. انظر بسطه في شرح الشافية للرضي (٢/ ٥٨)، (٣/ ٢١٨)، وشرح الملوكي لابن يعيش (ص ٢٨٥).
(^٢) ذهب إلى هذا المذهب الليث، والأزهري كما في التهذيب (١٤/ ٢٩٦)، وابن دريد في الجمهرة (٣/ ٥٠٢)، وابن قتيبة في أدب الكاتب (ص ٤٩٦)، والجواليقي في المعرب (ص ٨٤)، والخفاجي في شفاء الغليل (ص ١٠٣)، وكذا نقل عن أبي حاتم كما في الفائق (١/ ١٥٥)، والمصباح (ص ٧٧).
(^٣) انظر كلام ابن جني في الخصائص (٣/ ٢٨٥، ٢٨٦).
(^٤) هذا الوجه الذي رآه المؤلف قد سبقه إليه أبو الفتح محمد بن جعفر الهمذاني المعروف بابن المراغي، المتوفى سنة (٣٧١ هـ أو ٣٧٦ هـ)، فقد نقل عنه الزمخشري في الفائق (١/ ١٥٦)، وكذا أبو موسى المديني في المجموع المغيث (١/ ٢٤٤) أنه قال: كان الأصل فيه نوُّور، فاجتمع واوان وضمة وتشديد، فاستثقل ذلك، فقلبوا عين الفعل إلى فائه، فصار ونُّور، فأبدلوا من الواو تاءً، كقولهم: تَوْلَج في وَوْلج».
زاد المديني: ــ ولعله من كلامه ــ: «أي: هو من النار والنور».
20 / 141
أما القلب بالتقديم والتأخير فكثير في كلامهم مثل: «جَبَذَ» أصله «جَذَبَ» (^١)، ومثل: «صَواقع» أصله «صَواعق»، و«جَاهٌ» أصله «وَجْهٌ» (^٢)، و«أيِسَ» أصل «يَئِسَ» (^٣).
والداعي للقلب هنا (^٤) الثقل باجتماع ثلاث واوات.
وأما إبدال الواو المفتوحة أول الكلمة تاءً، فقد سمع في «تقوى»، و«تَتْرى»، و«تولج» (^٥)، وغيرهما (^٦).
بَقِيَ أن يقال: إذا قُدّمت عينُ «نوُّور» صار «ونْوور» لا «ونُّور».
_________
(^١) هذا على ما رآه أبو عبيد، والجوهري في الصحاح، وابن فارس في المقاييس (١/ ٥٠١) وغيرهم، وأنكر القلب ابن جني في الخصائص (٢/ ٦٩، ٤٣٩)، وتابعه ابن سيده في المحكم (٧/ ٢٥٦)، ونقل كلامه، وكذا المجد، وانظر تاج العروس (٢/ ٥٥٥).
(^٢) هو قول الفراء، وأبي علي الفارسي، وابن جني كما في الخصائص (٢/ ٧٦)، وكذا ابن فارس في المقاييس (٦/ ٨٩)، وجماعة من أئمة اللغة، وخالف في هذا اللحياني كما في المحكم (٤/ ٢٨٦).
(^٣) انظر: لسان العرب (٦/ ١٩)، والتاج (٤/ ١٠٣).
(^٤) أي: في «نوُّور».
(^٥) أما «تقوى» فأصلها «وَقْوَى»، و«تَتْرى» أصلها «وَتْرى» من المواترة، وأما «تَوْلج» وهو كناس الوحش، فأصله «وَوْلج» من الولوج، وهذا الإبدال قليلٌ وسماعيٌّ، وهو كما قال ابن سيده: «وليس هذا البدل قياسًا، إنما هو في أشياء معلومة ...» اهـ.
وانظر: شرح الشافية للرضي (٣/ ٨٠، ٨١، ٢١٩، ٢٢٠).
(^٦) هكذا بالأصل؛ لأن لفظة «تترى» كانت غير مضافة، ثم ذكرها في الهامش.
20 / 142
قلت: قد قالوا: «اكْرهَفَّ» (^١)، وأصله «اكْفَهرَّ»، وقالوا: أسير مُكَلَّبٌ، وأصله: «مُكَبَّلٌ»، وقالوا: «طِبِّيخ» (^٢)، وأصله: «بطيخ»، و«تكسَّع» أصله «تسكَّع» (^٣).
وفي ذلك وجهان:
أحدهما: أن يكونوا بدأوا فقلبوا أصل المادة ثم بنوا الصيغة منها، ففي «تكسع» بدأوا بمادة «س ك ع» فقلبوا فصارت «ك س ع» ثم بنوا منها على ظاهرها صيغة «تفعَّل».
فهكذا في كلمتنا بدأوا بمادة «ن ور» فصيروها «ون ر» ثم بنوا منها على ظاهرها صيغة «فعُّول» ... إلخ.
الثاني: أنهم نزلوا المضعَّف بمنزلة حرفٍ واحد، وكان التضعيفُ صفةً له، كالحركة مثلًا، وعادتهم في القلب أن يعطوا كلًّا من الحرفين صفة الآخر.
أَو قُلْ: يعطون كلا منهما الصفة الصالحة له في موضعه الجديد.
أَو قُلْ: ينقلون الحرف وتبقى صفته، ومنها التضعيف في محلها، فإذا حلَّ الحرف الآخر محله أعطي تلك الصفة محافظة على الصيغة.
_________
(^١) اكرهفَّ السحابُ: إذا غلظ وركب بعضه بعضًا، واكرهفَّ: الذكر انتشر ونعظ، واكرهفَّ: الشعر ارتفع. انظر: اللسان (٩/ ٢٩٨)، والتكملة للصاغاني (٤/ ٥٥٦).
(^٢) قال ابن سيده في المحكم (٥/ ٧٩): «والطبيخ لغة في البطيخ مقلوبة». اهـ.
(^٣) انظر تاج العروس (٥/ ٤٩٥).
20 / 143
فكما نرى في «أيِس» مقلوب «يئس» أن الهمزة فُتِحت وكانت في الأصل مكسورة، وأن الياء بعكسها، فكذا في نحو «مكلَّب» مقلوب «مكبَّل» صارتِ اللامُ مضعَّفةً مفتوحةً وكانت في الأصل عُرضةً للإعراب، وصارت الباء بعكس ذلك.
فهكذا في «تنّور» كان أصله «نوُّور» فوُضِعَت الواوُ موضع النون، وصارت النون بموضع الواو، وأعطيت كل منهما صفةَ صاحبتها.
20 / 144
تُفَّاح
مادة «ت ف ح» غير معروفة في غير هذا الاسم (^١)، فأما حكاية بعضهم (^٢): «تَفْحَةٌ» أي: رائحةٌ، فإن صحّ (^٣) فمأخوذٌ من التفاح نفسه (^٤).
وعلى هذا فقد يُدَّعى أن أصل «تُفَّاح»: «فُوَّاح» من مادة «ف وح»؛ لأن رائحته تفوح، وهي مادة معروفة في اللغة، فقُلب، فصار «وُفَّاح» (^٥)، ثم أُبدلت التاء واوًا، وإبدال التاء المضمومة في أول الكلمة واوًا أكثر من المفتوحة (^٦)، قالوا: «تُراث» وأصله «وُراث»، وقالوا: «تُجاه» وأصله «وُجاه» (^٧).
_________
(^١) لذلك قال ابن فارس في المقاييس (١/ ٣٥٠): «التاء والفاء والحاء كلمة واحدة، وهي التفاح». اهـ.
وإذا قال ابن فارس: «كلمة واحدة»، فمعناه أنه لا أصل له يشتق منه، ولا يقاس عليه، ولهذا اقتصر على قوله: «وهي التفاح».
(^٢) هو عبد الحميد أبو الخطاب الأخفش الكبير، كما صرح بهذا ابن سيده في المخصص (١١/ ١٣٨)، وأما في المحكم فإنه ذكر المعنى، ولم يصرح.
(^٣) لأنه قد تفرد أبو الخطاب بهذا القول من بين الأئمة، فإني لم أجده لغيره، وأبو الخطاب مشهور بالتفرد. قال القفطي في الإنباه (٢/ ١٥٧): «وله ألفاظٌ لغوية انفرد بنقلها عن العرب». اهـ. وذكر السيوطي في المزهر (١/ ١٣١) أمثلة على تفرده.
(^٤) هذا عكس ما قاله أبو الخطاب، فقد جاء في المحكم (٣/ ٢٠٥): «والتفاح: معروف، واحدته تفاحة، ذكر عن أبي الخطاب أنها مشتقة من التفحة ...». اهـ. وانظر أيضًا: المخصص (١١/ ١٣٨).
(^٥) أي: بتقديم العين على الفاء، فوزنه حينئذٍ «عُفّال».
(^٦) يبدو لي ــ والله أعلم ــ أن صواب العبارة أن يقال: «ثم أبدلت الواو تاءً، وإبدال الواو المضمومة في أول الكلمة تاءً أكثر من المفتوحة ...».
(^٧) انظر: شرح الملوكي لابن يعيش (ص ٢٩٥).
20 / 145
ضمير الشأن والقصة (^١)
يقول النحاة: «إن الضمير في: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] هو ضمير الشأن (^٢).
وإنه إذا كان بلفظ المؤنث كما في «هي العرب تقول ما شاءت» يسمى ضمير القصة.
وكنت أولًا أفهم وأقرر أنه يرجع إلى مقدرٍ معروف بالقرينة، وأُمثِّلُ ذلك بأن تَسْمعَ ضوضاءَ وجلبةً، ثم يجيء إنسان مِنْ ثَمَّ فتسأله: ما الشأن؟
فيقول: هو الملكُ قَدِم.
أو تقول: ما القصة؟
_________
(^١) هذه تسمية أهل البصرة، ويطلقون عليه أيضًا: ضمير الحديث، وضمير الأمر، والكوفيون يسمونه ضمير المجهول؛ لأنه لا يدرى عندهم على ماذا يعود؟.
قال ابن مالك في تعريف ضمير الشأن: «قد يقصد المتكلم تعظيم مضمون كلامه قبل النطق به، فيقدم ضميرًا كضمير غائب، يُسمَّى: ضمير الشأن، ويعمل فيه الابتداء، أو أحد نواسخه، وهي كان وإنَّ وظن، أو إحدى أخواتهن، ويجعل الجملة بعده متممة لمقتضى العامل ...». اهـ المقصود منه.
انظر: شرح الكافية لابن مالك (١/ ٢٣٤)، وشرح التسهيل للدماميني (٢/ ١٢٠).
(^٢) هذا قول جماعة من البصريين، والكسائي من الكوفيين. وقال الفراء: «هو» ضمير اسم الله تعالى، وليس للشأن، وأنه عائدٌ على ما يفهم من السياق. وأجاز جمع من العلماء الوجهين، منهم ابن الأنباري في كتاب البيان (٢/ ٥٤٥)، والعكبري في التبيان (٢/ ٣٠٩)، والسمين الحلبي في الدر (٦/ ٥٨٨)، وراجع إعراب القرآن للنحاس (٥/ ٣٠٨)، وشرح المفصل لابن يعيش (٣/ ١١٤).
20 / 146
فيقول: هي السوق زُيِّنَتْ (^١).
ولو قلتَ في الأول: ما القصةُ؟ فقال: هي الملكُ قدم.
وقلت في الثاني: ما الشأن؟
فقال: هو السوق زُيِّنَتْ. لكان صوابًا.
لكن إذا فرضنا أنك لم تسأله بمقالك ولكنه عدك سائلًا بحالك ــ ولو ادَّعاءً ــ بأن يرى أن هناك ما يوجب عليك السؤال لولا غفلتك أو تهاونك، فالمتبادر أنه مُخيَّر يُقدِّر أنك سألتَ عن الشأن أو عن القصة، فإن قدَّرَ الشأن ذكَّر الضمير في الموضعين، وإنْ قدَّر القصة أنَّث في الموضعين، لكنهم أوجبوا (^٢) التذكير في المثال الأول نحو: «الملك قَدِم»، والتأنيث في الثاني
_________
(^١) تنبيه: اعلم أن الذي فهمه وقرره المؤلف هنا، وضرب له ذلك المثال، قد سبقه إليه الرضي في شرح الكافية، حيث قال في (٢/ ٢٧): «وهذا الضمير كأنه راجعٌ في الحقيقة إلى المسئول عنه بسؤال مقدر، تقول ــ مثلًا ــ: هو الأمير مقبل. كأنه سمع ضوضاء وجلبة، فاستبهم الأمر، فيسأل: ما الشأن والقصة؟ ! . فقلت: هو الأمير مقبل. أي: الشأن هذا، فلما كان المعود إليه ــ الذي تضمنه السؤال ــ غير ظاهر قبل، اكتفي في التفسير بخبر هذا الضمير الذي يتعقبه بلا فصل؛ لأنه مُعيِّنٌ للمسئول عنه، ومبيِّن له، فبان لك بهذا أن الجملة بعد الضمير لم يُؤت بها لمجرد التفسير، بل هي كسائر أخبار المبتدآت، لكن سميت تفسيرًا لما بيَّنته». اهـ المقصود منه.
ولعل المؤلف قد استفاد من كلام الرضي هذا. والله أعلم.
(^٢) أي: الكوفيون، كما نقله عنهم أبو حيان في الارتشاف (٢/ ٩٤٨)، وأما أهل البصرة فيجوز عندهم الوجهان، لكن يستحسن التأنيث مع المؤنث، والتذكير مع المذكر، وفصَّل ابن مالك في التسهيل وشرحه. فانظره (١/ ١٦٤)، وراجع الهمع (١/ ٢٣٣).
20 / 147