[٥٨] الْمقْبرَة بِتَثْلِيث الْبَاء وَالْكَسْر أقلهَا السَّلَام عَلَيْكُم قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض يحْتَمل أَن أحيوا لَهُ حِين سمعُوا سَلَامه كَأَهل القليب وَيحْتَمل أَن يسلم عَلَيْهِم مَعَ كَونهم أَمْوَاتًا لامتثال أمته ذَلِك بعده قَالَ الْبَاجِيّ وَهُوَ الْأَظْهر وَقَالَ بن عبد الْبر روى تَسْلِيم النَّبِي ﷺ على الْقُبُور من وُجُوه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَجَاء عَن الصَّحَابَة وَالسَّلَف الصَّالح فِي ذَلِك آثَار كَثِيرَة وَقَالَ بن رَشِيق كَانَ ﵇ إِذا مر بالقبور يسلم ليحصل لَهُم ثَوَاب التَّحِيَّة وتزكيتها دَار قوم قَالَ صَاحب الْمطَالع هُوَ مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص أَو النداء الْمُضَاف وَالْأول أظهر قَالَ وَيصِح الْجَرّ على الْبَدَل من الْكَاف وَالْمِيم فِي عَلَيْكُم وَالْمرَاد بِالدَّار على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الْأَخيرينِ الْجَمَاعَة أَو أهل الدَّار وعَلى الأول مثله أَو الْمنزل وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره للْعُلَمَاء فِي اتيانه بِالِاسْتِثْنَاءِ مَعَ أَن الْمَوْت لَا شكّ فِيهِ أَقْوَال أظهرها أَنه لَيْسَ للشَّكّ وَإِنَّمَا هُوَ للتبرك وامتثال أَمر الله فِيهِ وَالثَّانِي أَنه عَادَة للمتكلم حسن بِهِ كَلَامه وَالثَّالِث أَنه عَائِد إِلَى اللحوق فِي هَذَا الْمَكَان وَالْمَوْت بِالْمَدِينَةِ وَالرَّابِع أَن إِن بِمَعْنى إِذا وَالْخَامِس أَنه رَاجع إِلَى اسْتِصْحَاب الْإِيمَان لمن مَعَه لاله وَالسَّادِس أَنه كَانَ مَعَه من يظنّ بهم النِّفَاق فَعَاد الِاسْتِثْنَاء إِلَيْهِم وددت أَنِّي قد رَأَيْت إِخْوَاننَا أَي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا قَالَ القَاضِي عِيَاض وَقيل المُرَاد تمني لقائهم بعد الْمَوْت قَالَ بل أَنْتُم أَصْحَابِي قَالَ الْبَاجِيّ فِي شرح الْمُوَطَّأ لم ينف بذلك أخوتهم وَلَكِن ذكر مزيتهم الزَّائِدَة بالصحبة واختصاصهم بهَا وَإِنَّمَا منع أَن يسموا بذل لِأَن التَّسْمِيَة وَالْوَصْف على سَبِيل الثَّنَاء والمدح للمسمى يجب أَن يكون بأرفع حالاته وَأفضل صِفَاته وللصحابة بالصحبة دَرَجَة لَا يلحقهم فِيهَا أحد فَيجب أَن يوصفوا بهَا وَنَقله القَاضِي عِيَاض ثمَّ النَّوَوِيّ وَزَاد فَهَؤُلَاءِ إخْوَة صحابة وَالَّذين لم يَأْتُوا إخْوَة لَيْسُوا بصحابة وَأَنا فرطهم على الْحَوْض قَالَ اباجي يُرِيد أَنه يتقدمهم إِلَيْهِ ويجدونه عِنْده يُقَال فرطت الْقَوْم إِذا تقدمتهم لترود لَهُم المَاء وتهيء لَهُم الدلاء والرشاء وافترط فَلِأَن ابْنا لَهُ أَي تقدم لَهُ بن غر جمع أغر والغرة بَيَاض فِي وَجه لفرس محجلة من التحجيل وَهُوَ بَيَاض فِي يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ دهم جمع أدهم وَهُوَ الْأسود والدهمة السوَاد بهم جمع بهيم قيل وَهُوَ الْأسود أَيْضا وَقيل هُوَ الَّذِي لَا يخالط لَونه لون سواهُ سَوَاء كَانَ أَبيض أَو أسود أَو أَحْمَر بل يكون لَونه خَالِصا فَإِنَّهُم يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة غرا محجلين من الْوضُوء زَاد مُسلم وَغَيره سِيمَا أمتِي لَيْسَ لأحد غَيرهَا فاستدل بذلك طَائِفَة على أَن الْوضُوء من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بهَا وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتصّت بِهِ الْغرَّة والتحجيل وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث هَذَا وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء من قبلي وَأجَاب الْأَولونَ بِأَنَّهُ حدث ضَعِيف وَلَو صَحَّ احْتمل أَن يكون الْأَنْبِيَاء اخْتصّت بِهِ دون أممهم وَعند بن عبد الْبر من حَدِيث عبد الله بن بسر أمتِي يَوْم الْقِيَامَة غر من السُّجُود ومحجلون من الْوضُوء فَلَا يذادن قَالَ الْبَاجِيّ وَابْن عبد الْبر كَذَا رَوَاهُ يحيى وَتَابعه مطرف وَابْن نَافِع على النَّهْي أَي لَا يفعلن أحد فعلا يذاد بِهِ عَن حَوْضِي وَرَوَاهُ أَبُو مُصعب وَتَابعه بن الْقَاسِم وَابْن وهب وَأكْثر رُوَاة الْمُوَطَّأ بلام التَّأْكِيد على الاخبار أَي لَيَكُونن لَا محَالة من يذاد عَن حَوْضِي أَي يطرد عَنهُ وذاله الأولى مُعْجمَة وَالثَّانيَِة مُهْملَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ أناديهم إِلَّا هَلُمَّ أَي تعللوا قَالَ الْبَاجِيّ يحْتَمل أَن الْمُنَافِقين والمرتدين وكل من تَوَضَّأ يحْشر بالغرة والتحجيل ولأجلها دعاهم وَلَو لم يكن السيما إِلَّا للْمُؤْمِنين لما دعاهم وَلما ظن أهم مِنْهُم قَالَ وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لمن رأى النَّبِي ﷺ فبدل بعده وارتد فَدَعَاهُمْ النَّبِي ﷺ لعلمه بهم أَيَّام حَيَاته وتظاهرهم بِالْإِسْلَامِ وَإِن لم يكن لَهُم يَوْمئِذٍ غرَّة وَلَا تحجيل لَكِن لكَوْنهم عِنْده أَيَّام حَيَاته وصحبته باسم الْإِسْلَام وَظَاهره قَالَ القَاضِي عِيَاض ولأول أظهر فقد ورد أَن الْمُنَافِقين يُعْطون نورا ويطفأ عِنْد الْحَاجة فَكَمَا جعل الله لَهُم نورا بِظَاهِر إِيمَانهم ليغتروا بِهِ حَتَّى يطفأ عِنْد حَاجتهم على الصِّرَاط كَذَلِك لَا يبعد أَن يكون لَهُم هُنَا غرَّة وتحجيل حَتَّى يذادوا عِنْد حَاجتهم إِلَى الْوُرُود نكالا من الله ومكرا بهم وَقَالَ الداوودي لَيْسَ فِي هَذَا مِمَّا يحتم بِهِ للمذادين بِدُخُول النَّار وَيحْتَمل أَن يذادوا وقتا فتلحقهم شدَّة ثمَّ يتلافاهم الله برحمته وَيَقُول لَهُم النَّبِي ﷺ سحقا ثمَّ يشفع فيهم قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض كَأَنَّهُ جعلهم من أهل الْكَبَائِر من الْمُؤمنِينَ زَاد القَاضِي أَو من بدل ببدعة لَا تخرجه عَن الْإِسْلَام قَالَ غَيره وعَلى هَذَا لَا يبعد أَن يَكُونُوا أهل غرَّة وتحجيل بكونهم من الْمُؤمنِينَ وَقَالَ بن عبد الْبر كل من أحدث فِي الدّين فَهُوَ من المطرودين عَن الْحَوْض كالخوارج وَالرَّوَافِض وَأَصْحَاب الْأَهْوَاء وَكَذَلِكَ الظلمَة المسرفون فِي الْجور وطمس الْحق والمعلنون بالكبائر فَكل هَؤُلَاءِ يخَاف عَلَيْهِم أَن يَكُونُوا مِمَّن عنوا بِهَذَا الْخَبَر فسحقا بِسُكُون الْهَاء وَضمّهَا لُغَتَانِ أَي بعدا وَهُوَ مَنْصُوب على تَقْدِير ألزمهم الله سحقا أَو سحقهم سحقا فَائِدَة روى بن شَاكر فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ ذكر الشَّافِعِي الْمُوَطَّأ فَقَالَ مَا علمنَا أَن أحدا من الْمُتَقَدِّمين ألف كتابا أحسن من موطأ مَالك وَمَا ذكر فِيهِ من الْأَخْبَار وَلم يذكر مرغوبا عَنهُ الرِّوَايَة كَمَا ذكر غَيره فِي كتبه وَمَا عَلمته ذكر حَدِيثا فِيهِ ذكر أحد من الصَّحَابَة إِلَّا مَا فِي حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن ليذادن رجال عَن حَوْضِي فَلَقَد أَخْبرنِي من سمع مَالِكًا ذكر هَذَا الحَدِيث وَأَنه ورد أَنه لم يُخرجهُ فِي الْمُوَطَّأ
[٥٩] عَن حمْرَان بِضَم الْحَاء على المقاعد قيل هِيَ دكاكين حول دَار عُثْمَان وَقيل الدرج وَقيل مَوضِع قرب الْمَسْجِد قَالَ القَاضِي عِيَاض ولفظها يَقْتَضِي أَنَّهَا مَوَاضِع جرت الْعَادة بالقعود فِيهَا لَوْلَا أَنه فِي كتاب الله قَالَ الْبَاجِيّ وَغَيره كَذَا رَوَاهُ يحيى بن بكير بالنُّون وهاء الضَّمِير أَي لَوْلَا أَن مَعْنَاهُ فِيهِ مَا حَدثكُمْ بِهِ لِئَلَّا تتكلوا وَرَوَاهُ أَبُو مُصعب بِالْيَاءِ وَمد الْألف وهاء التَّأْنِيث أَي لَوْلَا أَنه تضمن مَعْنَاهُ فَيحسن وضوءه أَي يَأْتِي بِهِ تَاما بِكَمَال صفته وآدابه إِلَّا غفر لَهُ هَذَا مَخْصُوص بالصغائر كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث آخر وَبَين الصَّلَاة الْأُخْرَى أَي الَّتِي تَلِيهَا قَالَ مَالك أرَاهُ يُرِيد هَذِه الْآيَة أقِم الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ قَالَ الْبَاجِيّ على هَذَا التَّأْوِيل تصح الرِّوَايَتَانِ أَنه وَآيَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عُرْوَة أَن الْآيَة إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ قَالَ الْبَاجِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ وعَلى هَذَا لَا تصح رِوَايَة النُّون وَالْمعْنَى على هَذَا لَوْلَا آيَة تمنع من كتمان شَيْء من الْعلم مَا حدثتكم قَالَ النَّوَوِيّ وَالصَّحِيح تَأْوِيل عُرْوَة قلت وَيشْهد لَهُ مَا أخرجه أَبُو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حَرْب فِي كتاب الْعلم لَهُ قَالَ حَدثنَا حجاج بن مُحَمَّد عَن بن جريج قَالَ أَخْبرنِي عَطاء أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَالنَّاس يسألونه يَقُول لَوْلَا آيَة أنزلت فِي سُورَة الْبَقَرَة مَا أخْبرت بِشَيْء لَوْلَا أَنه قَالَ إِن الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الْآيَة
1 / 40