Taqwa: Its Definition, Virtues, Warnings, and Stories
التقوى تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها
Mai Buga Littafi
دار النفائس للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
Inda aka buga
الأردن
Nau'ikan
التَّقْوَى
«تَعْرِيفهَا وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها»
تأليف
الْأُسْتَاذ الدكتور عمر سُلَيْمَان عبد الله الْأَشْقَر
دَار النفائس
Shafi da ba'a sani ba
تقديم
الحمد لله الذي ابتلى عباده المؤمنين بما أنزل عليهم ليكونوا من المتقين، والصلاة والسلام على إمام المتقين من الأولين والآخرين، صاحب المقام المحود، والدرجة العالية الرفيعة، الذي يرغب إليه الأولون والآخرين، ليقوم في يوم الدين بالشفاعة العظمى والمقام المحمود الذي لا يقوم به غيره، والصلاة والسلام على الصحابة الأتقياء النجباء، الذين أقاموا دينهم على التقوى، فأصبحوا أئمة الهدى، ومصابيح الدجا، وعلى من سلك سبيلهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، وبعد:
فقد دعتني قناة الجزيرة القطرية في يوم الأحد الثالث من شوال ١٤٣١ هـ الموافق الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) ٢٠١٠ م للحديث في برنامج (الشريعة والحياة) عن (التقوى)، وعندما درست الموضوع، وسبرت أغواره، وجدت أنه موضوع نافع مفيد، يحتاج إليه المسلمون جميعًا، بل الناس جميعًا، فحاولت أن أستقصي أبعاده، فبحثت عن المؤلفات الموضوعة فيه في مكتبتي الخاصة، فلم أجد فيها من تناوله بالبحث والدراسة، فطلبت من أولادي الذين يعملون بدار نشر خاصة بهم أن يمدوني بما لديهم من كتب تدور حول التقوى، فأفادوني بأنهم لم يجدوا لا في مكتبتهم ولا في المكتبات التي حولهم كتابًا يتناول هذا الموضوع، فرجعت إلى بعض الإخوة الذين لديهم بعض المكتبات الخاصة بهم، فلم أعثر على كتاب واحد، ومع أني عندما رجعت إلى الحاسب الآلي،
1 / 5
وجدت بعض من تناوله بالبحث والدراسة، إلا أني عندما اطلعت على بعض ما كتب فيها وجدتها غير وافية بالغرض.
وظننت أنني سأجد بغيتي في الموسوعات، ولكني فوجئت بأن الموسوعة الفقهية الكويتية لم تتناول هذا الموضوع إلا بتعريف التقوى في مبحث التقيَّة، ولم تتناول الموضوع بحال، فرجعت إلى كتب اللغة، وكتب التفسير والحديث والأخلاق، وتتبعت ما كتبه أهل العلم في الموضوع، فكان هذا البحث هو الثمرة لهذه الدراسة.
وقد جاءت هذه الدراسة للتقوى في خمسة عشر مبحثًا، تناولت في المبحث الأول منها تعريف التقوى في اللغة والاصطلاح، واستعرضت في هذا المبحث الآيات القرآنية المعرِّفة بالمتقين، وبينت فيه قاعدة التقوى ومدى حاجتنا للتقوى.
والمبحث الثاني مخصص لاستحقاق العلي الأعلى لأن يتقى دون سواه. وتحدثت في المبحث الثالث عن كلمة التقوى، فعرَّفت بها، وبيّنت فضلها، وأنها هي المراد بالكلمة الطبية.
وبيَّنت في المبحث الرابع أنه لا يستطيع أحد أن يتقي الله تعالى ما لم يكن عالمًا بما يتقيه.
وبيَّن المبحث الخامس المحذورات التي يجب علينا أن نتقيها.
وبيَّنت في المبحث السادس الطرق التي إذا اتبعناها أضاءت التقوى قلوبنا، ويتحقق ذلك بالتعرف إلى الله، وعبادته وحده لا شريك له، والتفكر في خلقه، والتفقه في النصوص المتحدثة عن أهوال القبر، وأهوال يوم القيامة، والإكثار من ذكر الله تعالى.
1 / 6
وبينت في المبحث السابع مدى عناية الإسلام والمسلمين بالتقوى، وبينت في سبعة مطالب كيف وصانا الله ورسله وأنبياؤه بالتقوى، وأوردت كثيرًا من النصوص الآمرة بالتقوى، كما أوردت وصية أهل العلم بها، وما قاله الشعراء في هذا الباب.
وحذرت في المبحث الثامن من إشغال المرء نفسه بالحديث عما يفعله متقيًا به ربه، وهي المسألة المعروفة بتزكية النفس.
وبينت في المبحث التاسع مدى حاجة التقوى إلى الصبر، فالناس مع الصبر والتقوى أربعة أقسام.
والمبحث العاشر في عظم جرم الذين إذا أمروا بالتقوى أخذتهم العزة بالإثم.
والمبحث الحادي عشر يدعو إلى تأسيس الأعمال على التقوى.
وبين المبحث الثاني عشر أنه ليس من التقوى الغلو في العبادة.
ودعوت في المبحث الثالث عشر المسلمين إلى التعاون على البر والتقوى.
والمبحث الرابع عشر فصل طويل يتحدث عن فضل التقوى وعظم قدرها، وفيه عشرون مطلبًا، وبينت في هذه المطالب أن التقوى أعظم الخصال التي تجمع بين خيري الدنيا والآخرة، والتقوى تشرح الصدور، وبالتقوى يحبنا الله، ويتقبل أعمالنا، وبها نحظى بولاية الحيَّ القيوم، وبالتقوى تعظم درجاتنا عند ربنا، وننال بشرى ربنا في الحياة الدنيا والآخرة، ويجعل الله لنا بالتقوى فرقانًا، ويجعل لنا فرجًا ومخرجًا، وبالتقوى نحظى بلباس هو خير من اللباس الظاهري، وبالتقوى ننجو من النار، ونحظى بجنات النعيم في يوم الدين.
1 / 7
وفي المبحث الخامس عشر وهو المبحث الأخير أوردت سير وأخبار طائفة من المتقين من الأولين والآخرين، وسيرة هؤلاء تظهر أن اللحمة التي تجمعهم على اختلاف الزمان وتباعد المكان واحدة، فكلهم اتخذوا الله ربًّا، وعبدوه حقَّ عبادته، وكلهم امتلأت قلوبهم بمخافة الله وخشيته، وكلهم خافوا نار الله، وطلبوا جنته، وكلهم في الآخرة من الناجين من النار، الفائزين بجنات النعيم.
أسأل الله تعالى أن يأجرني فيما كتبت، وأن يرزقني ومن قرأ هذا الكتاب التقوى، وأن ينفع به عباده، إنه سميع قريب مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عمر سليمان عبد الله الأشقر
عمان - الأردن
الاثنين ١٨ من شوال ١٤٣١ هـ
٢٧ أيلول ٢٠١٠ م
1 / 8
المبحث الأول التعريف بالتقوى
المطلب الأول التقوى في لغة العرب
نقل ابن منظور في معجمه الكبير [لسان العرب: ٣/ ٩٧١ - ٩٧٣] عن ابن الأعرابي أنَّ: التُّقاة، والتَّقيَّة، والتقوى، والاتِّقاء بمعنى واحد، وبيَّن ابن منظور أنَّ معنى وقاه الله وقيًا ووقاية: صانه، تقول: وقيت الشيء أقيه: إذا صنته وسترته من الأذى، وتوقَّى، واتقى بمعنى. والوقاء والوقاء والوقاية: كلّ ما وفيت به شيئًا، ووقاك الله شرَّ فلان وقاية، أي: حفظك، وقال أبوبكر: رجل تقي، ويجمع أتقياء، معناه أنه موقٍ نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح، وفي الحديث: «كنا إذا احمرَّ البأس اتقينا برسول الله ﷺ "أي" جعلناه وقاية لنا من العدو قدامنا، واستقبلنا العدوَّ به، وقمنا خلفه، وقال أفنون التغلبي:
لعمرك ما يدري الفتى كيف يتقي ... إذ هو لم يجعل له الله واقيا
المطلب الثاني تعريف التقوى في الاصطلاح
قال شيخنا الشيخ عبد الله العزيز بن عبد الله بن باز ﵀: "تقوى الله سبحانه، هي عبادته، بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه ولرسوله ﷺ " [محاضرة نشرتها مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، العدد: ٥٩].
1 / 9
وهذا تعريف جامع للتقوى في الشرع، فالتقوى تكون بعبادة الله تعالى بفعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات الصادرة عن خوف الله وخشيته ومحبته، قال تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ [البقرة: ٤١] وقال سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨١].
والتقوى التي في القلب ليست قاصرة على الخوف والخشية، فقد عدَّاها شيخنا إلى الخوف والخشية والرغبة فيما عند الله، وإلى تعظيم حرمته، وهذا صحيح، فإن التقوى هي مجموع ما في القلب من خوف الله وخشيته وتوقيره ووتعظيه ومراقبته، وطلب ما عنده.
وقد قصَّر بعض أهل العلم في تعريف التقوى عندما قصروها على فعل المأمورات وترك المنهيات، ومن ذلك قول أبي عبد الله التونسي: "حقيقة التقوى عبارة عن امتثال المأمورات واجتناب المنهيات" [بصائر ذوي التمييز: ٥/ ٢٥٧].
فإن قصرها على فعل المأمورات وترك المنهيات، ولم يذكر ما حلَّ في القلب منها.
ومن التعريفات التي قصَّرت في تعريف التقوى تعريف الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ﵁، فإنه قال: "التقوى ترك ما حرَّم الله، وأداء ما افترض الله" [المطلع على أبواب المقنع: ص٩٩]، ومنها تعريف الكفوي حيث قال: "المتقي في عرف الشرع اسم لمن يقي نفسه عمّا يضره في الآخرة، وهو الشرك المفضي إلى العذاب المخلد" [الكليات: ص ٣٨]. فقد قصر التعريف الأول التقوى على ترك المحرمات وفعل الفرائض، ولم يذكر ما في القلب، والتعريف الثاني قصرها على الشرك المفضي إلى العذاب.
1 / 10
ومن التعريفات الحسنة للتقوى ما عرفها به الراغب الأصفهاني، فإنه قال: "التقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف، هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفًا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه، وصار التقوى في تعارف الشرع: حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور" [المفردات" ٥٣٠].
ومن أجود ما ورد في تعريف التقوى ما قاله التابعي طلق بن حبيب، فإنه قال: "التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تجتنب معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله" [كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك (ص ٤٧٣)، فقرة (١٣٤٣) وجامع العلوم والحكم: (ص ١٤٩)]. فالتقوى لها جنحان، الأول: فعل الطاعات، والثاني: اجتناب معصية الله، وكلاهما صادر عن نور الله، ويريد بالنور الدليل الذي أمر بالطاعة، ونهى عن المعصية، والمتقي يفعل ما فعله يريد ثواب الله ﷿، ويترك ما نهي عنه يريد النجاة من عذاب الله.
ومن التعريفات الجميلة للتقوى التي ذكرها بعض المتأخرين: "التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
المطلب الثالث من التقوى أن تعبد الله رجاء جنته وخوف ناره
زعم بعض العباد والزهاد الذين قلَّ حظهم من العلم الشرعي أنهم يعبدون الله تعالى لذاته، ولا يعبدونه خوف ناره، ولا رجاء جنته، وخطؤهم من وجوه:
الأول: أنهم خالفوا ما أمر الله تعالى به، فقد أمرنا ربنا ﵎ أن نتقي ناره، ونتقي أهوال يوم القيامة، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا
1 / 11
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [البقرة: ٢٤]، وقال: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسُ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٤٨]، وقال: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣١].
وأخبرنا ربنا ﷿ أنه أعدَّ للمتقين جنات النعيم، فقال: ﴿لَكِنْ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ﴾ [الزمر: ٢٠]. وقال: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ [آل عمران ١٥] وقال: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر ٧٣].
فلولا أن الله تعالى يعلم أن ما أطال به الحديث عن الجنة والترغيب فيها، والحديث عن النار، والترهيب منها هو الذي يصلح عباده، لما حدثنا طويلًا عنهما.
الثاني: أن الرسل ﷺ والرسل والأنبياء السابقين، وأصحاب رسول الله ﷺ فمن بعدهم كانوا جميعًا يطلبون الجنة، ويخافون النار، فقد قال رب العزة محدثًا عن الأنبياء السابقين ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠].
وعندما قال أحد الصحابة للرسول ﷺ: والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أتشهد ثم أقول: «اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار» قال له الرسول ﷺ: «حولها ندندن» [مسند الإمام أحمد، ١٥٨٩٨].
فهؤلاء اختطوا طريقًا مخالفًا لطريق الرسل والأنبياء والمؤمنين، وما أسوأ أن يختط العبد طريقًا مخالفًا لطريق هؤلاء على مرّ التاريخ والأزمان وهؤلاء هم الفائزون السعداء الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ
1 / 12
الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، وقال فيهم: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣].
الثالث: أن هؤلاء بسبب قلة علمهم ظنوا أن هناك في يوم الدين نعيمًا خارجًا عن الجنة، وأنَّ هناك شقاء خارجًا عن النار، وهذا غير صحيح، فأعظم نعيم أهل الجنة رؤية ربهم ﵎، وأعظم شقاء أهل النار حرمانهم من رؤية الله ﵎.
الرابع: الذين يغفلون عن العبادة طلبًا للجنة، وخوفًا من النار، يضعف عندهم التعبد لله تعالى، فالعبادة رغبًا ورهبًا، تقوِّي الباعث على التعبد، فالمتقون الذين فقهوا عن الله تعالى، يسهرون ليلهم، ويكثرون من الاستغاثة بالله أن يدخلهم جنته، ويقيهم ناره، ﵎، واسمع إلى ما خوَّف الله به عباده، وتدبَّره وانظر أثره في قلبك ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ [المزمل: ١٧].
الخامس: التقوى أن نجعل بيننا وبين عذاب الله وقاية من فعل الصالحات وترك السيئات كما في الحديث الذي رواه عدي بن حاتم، قال: قال سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة» [البخاري: ١٤١٧، مسلم: ١٠١٦].
المطلب الرابع موضع التقوى القلب
تحدثت فيما سبق عن الأعمال التي أمر الله بها عباده ليكونوا من المتقين، وهذه الأعمال من الصلاة والزكاة والصبر والوفاء بالعهد ونحوها لا بد أن تقوم على ما امتلأ به القلب من مخافة الله وتعظيمه وتوقيره، فالعمل إن خلا مما
1 / 13
استقرَّ في القلوب، فلا يكون من التقوى في شيء، فالذي ينفق المال لا يريد به الله، والذي يرائي بصلاته، والذي يفي بالعهد حفاظًا على شرفه ومروءته، أعماله ليست من التقوى في شيء.
يدلُّنا على ذلك أن مكان التقوى القلب، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [المائدة: ٧] أمر الله ﵎ عباده المؤمنين بالمواظبة على التقوى، ثم أعلمهم أنه يعلم ما في صدروهم من الأسرار والخواطر، وقد نهى رسولنا ﷺ عن الأعمال التي توقع البغضاء والشحناء بين العباد، وأمرنا أن نكون عباد الله إخوانًا، ونهانا عن ظلم إخواننا وخذلانهم واحتقارهم، وأخبرنا أن التقوى في القلوب، فقال: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات. [مسلم عن أبي هريرة: ٢٥٦٤].
قال النووي: "قوله ﷺ: «التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات، وفي رواية: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» [مسلم: ٢٥٦٤] معنى الرواية الأولى أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته" [شرح النووي على مسلم: ١٦/ ٩٤].
وقال ربُّ العزة في الهدي الذي نحره أصحاب رسوله ﷺ في الحج: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧].
فالله ﵎ لا يصل إليه اللحوم والجلود والدماء، وإنما يصل إليه سبحانه ما يقع في قلب العبد وهو يقدم الهدي والأضحية من تعظيم لرب
1 / 14
العزة سبحانه، ولذلك قال في آخر الآية: ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: ٣٧].
المطلب الخامس المقصود الأعظم من العبادات تحقيق التقوى في القلوب
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ بعد أن تحدث عن أعمال الحج: "ليس المقصود من الحج تلك الأعمال فقط، وليس المراد مجرد إتعاب البدن أو بذل المال، إنما المقصود الأعظم هو تحقيق التقوى، وما يحصل في القلب ويقوم به من معاني العبودية والخضوع والانقياد لأمر الله وتعظيم شعائره، يقول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢]، ويقول جل وعلا: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٩٧]، ويقول ﷺ كما في صحيح مسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، العدد، ٥٩، ص ١٤].
وينبغي للعبد إن أمر بالتقوى أن يخفزه ذلك إلى الاندفاع إلى العمل بطاعة الله، وترك معصيته، وهذا منهج قرآني واضح المعالم، فالقرآن أمر بتقوى الله، ثم نهى عما بقي من الربا، وفي آية أخرى نهى عن أكل الربا أضعافًا مضاعفة ثم أمر بتقوى الله ﷿، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٠] ونهى عن التعاون
1 / 15
على الإثم والعدوان وأمر بتقوى الله فقال: ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ [المائدة: ٢] وأمرنا الله أن نقول القول السديد، وأمرنا قبل ذلك بالتقوى، فقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠)﴾ [الأحزاب: ٧٠].
المطلب السادس تعريف القرآن العظيم بالمتقين
تحدث القرآن طويلًا عن المتقين، فأخبر عن صفاتهم وأعمالهم، وطريقهم، ومصيرهم، ما أعدَّ لهم في جنات النعيم.
وسأكتفي بالحديث عن ثلاثة نصوص قرآنية تحدث الله فيها عن المتقين.
أولًا: حديث الله تعالى عن المتقين في مطلع سورة البقرة:
الموضع الأول الذي تحدث الله فيه عن المتقين مطلع سورة البقرة، قال تعالى: ﴿آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: ١ - ٤] وبعد أن عرَّف الله تعالى بهم، حكم عليهم بأنهم على هدى من ربهم، وأنهم هم المفلحون ﴿أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّنْ رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥].
وقد أخبرنا ربنا في الآيات السابقة أن الكتاب الذي أنزله هدى للمتقين، لأنهم هم الذين ينتفعون بهداه دون بقية الخلق، وأخبرنا أن المتقين هم الذين يؤمنون بالغيب، والإيمان من عمل القلب، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم ربُّهم، وهذان من الأعمال الظاهرة، ويؤمنون بما أنزل الله إلى رسوله
1 / 16
ﷺ، وبجميع ما أنزل إلى أنبيائه ورسله، وأخبرنا أنهم يؤمنون بالآخرة إيمانًا قاطعًا لا شكَّ فيه.
ثانيًا: حديث الله تعالى عن المتقين في آية البر من سورة البقرة:
قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَاسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١١٧].
وقد ذكر ربنا ﵎ في هذه الآية الأعمال التي تدخل في مسمى البر، وأخبر في خاتمتها أن القائمين بهذه الأعمال هم المتقون.
وإذا أنت نظرت في هذه الأعمال التي هي أعمال المتقين وجدتها شاملة للدين كلِّه، ويمكن أن نعنون لهذه الأعمال بثلاثة عناوين رئيسة:
الأول: العقيدة، وهي التي قال ربنا ﵎ فيها ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾.
والثاني: الأعمال الظاهرة، وذكر منها إنفاق المال في مجالاته المتعددة، وذكر إنفاقه على ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، أي: في إعتاق العبيد، وتحريرهم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
والثالث: الأخلاق الكريمة، وذكر منها خلقين: الأول: الوفاء بالعهد، والثاني: الصبر في البأساء والضراء وحين البأس.
1 / 17
وحكم في ختام الآية أن الذين يقيمون هذه الأعمال هم الصادقون الداخلون في المتقين.
ثالثًا: الموضع الثالث في سورة آل عمران:
والموضع الثالث الذي تحدث فيه ربنا عن المتقين في سورة آل عمران، فقد أمرنا ربُّنا ﵎ في ذلك الموضع بأن نسارع إلى مغفرة من ربنا، وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣]، ثم عرَّفنا بالمتقين ببيان الأعمال التي يقومون بها، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران ١٣٤ - ١٣٥].
وذكر الله تعالى في هذه الآيات أن أعمال المتقين أربعة، الأول: إنفاقهم المال في السراء والضراء، وهذا عمل مالي من أعمال الظاهر، والثاني والثالث عملان أخلاقيان، وهما كظم الغيب والعفو عن الناس، الرابع: أنهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم استغفروا لذنوبهم.
ويظهر من هذا العرض الذي قدمناه أنا التقوى شاملة لمخافة الله التي تدفع صاحبها للقيام بكل الأعمال الصالحة التي أمر الله ﵎ بها، وترك الأعمال السيئة التي نهى الله عنها.
1 / 18
المطلب السابع حاجتنا للتقوى في الآخرة
أمرنا الله بالتزود في الدنيا لأسفارنا، وأخبرنا أن خير ما نتزود به لآخرتنا التقوى ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: ١٩٧].
والتقوى هو خير زاد إلى دار المعاد، والتقوى الإيمان والعمل الصالح المنبعث عن مخافة الله، والرغبة إليه.
فالذي يأتي في يوم القيامة بالإيمان والعمل الصالح، وترجح حسناته بسيئاته، فقد أعطي الحظ العظيم، وفاز في يوم الدين، وعلى المرء أن يكون دائم الاستعداد للرحيل من الحياة، فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت.
تزود من التقى فإنك لا تدري ... إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم صحيح مات من غير علِّة ... وكم عليل عاش حينًا من الدهر
1 / 19
المبحث الثاني الله تعالى أهل التقوى
الله تعالى أهل التقوى دون سواه، قال تعالى: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر: ٥٦]، قال ابن عباس: " ﴿أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ يقول الله تعالى: أنا أهل أن أتَّقى، فإن عصيت، فأنا أهل أن أغفر" [عمدة الحفاظ للسمين الحبي: ٤/ ٣٨٤].
والله - سبحانه - أهل التقوى لأنه العظيم، الذي لا أعظم منه، القويُّ القاهرة الذي لا أحد أقوى منه، وهو العزيز الذي لا يغلبه أحد، وهو قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، لا يملك أحدٌ معه شيئًا، وكل العباد سيهلكون، وسيرث الله الأرض جميعًا، وهو العالم بما في السماوات والأرض، وما بينهما، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا السماء.
فهو وحده أهل أن يتقى، وتخشع له قلوب العباد سبحانه، وترجى رحمته، ويخاف عذابه.
وإذا أنت قارنت ما تخاف في الدنيا من الأعداء والأهوال والمصائب العظام بأهوال الآخرة، تجد أن ما تخشاه من أهوال الدنيا زائل ذاهب، أما الله فله الدنيا والآخرة، وأنت راجع إليه، فلا تنجو من عذابه أبدًا.
1 / 21
المبحث الثالث كلمة التقوى
المطلب الأول كلمة التقوى لا إله إلا الله
أثنى الله ﵎: - على الصحابة الذين التزموا بكلمة التقوى في عزوة الحديبية، قال تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الفتح: ٢٦].
والمراد بالذين كفروا الذين جعلوا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية كفار قريش الذين أخذتهم الحمية، فخرجوا متعالين مستكبرين، وأصرُّوا على منع الرسول ﷺ وأصحابه من الوصول إلى الحرم وأداء العمرة، وعندما كتبوا العهد بينهم وبينه رفضوا أن يكتبوا "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وألزمهم كلمة التقوى، وهي قول: لا إله إلا الله، فعن أبي بن كعب عن النبي ﷺ
﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] قال: «لا إله إلا الله» [قال الترمذي (٣٢٦٥): هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة، وحكم الشيخ ناصر الدين الألباني عليه بالصحة. صحيح الترمذي: ٢٦٠٣].
وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى﴾ [الفتح: ٢٦] "شهادة أن لا إله إلا الله" [وصححه محقق ابن كثير: ٥/ ٦٢٦] وقال بمثل هذا القول عليٌّ وابن عمر وعطاء بن أبي رباح، والمسور، وسعيد بن جبير، وعطاء الخراساني، والزهري، وقتادة. [ابن كثير: ٥/ ٦٢٧].
1 / 23
المطلب الثاني فضل كلمة التقوى
وكلمة التقوى التي هي (لا إله إلا الله) أفضل كلمة، بها يعصم المرء دمه وماله في دولة الإسلام، وفي ذلك يقول الرسول ﷺ: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله» [مسلم: ٢٣].
والذي يقول: لا إله إلا الله خالصًا من قبله يدخل الجنة، فعن عثمان قال: قال رسول الله ﷺ: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» [مسلم: ٢٦].
وعن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من شهد أن لا إله إلا لله، وأن محمدًا رسول الله، حرَّم الله عليه النار» [مسلم: ٢٩].
ويدلُّ على مدى فضل لا إله إلا الله حديث البطاقة الذي يرويه عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: «يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلًاّ، كل سجلٍّ منها مدُّ البصر، ثم يقال: أتنكر من هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل، فيقول: لا، فيقال: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك، فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفَّة والبطاقة في كفَّة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة». [قال محقق كتاب نضرة النعيم: ٤/ ١٣٣٥: رواه الترمذي، باب الإيمان (٢٦٤١)، أحمد في مسنده (٢/ ٢١٣)، ابن ماجه في الزهد برقم (٤٣٠٠). وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المسند) رقم (١٩٩٤): إسناده صحيح].
1 / 24
وقد أرسل الرسول ﷺ بنعليه أبا هريرة ﵁، وقال: «اذهب بنعليَّ هاتين، فمن ليقت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنًا بها قلبه، فبشِّره بالجنة" [مسلم: ٣١].
وأمر الرسول ﷺ بتلقين الموتى لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ: قال: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يومًا من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه» [حكم عليه الشيخ ناصر الدين الألباني بالصحة، وعزاه إلى ابن حبان، انظر: صحيح الجامع (٥١٥٠) وخرجه في الجنائز: ١٠ والإرواء: ٦٨٧].
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصًا من قلبه، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنبت الكبائر» [حكم عليه الألباني في صحيح الجامع الصغير (٥٦٤٨) بالحسن، وعزاه إلى الترمذي، وخرجه في المشكاة (٢٣١٤) والترغيب (٢/ ٣٢٨)] وساق الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع [٢/ ١٠٩٨] جملة من الأحاديث فيها بيان فضل لا إله إلا الله.
ابن القيم يبين فضل كلمة لا إله إلا الله:
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - مبينًا فضل كلمة التقوى:
"أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسِّست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جرِّدت سيوف الجهاد، وبها أمر الله سبحانه جميع العباد؛ وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومفتاح عبوديته التي دعا الأمم على ألسن رسله إليها، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأساس الفرض والسنّة، ومن كل آخر كلامه: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة" [إعلام الموقعين: (٢/ ٦)].
1 / 25