بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ أخبرنَا الحصري يُونُس بن الْخضر أَنا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الحصري البغراسي حَدثنِي أَبُو عَليّ الْحسن بن هبة الله الرَّمْلِيّ قَالَ قَرَأت على أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَلْطِي ﵁
الْحَمد لله أول كل مقَال ومبدأ كل سُؤال وَله الْمَنّ والإفضال وَصلى الله على مُحَمَّد النَّبِي الْمُخْتَار وعَلى آله الطيبين الأخيار وَسلم تَسْلِيمًا وَبِاللَّهِ نستعين وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد الملطى الْمَعْرُوف بالطرائفي رسمت لكم فِي كتَابنَا هَذَا الملقب بِكِتَاب التَّنْبِيه مَا فِيهِ دَلِيل يغنى وكفة تقنع متدبرها إِن شَاءَ الله وشرطي فِيهِ الِاخْتِيَار وَلَيْسَ تكراري للْبَيَان بمخرجي فِيهِ إِلَى تَطْوِيل فَلَا تنسبني فِيهِ إِلَى ذَلِك وَإِنَّمَا تكراري للْبَيَان وجمعي لَهُ فِي مَوضِع وتلويحي بِهِ فِي آخر لألفاظ ترد مُخْتَلفَة وَأَشْيَاء لَا وجة لتركي لَهَا ملقاة على سَبِيل الحذر من التَّطْوِيل وَقد أثبت فِي هَذَا الْجُزْء الثَّالِث بعد حمد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالصَّلَاة على نبيه ﷺ واستعانتي بِهِ ومسألتي إِيَّاه التَّوْفِيق مَا يسر المتعلم والعالم وينفع الْجَاهِل سَمَاعه وَيزِيد الْبَصِير بَصِيرَة وأردفته برابع فِيهِ الْحجَّاج وَالدَّلِيل على الْخلَافَة الَّتِي ينكرها الغالون وشرحت نصا من الْمُحكم وَأَيْضًا من الْخَبَر
1 / 1
فَمن الدَّلِيل أَيْضا على خلاف الشراة مَا قَالَ على ﵇ إِن الله ﷿ عَاتب من حول الْمَدِينَة من الْأَعْرَاب عَام الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ ﴿قل للمخلفين من الْأَعْرَاب﴾ عَنْك فِي الْحُدَيْبِيَة ﴿ستدعون إِلَى قوم أولي بَأْس شَدِيد﴾ إِلَى أهل الرِّدَّة فِي خلَافَة أبي بكر ﵇ وَإِلَى فَارس وَالروم فِي خلَافَة عمر ﵇ أولى بَأْس شَدِيد ﴿تقاتلونهم أَو يسلمُونَ فَإِن تطيعوا﴾ الخليفتين فِي حروبهما ﴿يُؤْتكُم الله أجرا حسنا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا توليتم من قبل﴾ يَعْنِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة ﴿يعذبكم عذَابا أَلِيمًا﴾ قَالَ عَليّ ﵁ فَأوجب الله ﷿ طَاعَة الخليفتين فِي حروبهما بعده
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن المطلى الْبيعَة الَّتِي كَانَت تَحت الشَّجَرَة أعنى بيعَة الرضْوَان كَانَت الشَّجَرَة مثمرة وَكَانَ ذَلِك عَام الْحُدَيْبِيَة والسكينة فِي اللُّغَة الطُّمَأْنِينَة وَيُقَال الرَّحْمَة وَيُقَال السكينَة ريح لَهَا رَأس كرأس الْهِرَّة وَقَالَ الضَّحَّاك الرَّحْمَة ﴿وأثابهم فتحا قَرِيبا﴾ وَهِي خَيْبَر وَكَذَلِكَ قَالَ مقسم وَقَتَادَة وَالْأول قَول ابْن عَبَّاس
وَعَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَا خرج رَسُول الله ﷺ عَام الْحُدَيْبِيَة وبضع عشر وَمِائَة من أَصْحَابه حَتَّى إِذا كَانُوا بِذِي
1 / 2
الحليفة قلد رَسُول الله ﷺ الْهدى وَأَشْعرهُ وَأحرم بِالْعُمْرَةِ وَبعث بَين يَدَيْهِ عينا لَهُ من خُزَاعَة يُخبرهُ عَن قُرَيْش وَسَار رَسُول الله ﷺ حَتَّى إِذا كَانَ بغدير الأشطاط قَرِيبا من عسفان أَتَاهُ الْخُزَاعِيّ فَقَالَ إِنِّي تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي قد جمعُوا لَك الْأَحَابِيش وجمعوا لَك جموعا وهم مقاتلوك وصادوك عَن الْبَيْت فَقَالَ النَّبِي ﷺ أَشِيرُوا على أَتَرَوْنَ أَن أميل على ذَرَارِي هَؤُلَاءِ الَّذين أَعَانُوهُم فَنصِيبهُمْ فَإِن قعدوا قعدوا موتورين وَإِن نَجوا تكون عنقًا قطعهَا الله أم ترَوْنَ أَن نَؤُم الْبَيْت فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ أَبُو بكر ﵁ الله وَرَسُوله أعلم إعلم يَا بني الله إِنَّمَا جِئْنَا معتمرين وَلم نجىء لقِتَال أحد وَلَكِن من حَال بَيْننَا وَبَين الْبَيْت قَاتَلْنَاهُ قَالَ النَّبِي ﷺ فروحوا فراحوا حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ النَّبِي ﷺ إِن خَالِد بن الْوَلِيد بالغميم فِي خيل لقريش طَلِيعَة فَخُذُوا ذَات الْيَمين قَالَ فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى إِذا هُوَ بقترة الْجَيْش فَانْطَلق يرْكض يُرِيد الْعَرَب وَسَار رَسُول الله ﷺ حَتَّى إِذا كَانَ بالثنية الَّتِي يهْبط عَلَيْهِم مِنْهَا بَركت بِهِ رَاحِلَته فَقَالَ النَّاس حل حل فألحت فَقَالُوا خلأت النصواء خلأت الْقَصْوَاء فَقَالَ النَّبِي ﷺ
1 / 3
(مَا خلأت وَمَا ذَاك لَهَا بِخلق لَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا ثمَّ زجرها فَوَثَبت بِهِ قَالَ فَعدل عَنْهُم حَتَّى نزل بأقصى الْحُدَيْبِيَة على ثَمد قَلِيل المَاء يتبرضه النَّاس تبرضا فَلم يلبثه النَّاس حَتَّى نَزَحُوهُ فَشكى إِلَى رَسُول الله ﷺ الْعَطش فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته ثمَّ أَمرهم أَن يَجْعَلُوهُ فِيهِ فوَاللَّه مَا زَالَ يَجِيش لَهُم بالرى حَتَّى صدرُوا عَنهُ فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ جَاءَ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نفر من قومه من خُزَاعَة فَقَالَ إِنِّي تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة مَعَهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عَن الْبَيْت فَقَالَ النَّبِي ﷺ إِنَّا لم نجىء لقِتَال أحد وَلَكِن جِئْنَا معتمرين وَإِن قُريْشًا قد نهكتهم الْحَرْب وأضرت بهم فَإِن شَاءُوا ماددتهم مُدَّة ويخلوا بيني وَبَين النَّاس فَإِن أظهر فَإِن شَاءُوا أَن يدخلُوا فِيمَا دخل فِيهِ النَّاس فعلوا وَإِلَّا فقد جموا وَإِن هم أَبَوا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأقاتلنهم على أَمْرِي هَذَا حَتَّى تنفرد سالفتي ولينفذن
1 / 4
الله أمره فَقَالَ بديل سأبلغهم مَا تَقول وَانْطَلق حَتَّى أَتَى قُريْشًا فَقَالَ إِنَّا قد جئناكم من عِنْد هَذَا الرجل وسمعته يَقُول قولا فَإِن شِئْتُم أَن نعرضه عَلَيْكُم فعلنَا فَقَالَ سفهاؤهم لَا حَاجَة لنا فِي أَن تحدثنا عَنهُ بِشَيْء وَقَالَ ذووا الرَّأْي مِنْهُم هَات مَا سمعته يَقُول سمعته يَقُول كَذَا وَكَذَا فَحَدثهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِي ﷺ فَقَالَ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ ألستم بالوالد قَالُوا بلَى قَالَ أَو لست بِالْوَلَدِ قَالُوا بلَى قَالَ فَهَل تتهموني قَالُوا لَا قَالَ ألستم تعلمُونَ أَنِّي استنفرت أهل عكاظ فَلَمَّا بلحوا على جِئتُكُمْ بأهلى وَوَلَدي وَمن أَطَاعَنِي قَالُوا بلَى قَالَ فَإِنَّهُ عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قَالُوا ائته فَأَتَاهُ فَجعل يكلم النَّبِي ﷺ فَقَالَ لَهُ النَّبِي ﷺ نَحْو قَوْله لبديل فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك أَي مُحَمَّد أَرَأَيْت إِن استأصلت قَوْمك هَل سَمِعت بِأحد من الْعَرَب اجتاح أَهله قبلك وَإِن تكن الْأُخْرَى فوَاللَّه إِنِّي لأرى وُجُوهًا وَأرى أشوابا من النَّاس خلقاء أَن يَفروا عَنْك ويدعوك فَقَالَ أَبُو بكر ﵁ امصص بظر اللات والعزى أَنَحْنُ نفر عَنهُ وندعه فَقَالَ من ذَا قَالُوا أَبُو بكر فَقَالَ أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد كَانَت لَك عِنْدِي لم أجزك بهَا لأجبتك قَالَ وَجعل يكلم النَّبِي ﷺ فَكلما كَلمه مد يَده إِلَى لحيته والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم على رَأس رَسُول الله ﷺ وَمَعَهُ السَّيْف وَعَلِيهِ المغفر فَكلما أَهْوى عُرْوَة
1 / 5
بِيَدِهِ إِلَى لحية رَسُول الله ﷺ ضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ أخر يدك عَن لحية رَسُول الله ﷺ فَرفع عُرْوَة رَأسه فَقَالَ من هَذَا قَالُوا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غدر أَلَسْت أسعى فِي غدرتك وَكَانَ الْمُغيرَة ﵀ صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَتلهُمْ وَأخذ أَمْوَالهم ثمَّ أسلم فَقَالَ النَّبِي ﷺ أما الْإِسْلَام فَأقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق صحابة النَّبِي ﷺ بِعَيْنِه قَالَ فوَاللَّه مَا تنخم رَسُول الله ﷺ نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فَذَلِك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلمُوا خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدون النّظر إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ فَرجع عُرْوَة إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ أَي قومِي وَالله لقد وفدت على الْمُلُوك ووفدت على كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي وَالله إِن رَأَيْت ملكا يعظمه أَصْحَابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا ﷺ وَالله إِن تنخم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا أَمرهم ابتدروا أمره وَإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوءه وَإِذا تكلمُوا خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدون النّظر إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَإنَّهُ قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها قَالَ ثمَّ قَالَ رجل من بني كنَانَة دَعونِي آته فَلَمَّا أشرف على النَّبِي ﷺ وَأَصْحَابه رَحْمَة الله عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي ﷺ إِنَّه من قوم يعظمون الْبدن فابعثوها لَهُ فَبعثت لَهُ واستقبله النَّاس يلبون فَلَمَّا رأى
1 / 6
ذَلِك قَالَ سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لَهُم أَن يصدوا عَن الْبَيْت فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه قَالَ رَأَيْت الْبدن قد قلدت وأشعرت فَمَا أرى أَن يصدوا عَن الْبَيْت
فَقَالَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مكرز بن حَفْص دَعونِي آته قَالُوا ائته فَلَمَّا أشرف عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي ﷺ هَذَا مكرز بن حَفْص وَهُوَ رجل فَاجر فَجعل يكلم النَّبِي ﷺ فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ هَات اكْتُبْ بَيْننَا وَبَيْنكُم كتابا فَدَعَا الْكَاتِب فَقَالَ رَسُول الله ﷺ اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ سُهَيْل أما الرَّحْمَن فوَاللَّه مَا أدرى مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كنت تكْتب فَقَالَ النَّبِي ﷺ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ثمَّ قَالَ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله ﷺ فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رَسُول الله ﷺ مَا صَدَدْنَاك عَن الْبَيْت وَلَا قَاتَلْنَاك وَلَكِن اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ النَّبِي ﷺ وَالله إِنِّي لرَسُول الله وَإِن كذبتموني اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله قَالَ الزُّهْرِيّ وَذَلِكَ لقَوْله وَالله لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا فَقَالَ رَسُول الله ﷺ على أَن تخلوا بَيْننَا وَبَين الْبَيْت نطوف بِهِ فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَا تَتَحَدَّث الْعَرَب أَنا اخذنا ضغطة وَلَكِن لَك من الْعَام الْمقبل فَكتب فَقَالَ سُهَيْل وعَلى أَن لَا يأيتك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلَيْنَا فَقَالَ الْمُسلمُونَ سُبْحَانَ الله كَيفَ نرده إِلَى الْمُشْركين وَقد جَاءَ مُسلما
1 / 7
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ جَاءَ أَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو يرسف فِي قيوده قد خرج من أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رمى بِنَفسِهِ بَين أظهر الْمُسلمين فَقَالَ سُهَيْل يَا مُحَمَّد هَذَا أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ ترده إِلَى فَقَالَ النَّبِي ﷺ إِنَّا لم نمض الْكتاب بعد قَالَ فوَاللَّه إِذا لَا أصالحك على شَيْء أبدا قَالَ النَّبِي ﷺ فأجزه لي قَالَ مَا أَنا بمجيزه لَك قَالَ بلَى فافعل قَالَ مَا أَنا بفاعل فَقَالَ مكرز بلَى قد أجزناه لَك فَقَالَ أَبُو جندل أَي معشر الْمُسلمين أرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جِئْت مُسلما أما ترَوْنَ مَا قد لقِيت فِي الله وَكَانَ قد عذب عذَابا شَدِيدا
قَالَ عمر بن الْخطاب ﵁ أَلَسْت نَبيا حَقًا فَقَالَ بلَى فَقَالَ أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ بلَى قَالَ فَلم نعطى الدنية فِي ديننَا إِذا قَالَ إِنِّي رَسُول الله وَلَيْسَت أعصيه وَهُوَ ناصري قَالَ أَو لست كنت تحدثنا أَنا سنأتي الْبَيْت فنطوف بِهِ قَالَ بلَى أفحدثنك أَنَّك تَأتيه الْعَام قَالَ لَا قَالَ فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ قَالَ الزُّهْرِيّ قَالَ عمر بن الْخطاب فَعمِلت لذَلِك أعمالا
قَالَ فَلَمَّا فرغ من قَضِيَّة الْكتاب قَالَ رَسُول الله ﷺ لأَصْحَابه قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا فوَاللَّه مَا قَامَ مِنْهُم رجل حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات قَالَ فَلَمَّا لم يقم مِنْهُم أحد قَامَ فَدخل على أم سَلمَة ﵂ فَذكر لَهَا مَا لقى من النَّاس فَقَالَت أم سَلمَة يَا نَبِي الله أَتُحِبُّ ذَلِك اخْرُج ثمَّ لَا تكلم
1 / 8
أحدا مِنْهُم كلمة حَتَّى تنحر بدنتك وَتَدْعُو حالقك فيحلقك فَقَامَ فَخرج فَلم يكلم أحدا مِنْهُم بِكَلِمَة حَتَّى فعل ذَلِك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا فنحروا وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا حَتَّى كَاد يقتل بَعضهم بَعْضًا
ثمَّ جَاءَ نسْوَة مؤمنات فَأنْزل الله ﷿ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن﴾ حَتَّى بلغ ﴿بعصم الكوافر﴾ فَطلق عمر امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرك فَتزَوج إِحْدَاهمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَالْأُخْرَى صَفْوَان بن أُميَّة
ثمَّ رَجَعَ رَسُول الله ﷺ إِلَى المدنية فَجَاءَهُ أَبُو بَصِير رجل من قُرَيْش وَهُوَ مُسلم فأرسلوا فِي طلبه رجلَيْنِ فَقَالَا الْعَهْد الَّذِي جعلت لنا فَدفعهُ النَّبِي ﷺ إِلَى الرجلَيْن فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بلغا ذَا الحليفة فنزلوا يَأْكُلُون من تمر لَهُم تزودوه فَقَالَ أَبُو نصير لأحد الرجلَيْن وَالله إِنِّي لأرى سَيْفك يَا فلَان هَذَا جيدا فاستله الآخر فَقَالَ أجل وَالله إِنَّه لجيد لقد جربته ثمَّ جربته فَقَالَ أَبُو نصير أَرِنِي أنظر إِلَيْهِ فأمكنه مِنْهُ فَضَربهُ حَتَّى برد وفر الآخر حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة فَدخل الْمَسْجِد يعدو فَقَالَ رَسُول الله ﷺ لقد رأى هَذَا ذعرا فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي ﷺ قَالَ قتل وَالله صَاحِبي وَإِنِّي لمقتول فجَاء أَبُو بَصِير فَقَالَ يَا رَسُول الله قد وَالله أوفى الله ذِمَّتك قد رددتني إِلَيْهِم ثمَّ أنجاني الله مِنْهُم فَقَالَ النَّبِي ﷺ
1 / 9
ويل أمه إِنَّه مسعر حَرْب لَو كَانَ لَهُ أحد فَلَمَّا سمع ذَلِك عرف أَنه سيرده إِلَيْهِم فَخرج حَتَّى أَتَى سيف الْبَحْر قَالَ وينفلت مِنْهُم أَبُو جندل بن سُهَيْل فلحق بِأبي بَصِير فَجعل لَا يخرج من قُرَيْش رجل قد أسلم إِلَّا لحق بِأبي بَصِير حَتَّى اجْتمعت مِنْهُم عِصَابَة قَالَ فوَاللَّه مَا يسمعُونَ بعير خرجت لقريش إِلَى الشأم إِلَّا اعْترضُوا لَهُم نقتلوهم وَأخذُوا أَمْوَالهم فَأرْسلت قُرَيْش إِلَى النَّبِي ﷺ تناشده الله وَالرحم لما أرسل إِلَيْهِم فَمَنعهُمْ فَمن أَتَى مِنْهُم فَهُوَ آمن فَأرْسل النَّبِي ﷺ إِلَيْهِم فَأنْزل الله ﷿ وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيرًا هم الَّذين كفرُوا وصدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهدى معكوفا أَن يبلغ مَحَله وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ وَنسَاء مؤمنات لم تعملوهم أَن تطؤهم فتصيبكم مِنْهُم معرة بِغَيْر علم ليدْخل الله فِي رَحمته من يَشَاء لَو تزيلوا لعذبنا الَّذين كفرُوا مِنْهُم عذَابا أَلِيمًا إِذْ جعل الَّذين كفرُوا فِي قُلُوبهم الحمية حمية الْجَاهِلِيَّة فَكَانَت حميتهم أَنهم لم يَقُولُوا إِنَّه نَبِي وَلم يقرُّوا بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وحالوا بَينه وَبَين الْبَيْت
قَالَ ابو الْحُسَيْن الملطى ﵀ إِنَّمَا سقت هَذَا الحَدِيث وَمَا أشبهه لتعرف كَيفَ كَانَ بَدْء هَذَا الدّين وَتعلم الْمَشَقَّة فِيهِ وَمَا لقى رَسُول الله ﷺ من جهال قومه وَكَيف كَانَت قُلُوب الْمُؤمنِينَ من التعزيز والتوقير وَكَيف لم يلوهم عَن الْحق أحد وَلم يؤثروا على الله شَيْئا وَبلغ الْمَكْرُوه مِنْهُم مَا قد تسمع بعضه
1 / 10
فَأَيْنَ أَنْت يَا بطال من هَؤُلَاءِ السَّابِقين وَأَيْنَ عَمَلك من أَعْمَالهم وَهل بَقِي عمل لعامل فِي عصرنا هَذَا بِوَقْت أَو لَحْظَة من أوقاتهم وسبقهم وَإِنَّمَا نالوا الشّرف بسبقهم إِلَى الْإِسْلَام وبذلهم النُّفُوس وَالْكل فِي الله حَتَّى أيد الله بهم نبيه ﷺ وَأظْهر بهم دينه وأعلن بهم الْحق وَأظْهر بهم الصدْق فَكيف يَجْسُر على الطعْن عَلَيْهِم من عرف الله سَاعَة فِي عمره أم كَيفَ يجترىء على سبهم من يزْعم أَنه مُسلم وَالله ﷾ يَقُول للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وَرَسُوله أُولَئِكَ هم الصادقون وَالَّذين تبوؤا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم يحبونَ من هَاجر إِلَيْهِم وَلَا يَجدونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا ويؤثرون على أنفسهم وَلَو كَانَ بهم خصَاصَة وَمن يُوقَ شح نقسه فَأُولَئِك هم المفلحون وَالَّذين جَاءُوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك غَفُور رَحِيم
فَأَيْنَ أَنْت وَأَيْنَ لَك وَأهل عصرك من هَؤُلَاءِ هَيْهَات أَن تدْرك بعض شَأْنهمْ أَو أَن تبلغ مد أحدهم أَو نصيفه فَكيف وَأَنت ترجع فِي أَمرك كُله إِلَى عقلك الْفَاسِد ورأيك الْأَعْرَج فَتَقول قد فعل فلَان وَلم كَانَ ومم كَانَ وَأَنت يَا جَاهِل قد ضارع قَوْلك قَول إِبْلِيس حِين قَاس فَقَالَ ﴿خلقتني من نَار وخلقته من طين﴾ فَأَنت تعَارض كَمَا عَارض وليك الشَّيْطَان ثمَّ من أدل الْأَدِلَّة أَنَّك لَو تقطعت وَاجْتَهَدت لم يَصح لَك أصل تعتمد عَلَيْهِ إِلَّا أَن تكذب وتنقل الْكَذِب لتستريح إِلَيْهِ وَلَا رَاحَة لكذاب وَالله ﷿ يَقُول ﴿قتل الخراصون﴾ أَي لعن الكذابون وَقَالَ النَّبِي ﷺ من كذب على مُعْتَمدًا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار
1 / 11
وَأَيْضًا فتأويلك الْقُرْآن على غير تَأْوِيله وقولك فِيهِ بِرَأْيِك الْفَقِير ومخالفتك للسلف وخروجك من الْعلم ورجوعك إِلَى الْجَهْل الَّذِي هُوَ أولى بك وقولك فِي حجتك روى سديف الصَّيْرَفِي وَفُلَان وَفُلَان كَذَا وَكَذَا وَأهل الْعلم فِي الْآفَاق يردون ذَلِك ويكذبونك من لدن رَسُول الله ﷺ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة فَأَنت ضال مضل تركت السوَاد الْأَعْظَم وَتركت الطَّرِيق الْوَاضِحَة وَالله تَعَالَى يَقُول وَإِن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِعْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون
فَهَل عقلت هَذَا عَن الله ﷿ أم أَنْت من الأخسرين الَّذين يُؤمنُونَ بِبَعْض الْكتاب ويكفرون بِبَعْض وَاعْلَم أَن من كفر بِآيَة من الْكتاب فقد كفر بِجَمِيعِهِ وَمن كفر بِحَدِيث وَاحِد فَهُوَ كَافِر بِصَاحِب الشَّرِيعَة وَلنْ يَنْفَعهُ عمل وَلَا لَهُ مصير إِلَّا إِلَى النَّار
فَالله الله فِي نَفسك انتبه ودع مَا يريبك لما لَا يريبك وَلَا تتبع هَوَاك فَلَيْسَ على وَجه الأَرْض شخص يعدل عَن السّنة وَالْجَمَاعَة والألفة إِلَّا كَانَ مُتبعا لهواه نَاقِصا عقله خَارِجا من الْعلم والتعارف فَالْزَمْ الْحق ترشد إِن شَاءَ الله
وَأَنا أذكر لَك فِي هَذَا الْجُزْء الثَّالِث الْفرق الأثنتين وَالسبْعين فرقة وَمن هِيَ بأسمائها وَمَا تنتحل من كفرها وعدوانها وَأَنَّهَا بانتحالها وفعالها فِي النَّار كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ عِنْد ذكره الْأُمَم فَقَالَ افْتَرَقت الْيَهُود على إِحْدَى وَسبعين
1 / 12
فرقة فرقة نَاجِية وَسَبْعُونَ فِي النَّار وافترقت النَّصَارَى على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة فرقة نَاجِية وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّار نذْكر نَاجِية الْيَهُود من أَصْحَاب مُوسَى ﵇ والحواريين من الْمُسلمين من أَصْحَاب عِيسَى ﵇ وَقَالَ بعد ذَلِك وتفترق أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة وَاحِدَة نَاجِية وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار فَقيل من النَّاجِية يَا رَسُول الله قَالَ مَا أَنا وأصحابي عَلَيْهِ الْيَوْم وَقَالَ عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم وَأَنت أَيهَا المبتدع لَا ترْضى بذلك وَلَا تقبل أمره ﵇ وَقَالَ أَيْضا لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة وَسَمَّاهُمْ الصَّادِقين وَأَنت تكفر الصَّحَابَة كلهم إِلَّا سلمَان وَعمَّارًا والمقداد وابا ذَر ﵏ فَمن دلك على هَذَا وَأي علم نطق بِهِ وَأي سَبِيل إِلَى هَذَا غير الْهوى وَالْكفْر الْمَحْض وَإِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعوان
وَأَنا أذكر فِي هَذَا الْجُزْء الْفرق على مَا انبأتك إِن شَاءَ الله وأختم الْكتاب بِجُزْء رَابِع فِيهِ الْحجَّاج على الْجَمِيع وأختصر فِي الْحجَّاج فِي هَذَا الْجُزْء وقدمت فِي الْجُزْء الأول وَالثَّانِي من الذّكر وسقت النّسَب ودللتك على مَنْهَج السَّلامَة وَجعلت كتابي هَذَا معقلا للْمُسلمين إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَمن نظر فِيهِ متفهما لمعانيه محتفظا لأصوله ومحتجا بفصوله وناظر فِيهِ ازْدَادَ بَصِيرَة إِذْ الِاجْتِهَاد منى فِي ذَلِك قد انْتهى وَإِذ الْأُصُول الَّتِي تكلم فِيهَا الأفاضل من الْمُسلمين قد سقتها وَمِنْهَا مَا قد أوضحته شرحا وَمِنْهَا مَا قد اكتفيت عَن شَرحه بِمَا اعدت من ذكره فجَاء فِي مَوْضِعه على كَمَاله وَفِي مَوضِع على التَّلْوِيح بِهِ بِدَلِيل فِيهِ قَائِم أردْت بذلك أَن يَأْخُذ بحظ مِنْهُ من كتبه عَن آخِره وَمن كتب
1 / 13
بعضه أَن يدْرك بعض مَا فَاتَهُ من كَمَاله فَإلَى هَذَا عزوت وَإِلَيْهِ أَشرت فَلَا يَقُولَن أحد ينظر فِي كتَابنَا هَذَا إِنَّه قد كرر فِيهِ مَا قد أَتَى بِهِ فِي مَوضِع قد كفى ذَلِك عَن تكراره فأعلمتك مَا قصدت ودللتك على مَا أردْت لتزيل ببياني شَيْئا إِن خامرك شَيْء من ذَلِك ولتعلم أَنه لم يخف على ذَلِك وَإِنِّي لعمرك أحب الإيجاز فِي الْأَمر كُله وَلَكِن رَأَيْت من صعوبة الزَّمَان تجرد قوم فِي بغض أهل السّنة وبحثهم عَلَيْهِم وقصدهم مَا ساءهم من قَول وَفعل فَجعلت ذَلِك على مَا قدرت عَلَيْهِ بمعونة الله وَالله ممد لأهل السّنة بالمعونة الدائمة والكفاية الشاملة والعز الْمُتَّصِل وَالْجَلالَة فِي أعين عباده والكلاءة فِي الْأَنْفس والأهل وَالْأَوْلَاد وَالْأَمْوَال وَحسن الْعَاقِبَة فِي الْمعَاد ومبلغهم مَا هُوَ أَهله من لطائفه وإحسانه فهم فِي عصرنا هَذَا هم الأطواد الشامخة والبدور الزاهرة والسادة الَّذين شملهم الله بعونه وستره فوجوههم بالعون زاهرة وألسنتهم بِالصّدقِ ناطقة ﴿إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون﴾
بَاب مَا شرح من بَيَان السّنة
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن ﵀ وَالَّذِي ثَبت عَن مُحَمَّد بن عكاشة أَن أصُول السّنة مِمَّا اجْتمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء مِنْهُم عَليّ بن عَاصِم وسُفْيَان بن عُيَيْنَة
1 / 14
وَمُحَمّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ وَشُعَيْب وَمُحَمّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وشابة بن سوار وَالْفضل بن دُكَيْن الْكُوفِي وَعبد الْعَزِيز بن ابان الْكُوفِي وَعبد الله بن دَاوُد ويعلى بن قبيصَة وَسَعِيد بن عُثْمَان وازهر وابو عبد الرَّحْمَن المقرى وَزُهَيْر ابْن نعيم وَالنضْر بن شُمَيْل وَأحمد بن خَالِد الدِّمَشْقِي والوليد بن مُسلم الْقرشِي والرواد بن الْجراح الْعَسْقَلَانِي وَيحيى بن يحيى وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير كلهم يَقُولُونَ رَأينَا أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ كَانُوا يَقُولُونَ
الرِّضَا بِقَضَاء الله وَالتَّسْلِيم لأمر الله وَالصَّبْر على حكم الله وَالْأَخْذ بِمَا أَمر الله النَّهْي عَمَّا نهى الله عَنهُ وَالْإِخْلَاص بِالْعَمَلِ لله وَالْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره من الله وَترك المراء والجدال والخصومات فِي الدّين وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ وَالْجهَاد مَعَ أهل الْقبْلَة وَالصَّلَاة على من مَاتَ من أهل الْقبْلَة سنة وَالْإِيمَان يزِيد وَينْقص قَول وَعمل وَالْقُرْآن كَلَام الله وَالصَّبْر تَحت لِوَاء السُّلْطَان على مَا كَانَ مِنْهُم من عدل أَو جور وَلَا يخرج على الْأُمَرَاء بِالسَّيْفِ وَإِن جاروا وَلَا ينزل أحد من أهل التَّوْحِيد جنَّة وَلَا نَارا وَلَا يكفر أحد من أهل التَّوْحِيد بذنب وَإِن عمِلُوا الْكَبَائِر والكف عَن اصحاب مُحَمَّد ﷺ وَأفضل النَّاس بعد رَسُول الله ﷺ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ ﵃ أَجْمَعِينَ
بَاب فِيمَن أَرَادَ أَن يرى النَّبِي ﷺ فِي مَنَامه
قَالَ مُحَمَّد بن عكاشة ﵀ أَخْبرنِي مُعَاوِيَة بن حَمَّاد الْكرْمَانِي عَن
1 / 15
الزُّهْرِيّ قَالَ من اغْتسل لَيْلَة الْجُمُعَة وَصلى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ ألف مرّة رأى النَّبِي ﷺ فِي مَنَامه قَالَ مُحَمَّد بن عكاشة قدمت عَلَيْهِ كل لَيْلَة جُمُعَة أصلى الرَّكْعَتَيْنِ أَقرَأ فيهمَا ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ ألف مرّة طَمَعا أَن ارى النَّبِي ﷺ فِي مَنَامِي فَأَعْرض عَلَيْهِ هَذِه الْأُصُول فَأَتَت على لَيْلَة بَارِدَة فاغتسلت وَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ اخذت مضجعي فَأَصَابَنِي حلم فَقُمْت ثَانِيَة فاغتسلت وَصليت رَكْعَتَيْنِ وفرغت مِنْهُمَا قَرِيبا من الْفجْر فاستندت إِلَى الْحَائِط ووجهي إِلَى الْقبْلَة إِذْ دخل على النَّبِي ﷺ وَوَجهه كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر وعنقه كإبريق فضَّة فِيهِ قضبان الذَّهَب على النَّعْت وَالصّفة وَعَلِيهِ بردتان من هَذِه البرود اليمانية قد اتزر بِوَاحِدَة وارتدى بِأُخْرَى فجَاء واستوفز على رجله الْيُمْنَى وَأقَام الْيُسْرَى فَأَرَدْت أَن أَقُول حياك الله فبادرني وَقَالَ حياك الله وَكنت أحب أَن أرى رباعيته الْمَكْسُورَة فَتَبَسَّمَ فَنَظَرت إِلَى رباعيته فَقلت يَا رَسُول الله إِن الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء قد اخْتلفُوا على وَعِنْدِي أصُول من السّنة اعرضها عَلَيْك فَقَالَ نعم فَقلت
الرِّضَا بِقَضَاء الله وَالتَّسْلِيم لأمر الله وَالصَّبْر على حكم الله وَالْأَخْذ بِمَا أَمر الله وَالنَّهْي عَمَّا نهى الله عَنهُ وَالْإِخْلَاص بِالْعَمَلِ لله وَالْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره من الله وَترك المراء والجدال والخصومات فِي الدّين وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ وَالْجهَاد مَعَ أهل الْقبْلَة وَالصَّلَاة على من مَاتَ من أهل الْقبْلَة سنة وَالْإِيمَان يزِيد وَينْقص قَول وَعمل وَالْقُرْآن كَلَام الله وَالصَّبْر تَحت لِوَاء السُّلْطَان على مَا كَانَ فِيهِ من
1 / 16
جور وَعدل وَلَا يخرج على الامراء بِالسَّيْفِ وَإِن جاروا وَلَا ينزل أحد من أهل التَّوْحِيد جنَّة وَلَا نَارا وَلَا يكفر أحد من أهل التَّوْحِيد بذنب وان عمِلُوا الْكَبَائِر والكف عَن أَصْحَاب مُحَمَّد ﷺ فَلَمَّا أتيت والكف عَن أَصْحَاب مُحَمَّد ﷺ بَكَى حَتَّى علا صَوته وَأفضل النَّاس بعد رَسُول ﷺ أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ قَالَ مُحَمَّد بن عكاشة فَقلت فِي نَفسِي فِي عَليّ ابْن عَمه وَخَتنه فَتَبَسَّمَ ﵇ كَأَنَّهُ قد علم مَا فِي نَفسِي قَالَ مُحَمَّد فدمت ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَات أعرض عَلَيْهِ هَذِه الْأُصُول كل ذَلِك أَقف عِنْد عُثْمَان وَعلي فَيَقُول لي ﵇ ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ ثَلَاث مَرَّات قَالَ وَكنت أعرض عَلَيْهِ هَذِه الْأُصُول وَعَيناهُ تهملان بالدموع قَالَ فَوجدت حلاوة فِي قلبِي وفمي فَمَكثت ثَمَانِيَة أَيَّام لَا آكل طَعَاما وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى ضعفت عَن صَلَاة الْفَرِيضَة فَلَمَّا أكلت ذهبت تِلْكَ الْحَلَاوَة واللذة وَالله شَاهد على وَكفى بِاللَّه شَهِيدا
وَقَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل ﵀ لِأَحْمَد بن حَنْبَل رضى الله عَنهُ يَا أَحْمد إِنِّي أُرِيد أَن أجعلك بينى وَبَين الله حجَّة فأظهرني على السّنة وَالْجَمَاعَة وَمَا كتبته عَن أَصْحَابك عَمَّا كتبوه عَن التَّابِعين مِمَّا كتبوه عَن أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ فحدثه بِهَذَا الحَدِيث
1 / 17
بَاب ذكر الرافضة وأصناف اعْتِقَادهم
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن الملطى ﵀ إِن أهل الضلال الرافضة ثمانى عشرَة فرقة يتلقبون بالإمامية وَأَنا أذكرها إِن شَاءَ الله على رتبها
فأولهم الْفرْقَة الغالية من السبئية وَغَيرهم وهم أَصْحَاب عبد الله بن سبأ قَالُوا لعَلي ﵇ أَنْت أَنْت قَالَ وَمن أَنا قَالُوا الْخَالِق البارئ فاستتابهم فَلم يرجِعوا فَأوقد لَهُم نَارا ضخمة وَأَحْرَقَهُمْ وَقَالَ مرتجزا
(لما رَأَيْت الْأَمر أمرا مُنْكرا ... أججت نارى ودعوت قنبرا)
فِي أَبْيَات لَهُ ﵇ وَقد بَقِي مِنْهُم إِلَى الْيَوْم طوائف يَقُولُونَ ذَلِك ويتلون من الْقُرْآن ﴿إِن علينا جمعه وقرآنه فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه﴾ وهم يَقُولُونَ إِن عليا مَا مَاتَ وَلَا يجوز عَلَيْهِ الْمَوْت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت وَيُقَال لما جَاءَهُم نعى على إِلَى الْكُوفَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالُوا لَو أتيتمونا بدماغه فِي سبعين قَارُورَة لم نصدق بِمَوْتِهِ فَبلغ ذَلِك الْحسن بن عَليّ ﵄ فَقَالَ فَلم ورثنا مَاله وَتزَوج نساؤه
والفرقة الثَّانِيَة من السبئية يَقُولُونَ إِن عليا لم يمت وَإنَّهُ فِي السَّحَاب وَإِذا نشأت سَحَابَة بَيْضَاء صَافِيَة منيرة مبرقة مرعدة قَامُوا إِلَيْهَا يبتهلون ويتضرعون وَيَقُولُونَ قد مر عَليّ بِنَا فِي السَّحَاب
والفرقة الثَّالِثَة من السبئية هم الَّذين يَقُولُونَ إِن عليا قد مَاتَ وَلَكِن
1 / 18
يبْعَث قبل الْقِيَامَة وَيبْعَث مَعَه أهل الْقُبُور حَتَّى يُقَاتل الدَّجَّال وَيُقِيم الْعدْل والقسط فِي الْعباد والبلاد وَهَؤُلَاء لَا يَقُولُونَ إِن عليا هُوَ الله وَلَكِن يَقُولُونَ بالرجعة
والفرقة الرَّابِعَة من السبئية يَقُولُونَ بإمامة مُحَمَّد بن عَليّ وَيَقُولُونَ هُوَ فِي جبال رضوى حَتَّى لم يمت ويحرسه على بَاب الْغَار الَّذِي هُوَ فِيهِ تنين وَأسد وَإنَّهُ صَاحب الزَّمَان يخرج وَيقتل الدَّجَّال وَيهْدِي النَّاس من الضَّلَالَة وَيصْلح الأَرْض بعد فَسَادهَا
وَهَؤُلَاء الْفرق كلهم يَقُولُونَ بالبداء إِن الله تبدو لَهُ البداوات وكلاما لَا استجيز شَرحه فِي كتاب وَلَا أقدم النُّطْق بِهِ وَهَؤُلَاء كلهم أحزاب الْكفْر وَفرق الْجَهْل فَمَتَى لم يقرُّوا بِمَوْت مُحَمَّد وَعلي ﵉ فالضرورة إِلَى المكابرة وأينما كَانُوا لَا حجَّة لَهُم وَأما قَوْلهم إِن عليا هُوَ الْإِلَه الْقَدِيم فقد ضاهوا بذلك قَول النَّصَارَى وَقد تقدم بِالرَّدِّ على النسطورية من النَّصَارَى أَن ذَا جسم وَكَيْفِيَّة لَا يكون إِلَهًا فَكَذَلِك قَوْلهم فِي الرّجْعَة أكذبهم فِيهِ قَول الله ﵎ ﴿وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون﴾ يخبر أَن أهل الْقُبُور لَا يبعثون إِلَى يَوْم النشور فَمن خَالف لحكم الْقُرْآن فقد كفر
وَقَوْلهمْ عَليّ فِي السَّحَاب فَإِنَّمَا ذَلِك قَول النَّبِي ﷺ لعَلي أقبل وَهُوَ معتم بعمامة النَّبِي ﷺ كَانَت تدعى السَّحَاب فَقَالَ ﷺ قد أقبل عَليّ فِي السَّحَاب يَعْنِي فِي تِلْكَ الْعِمَامَة الَّتِي تسمى السَّحَاب
1 / 19
فتأولوه هَؤُلَاءِ على غير تَأْوِيله
الْفرْقَة الْخَامِسَة هم القرامطة والديلم وهم يَقُولُونَ إِن الله نور علوى لَا تشبهه الْأَنْوَار وَلَا يمازجه الظلام وَإنَّهُ تولد من النُّور العلوى النُّور الشعشاني فَكَانَ مِنْهُ الْأَنْبِيَاء وَالْأَئِمَّة فهم بِخِلَاف طبائع النَّاس وهم يعلمُونَ الْغَيْب ويقدرون على كل شَيْء وَلَا يعجزهم شَيْء ويقهرون وَلَا يقهرون ويعلمون وَلَا يعلمُونَ وَلَهُم عَلَامَات معجزات وأمارات ومقدمات قبل مجيئهم وظهورهم وَبعد ظُهُورهمْ يعْرفُونَ بهَا وهم مباينون لسَائِر النَّاس فِي صورهم وأطباعهم وأخلاقهم وأعمالهم وَزَعَمُوا أَنه تولد من النُّور الشعشعاني نور ظلامي وَهُوَ النُّور الَّذِي ترَاهُ فِي الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب وَالنَّار والجواهر الَّذِي يخالطه الظلام وَتجوز عَلَيْهِ الْآفَات وَالنُّقْصَان وَتحل عَلَيْهِ الآلام والأوصاب وَيجوز عَلَيْهِ السَّهْو والغفلات وَالنِّسْيَان والسيئات والشهوات والمنكرات غير أَن الْخلق كُله تولد من الْقَدِيم البارىء وَهُوَ النُّور العلوى الَّذِي لم يزل وَلَا يزَال وَلَا يَزُول سبق الْحَوَادِث وأبدع الْخلق من غير شَيْء كَانَ قبله قدره نَافِذ وَعلمه سَابق وَإنَّهُ حَيّ لَا بحياة وقادر لَا بقدرة وَسميع بَصِير لَا يسمع وَلَا يبصر ومدبر لَا بجوارح وَلَا آلَة فيصفون الْإِلَه جلّ وَعز كَمَا يصفه الموحدون مَعَ قَوْلهم إِنَّه نور لَا يشبه الْأَنْوَار ثمَّ يَزْعمُونَ أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَسَائِر الْفَرَائِض نَافِلَة لَا فرض وَإِنَّمَا هُوَ شكر للمنعم وَأَن الرب لَا يحْتَاج إِلَى عبَادَة خلقه وَإِنَّمَا ذَلِك شكرهم فَمن شَاءَ فعل وَمن شَاءَ لم يفعل وَالِاخْتِيَار فِي ذَلِك إِلَيْهِم وَزَعَمُوا أَنه لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا نشور أَن من مَاتَ بلَى جسده وَلحق روحه بِالنورِ الَّذِي تولد مِنْهُ حَتَّى يرجع كَمَا كَانَ
1 / 20