Tanzih Alkur'ani
تنزيه القرآن عن المطاعن
Nau'ikan
إن الله جل وعز جمع بقوله تعالى (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) بين كل الأدلة على الله تعالى لانها إما بالنظر في الاجسام فيعلم أنها محدثة من حيث لا تنفك عن المحدثات ويعلم ان فاعلها مخالف لها وإما بالنظر في أنفسنا بتجدد أحوالها على من برأها وإما بالنظر في سائر الدواب والحيوان فيعلم بتغير أحوالها المدبر لها ولا دليل على الله تعالى إلا وقد دخل تحت ما ذكرناه ولكنه تعالى أراد ذلك أيضا بذكر اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق وتصريف الرياح ثم قال في آخره (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) فبين أن العدول عنها الى سائر الاحاديث ترك لما يجب من النظر ثم قال تعالى (ويل لكل أفاك أثيم) وتوعد على ترك هذه الطريقة فقال تعالى (يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم) وكل ذلك بعث من الله تعالى على النظر والتذكر في هذه الأدلة وفي هذه النعم ليقوم بشكرها ثم قال من بعد محققا لما ذكرنا (هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم) فأشار الى ما تقدم من الأدلة وبين أنها هدى ولو لا أنها هدى للكافرين لما توعدهم بالعذاب إذا عدلوا عنها ثم اتبعه بقوله تعالى (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) نبه تنزيه القرآن (25) بذلك على أن الغفران يكون من قبلهم إذا تمسكوا من طاعة الله بما يوجب الغفران ثم قال تعالى (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون) فنبه بذلك على ان أمر الآخرة موقوف على هذين فمن عمل صالحا فله الجنة ومن أساء فهو من أهل النار.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) كيف يصح أن ينهاه عما تمنع النبوة منه. وجوابنا ان النبوة لا تمنع من القدرة على ذلك والتمكن منه وإنما لا يختاره فالنهي عن ذلك يصح ويكون أحد ما يدعو النبي إلى ترك ذلك وقوله تعالى من بعد (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء) يدل على ان الوعيد لاحق بهم وانهم من أهل العذاب لانهم لو صاروا من أهل الجنة لكان تعالى قد سوى بينهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) كيف يصح اتخاذ الهوى إلها؟ وجوابنا أنه يطيع الهوى ويعدل عن طريقة العقل وذلك تشبيه يحسن في اللغة ومعنى قوله تعالى (وأضله الله على علم) أنه أضله عن الثواب الى العقاب ومعنى قوله تعالى (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) ما قدمناه من العلامة التي يفعلها الله تعالى وقد تقدم القول في ذلك وقوله من بعد (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) من أقوى الصوارف عن المعاصي فانها اذا تفرقت على الاوقات ثم جمعت في الصحيفة عظمت على من عرضت عليه وقوله تعالى من بعد (ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا) يدل على أن الأعراض عن الآيات من أعظم الذنوب وكذلك الاغترار بالدنيا.
Shafi 386