: كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ولدان : الواحد اسمه عبد الله ، والآخر اسمه عبيد الله ، ويكنى بأبي شحمة ، وكان أبو شحمة مواظبا لكتاب الله وقراءته ، وتشبه قراءته قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمرض ذات عام مرضا شديدا حتى أشرف على الموت ، ثم بعد ذلك عافاه الله تعالى ، فلما كان ذات يوم وجد الراحة في نفسه ، فمر ذلك اليوم بدار اليهود واستضاف عندهم ، فأسقوه نبيذ التمر فشرب حتى طابت نفسه ، فخرج من عندهم فمر بحائط بني النجار ، فوجد امرأة نائمة فراودها عن نفسها ، فامتنعت ولم تقدر على ذلك الامتناع ، فلما قضى منها ما قضى تعلقت بأطواقه ، ومزقت عليه أثوابه ، وشتمته وصبرت على ما قد نزل بها فتربصت أربعة أشهر فظهر حملها ، فتربصت تسعة أشهر ، فولدت غلاما فلما أن انقطعت عنها أوجاعها أخذت الولد ، وأقبلت به إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يومئذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين يحكم بين الناس ، فتقدمت إليه ، ووضعت الولد بين يديه ، ثم قالت له : يا أمير المؤمنين خذ هذا الولد فأنت أحق به مني فقال لها : يا جارية كيف يكون هذا ولدك وأنت والدته ، وأكون أنا أحق به منك ؟ فقالت له : يا أمير المؤمنين هو من ولدك ، فقال لها : وأي ولدي ؟ فقالت : من ولدك أبي شحمة . فقال لها : يا جارية أحلال أم حرام ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين والله من قبلي حلال ، ومن قبله حرام . فقال : وكيف ذلك ؟ قالت : خرجت من منزلي ذات يوم إلى حائط بني النجار أجتني البقل ، فأدركني المساء ، فنمت في ذلك المكان ، فمر علي ولدك أبو شحمة ، وهو سكران فراودني عن نفسي ، فامتنعت منه ، ولم أقدر على ذلك ، فلما قضى مني ما قضى تعلقت بأطواقه ، ومزقت عليه أثوابه ، وانصرفت إلى منزلي صابرة لما قد نزل بي ، فانتظرت حيضي ، فلم أحض ، فتعجبت من ذلك ، فتربصت تسعة أشهر ، فوضعت هذا الغلام ، فخذه فأنت أحق به مني ، فإني قد اخترت فضيحة الدنيا على فضيحة الآخرة ، فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى بل لحيته بالدموع وقال : وافضيحة عمر بن الخطاب غدا يوم القيامة بين يدي الله تعالى ، ثم قال لها : يا جارية اصدقيني الصحيح ، فإن صدقتني فأنا أنصفك . فقالت : وما تريد مني يا عمر والله ما كذبت عليك فيما قلت ، وإني صادقة غير كاذبة ، وإن شئت حلفت بالمصحف ورقة ورقة ، فأحضر لها عمر كتاب الله عز وجل ، فحلفت من سورة البقرة إلى سورة يس وقالت : يا أمير المؤمنين إن هذا الولد من ولدك أبي شحمة ، فلما وصلت إلى سورة يس قال عمر بن الخطاب : يا جارية فأنت والله صادقة غير كاذبة ، ثم إنه وثب قائما على قدميه وقال : يا أصحاب رسول الله دوموا على ما أنتم عليه حتى أعود إليكم ، فغاب ساعة ، وقد أتى ، وفي يده ثلاثون دينارا وعشرة أثواب فقال : يا جارية خذي هذه الثلاثين دينارا وعشرة أثواب ، واستحلي من ولدي أبي شحمة في هذه الدنيا ، وإن كان لك قبله شيء فتأخذيه منه في الموقف بين يدي الله تعالى ، فأخذت الجارية ذلك وولدها وانصرفت ، ثم قال عمر : دوموا على ما أنتم عليه يا أصحاب رسول الله حتى أرجع إليكم ، ثم دخل إلى منزله ، وجعل يطوف حول ولده أبي شحمة ، فإذ هو جالس يتغدى فقال له : السلام عليك يا ولدي . فقال : وعليك السلام ادن مني وتغد معي . قال عمر : تغد يا ولدي ما أظن إلا أنه آخر زادك من الدنيا . فقال : يا أبت ومن أعلمك بذلك وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد انقطع الوحي من السماء ولا وحي بعد رسول الله . قال عمر : ما علمت بذلك ، ولكن يا ولدي من ذنوب ارتكبتها ومعاص عصيتها فقال : والله ما عصيت معصية ، ولا أذنبت ذنبا ، فإن كان قد بلغك أحد فاسألني عنه ، فإني لا أكتم عنك شيئا فقال : يا بني سألتك بالذي يرى ولا يرى ، وهو بالمنظر الأعلى هل مررت يوما من الأيام بمسكنة اليهود واستضفت عندهم ، فسقوك خمرا من تمر فشربت حتى طابت نفسك ، ثم خرجت من عندهم ، فمررت بحائط بني النجار ، فرأيت امرأة نائمة فراودتها عن نفسها ، وامتنعت فلم تقدر على ذلك ، فلما قضيت منها ما قضيت تعلقت بأطواقك ، ومزقت عليك ثيابك وشتمتك ، وانصرفت إلى منزلها فلما سمع أبو شحمة كلام أمير المؤمنين أطرق رأسه حياء من أبيه ، وجعل لا يرد جوابا ولا خطابا فقال : يا بني تكلم ، فإن صدقت فقد نجوت ، وإن كذبت هكلت . فقال : يا أبت كان ذلك مني ، ولكن ندمت غاية الندم . فقال : يا بني ما ينفعك الندم بعد الخسران ، وإنما أنت ابن أمير المؤمنين ما يستطيع أحد أن يقول لك شيئا ، وإنما أردت أن تفضحني بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن أمير المؤمنين وثب قائما على قدميه ، وقبض على يد أبي شحمة فقال له : أين تريد مني يا أبت وإلى أين تذهب بي ؟ فقال : إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ حق الله منك في الدنيا قبل أن يؤخذ منك في الآخرة . فقال : سألتك بالله يا أبت خذ الحق مني في هذا المكان ، ولا تفضحني بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا بني أنت فضحت نفسك ، وفضحت أباك ثم لم يزل يمشي به حتى أوقفه على أصحاب رسول الله فقالوا له : ما وراءك يا عمر ؟ فقال : يا معشر المسلمين ألا وإن ولدي أبا شحمة قد اعترف بذنبه ، وإن الجارية الصادقة غير كاذبة ، ثم إن أمير المؤمنين دعا بغلام يقال له مفلح فقال : يا مفلح قد أفلح اليوم من استعلى اجلده يا مفلح ، وأنت حر لوجه الله تعالى فقال : يا مولاي وكيف أجلده ولو جلدت بعيرا لقتلته أو حائطا لهدمته ؟ فقال له : دع عنك الكلام وخذ السوط بيدك واضربه على ظهره حتى يدخل الوجع إلى جوفه فإن مات فبأجله ، وإن عاش فلا يعود إلى الذنب أبدا ، فأخذ مفلح السوط بيده ، وتقدم إلى أبي شحمة وقال يا مولاي : لا تلمني ولم نفسك الله قد أمر ومولاي عمر أمرني أن أضربك فقال له أبو شحمة : افعل يا مفلح ما تؤمر وناد هذا جزاء من عصى ربه ، واستحقر ذنبه ، ثم إن مفلحا رفع يده بالسوط حتى بان بياض إبطه وجلده عشرة اسياط . فقال : يا أبت اشتعلت النار في جسدي . فقال : يا بني إنها في جسد أبيك أحر ما في جسدك اضربه يا مفلح ، فضربه عشرين جلدة فقال : يا أبت دعني أستريح . فقال : يا بني لو أن أهل النار في النار إذا طلبوا الراحة وجدوا الراحة لأرحناك اضربه يا مفلح ، فضربه ثلاثين ضربة . فقال : يا أبت سألتك بالله دعني أتوب . فقال : يا بني إذا أخذت حق الله منك ، فإن شئت فتب ، وإن شئت فعد ، فإن عدت إلى مثل تلك الفاحشة ، فلك مثل ذلك يا مفلح اجلده ، فجلده أربعين جلدة فقال : يا أبت سألتك بالله اسقني شربة من الماء أبرد بها حرا في كبدي ، فقال : يا بني لو أن أهل العذاب في النار إذا طلبوا البارد من الزلال يسقون لسقيناك اجلده يا مفلح ، فجلده خمسين جلدة ، فقال : يا أبت سألتك بالله ارحمني فقال : يا بني إن رحمتك في الدنيا لم ترحم غدا في الآخرة اجلده يا مفلح ، فجلده ستين جلدة فقال : يا أبت سألتك بالله ادن مني وعانقني أعانقك قبل الممات فقال : يا بني إن عشت عانقتك ، وإن مت فنلتقي غدا على الصراط اجلده يا مفلح ، فجلده سبعين جلدة فقال : يا أبت نزل بي الموت فقال : يا بني إذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له : إن أبي عمر بن الخطاب ضربني حتى قتلني اجلده يا مفلح ، فضربه ثمانين جلدة ، ثم رفع أبو شحمة رأسه ونادى بأعلى صوته يا أصحاب رسول الله لم لا تسألون أبي أن يعفو عني ، فتقدموا إلى عمر بن الخطاب وقالوا : يا أمير المؤمنين خل عن الغلام ، وانظر ما بقي من السياط فقال : يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تقرؤوا في كتاب الله العزيز : { ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله } [ النور : 2 ] ثم قال اجلده يا مفلح ، فجلده تسعين جلدة فرفع أبو شحمة رأسه ، ونادى بأعلى صوته السلام عليكم يا أصحاب رسول الله سلام مودع لا يرجع إلى يوم القيامة ، فتباكى أصحاب رسول الله بكاء شديدا . فقال عمر : اضربه يا مفلح ما بقي من حق الله تعالى ، فضربه مائة جلدة ، ثم قال : يا مفلح ارفع السوط عن ولدي فحركه ، فإذا هو قد مات فوثب عمر قائما على قدميه ونادى معاشر المسلمين ، ألا وإن ولدي أبا شحمة قد مات ، ورب الكعبة فأقبلوا يهرعون من كل جانب ومكان حتى انقض المسجد بالناس ، وأكثروا البكاء وأقبلت أمه وهي تندب وتقول : هنيئا لك يا ولدي استودعتك عند من لا تخيب عنده الودائع ، ثم إن عمر حمله إلى منزله وغسله وكفنه ودفنه . | قال ابن عباس رضي الله عنهما : فرأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالبدر في تمامه وعليه ثياب بيض ، وأبو شحمة بين يديه وعليه ثياب خضر ، فتقدمت إليه صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه وقبلت بين عينيه فقال لي : يا ابن عمي أقرىء عمر عني السلام وقل له يقول لك رسول الله جزاك الله عني كل خير كما لم تضيع حق الله من بعدي هنيئا لك يا عمر ، وما أعد الله لك من القصور والغرفات في جنات النعيم ، وإن ولدك أبا شحمة قد بلغ في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وقال ابن عباس : فاستيقظت من منامي وأنا فرح مسرور لما قد عاينت من بهجة رسول الله فأحييت تلك الليلة بالقيام إلى الصباح ، ثم جئت إلى المسجد وكان عمر بن الخطاب يومئذ حوله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يحدثهم في كتاب الله ، فلما فرغ قلت يا عمر لقد رأيت في منامي سيد الأولين والآخرين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كالبدر في تمامه وأبو شحمة بين يديه وعليه ثياب خضر ، فتقدمت إليه صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه فقال لي : يا ابن عم أقرىء عمر عني السلام وقل له : يقول لك رسول الله جزاك الله عني كل خير كما لم تضيع حق الله تعالى من بعدي هنيئا لك يا عمر ما أعد الله لك من القصور والغرفات في جنات النعيم ، وإن ولدك أبا شحمة قد بلغ في مقعد صدق عند مليك مقتدر اه . |
1 ( الباب السابع والعشرون في تشديد اللواط ) 1
وفي الزواجر قال صلى الله عليه وسلم في رواية الطبراني والبيهقي : (
Shafi 54