أقول: وقريب من هذه الشكاية من عدم النصرة من القوم وترك المعاونة قول الحماسي من شعر قريط:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا إذا لقام بنصري معشر خشن * عند الحفيظة إن ذو لوثة لأنا قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد * ليسوا من الشر في شئ وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة * ومن إساءة أهل السوء إحسانا كأن ربك لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس إنسانا فليت لي بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الإغارة فرسانا وركبانا وخبر هذه الأبيات على ما في شرح الحماسة: أنه أغار ناس من بنى شيبان على رجل من بلعنبر يقال له قريط ابن أنيف فأخذوا له ثلاثين بعيرا، فاستنجد أصحابه فلم ينجدوه، فأتى بنى مازن فركب معه نفر فاطردوا لبنى شيبان مائة بعير دفعوها إلى قريط وخرجوا معه حتى صار إلى فقال قريط هذه الأبيات. والخبر يدل على أنه يمدح بنى مازن ثم يهجو قومه. وقد تذكر الفقير عند كتابة هذا المحل قول صاحب الحماسة في هذا المعنى حيث أنشد قول بعضهم:
دعوت بنى قيس إلى فشمرت * خناذيذ من سعد طوال السواعد إذا ما قلوب القوم طارت مخافة * من الموت أرست بالنفوس النواجد ويعجبني في هذا المعنى قول القائل:
إذا المرء لم تغضب له حين يغضب * فوارس إن قيل اركبوا الموت يركبوا ولم يحبه بالنصر قوم أعزة * مقاحيم في الأمر الذي يتهيب تهضمه أدنى العدو ولم يزل * وإن كان عضابا لظلامة يضرب فآخ لحال السلم من شئت واعلمن * بأن سوى مولاك في الحرب أجنب ومولاك مولاك الذي إن دعوته * أجابك طوعا والدماء تصبب فلا تخذل المولى وإن كان ظالما * فإن به تثأى الأمور وترأب (كم امرئ كان في خفض وفى دعة * صبت عليه صروف الدهر من صبب) في الدخان عند قوله تعالى (ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم) قال الزمخشري: هلا قيل صبوا فوق رأسه من الحميم كقوله (يصب من فوق رؤوسهم الحميم) لأن الحميم هو المصبوب لا عذابه.
قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عذابه وشدته، إلا أن صب العذاب طريقه الاستعارة كقوله:
* صبت عليه صروف الدهر من صبب * وكقوله تعالى (أفرغ علينا صبرا) كأنه قيل صبرا يغمرنا كما يفرغ الماء إفراغا، كما أن العذاب شبه بالماء ههنا في الصب، فذكر العذاب معلقا به الصب مستعارا له ليكون أهول
Shafi 342