حِيلَة لَهُم فِي الْخَلَاص مِنْهُ وَقد ثَبت أَن مَا يعلم بِالضَّرُورَةِ ودرك الْحَواس لَا يجوز أَن يجْتَمع على جَحده وإنكاره قوم بهم تثبت الْحجَّة وَيَنْقَطِع الْعذر كَمَا لَا يجوز مثل ذَلِك فِي جحد وجودنا السَّمَاء فَوْقنَا وَالْأَرْض تحتنا وَسَمَاع كَلَام السَّائِل لنا فِي هَذَا الْبَاب وَفِي جحد أَكثر الْعَالم والأمم لفعل الطباع وَالْعلم بِهَذِهِ الطبائع أصلا دَلِيل على جهل مدعي هَذِه الدَّعْوَى
وعَلى أَن كثيرا من الْمُتَكَلِّمين يُنكر الْعلم بِوُجُود حوادث هِيَ إحراق وإسكار من جِهَة الإضطرار فَكيف يعلم حدوثها من مُحدث بِعَيْنِه وَعَن شَيْء بِعَيْنِه اضطرار وَكثير من النَّاس يجهلون وجود هَذِه الْأَعْرَاض وأعيانها فَكيف يضطرون مَعَ ذَلِك إِلَى الْعلم بفاعلها وعَلى أَن سَائِر الْمُتَكَلِّمين وَأهل التَّحْصِيل قد أطبقوا على أَن حُدُوث الشَّيْء وَكَونه عَن عدم لَا يعلم اضطرارا فَكيف يعلم مِمَّن حدث وَعَن أَي شَيْء حدث اضطرارا وَالْعلم بِحَدَث الشَّيْء وَمَا حدث عَنهُ فرع للْعلم بِأَنَّهُ مُحدث فَإِذا لم يُعلمهُ مُحدثا اضطرارا وَلم يُشَاهِدهُ مَعْدُوما قبل وجوده وموجودا بعد عَدمه فَكيف يضْطَر إِلَى الْعلم بمحدثه لَوْلَا الْغَفْلَة والذهاب عَن التَّحْصِيل
وَيُقَال لَهُم فِي هَذَا أَيْضا لَو قَالَ لكم قَائِل من الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بالتولد إِنَّنِي أعلم حُدُوث الْأَلَم وَذَهَاب السهْم وَالْحجر متولدين عَن الرَّمْي وَالدَّفْع والاعتماد وَكَذَلِكَ الْكسر وَالْقطع وتأليف الْأَجْسَام عِنْد حركات البنائين واعتمادهم وإنني أشاهده وأحسه اضطرارا هَل كَانَ فِي دَعْوَاهُ ذَلِك إِلَّا بمنزلتكم فِي إدعاء فعل الطباع لِأَنَّهُ يَقُول وجدت هَذِه الْأُمُور
1 / 63