وكان بيلاطوس وهيرودس وقيافا والفريسيون والكتبة ويوداص «المشنوق» يتخاصمون، ويشتم بعضهم البعض، ويوبخ كل منهم الآخر على إماتة الصديق، مستسلمين لنيران الجحيم.
لم يكن يسمع من تلك الغوغاء المخيفة إلا أصوات الشتائم واللعنات.
بعد فترة قصيرة توارى الصليب، وسمع صوت عظيم من الحجرة الملعونة صارخا: أيتها الأرواح الساقطة، لقد لعننا الله إلى الأبد! ... فقفوا عن النزاع ولنحارب تلاميذ المصلوب ... إلي يا يوداص! إلي يا بيلاطوس! إلي يا هيرودس وقيافا! ... إلي أيها الكتبة والفريسيون ... إلي أيتها الأرواح المتسربة في أعماق الظلمات، ولنثر ضد العدالة والحرية والحقوق! ولننتقم من البشر أجمعين! ... فهذا الجبل الملطخ بهيكلك يا بيلاطوس هو ملكنا! فاقتل ودمر ولا تدع مسيحيا واحدا يفلت من يديك القاهرتين! ... افرح يا بيلاطوس فدونك ضحية!
عند هذا أبصر فريد الشبح المتوج، يشير إليه بإصبعه النارية، ورأى بيلاطوس ينحدر إليه وفي مقلتيه أشعة ملتهبة ... فاضطرب اضطرابا عظيما وصرخ قائلا: إلي يا سيدة عابري السبيل!
ولم يكد يتلفظ بهذه العبارة حتى أغمي على الأشباح. •••
عندما استفاق فريد على ضفة البحيرة الزرقاء، شعر بيد تمسح العرق البارد عن جبينه، فجلس فجأة مضعضع الأفكار، وصرخ صوتا خنقته الرهبة وقال: من هنا؟ من هنا؟
فسمع فريد صوتا يقول له: ألم تنادني يا بني؟ ...
وأبصر سيدة مرتدية وشاحا أبيض، ذات عينين تذوبان جمالا سماويا تنظر إليه بعذوبة وحنو، وكانت نظرات السيدة، تلك النظرات الوالدية، تسير في عروقه دما جديدا، وتمحق من رأسه التائه تلك الرؤى الرهيبة! فانطرح فريد على ركبتيه وصرخ قائلا: أيتها الأم! أيتها الأم، أأنت؟ هل أشفقت على ضعفي، ولم تغضبي من تهوري وجسارتي؟ ...
فابتسمت مريم في وجهه وقالت له: أنا عارفة يا بني أن التطفل ليس هو الذي دفعك إلى اقتحام هذه الأخطار.
فلقد رغبت في معرفة الخطر، حتى تميل إخوتك عنه ... فارتعش قلبي الوالدي يا فريد وأسرعت إلى إنقاذك، وإنقاذ إخوتك ...
Shafi da ba'a sani ba