وإذ قد تبين هذا فهو بين أنه إذا كانت النتيجة كاذبة فباضطرار أن يكون في المقدمات مقدمة كاذبة، وإلا كان ليس يحصل على المقدمات الصادقة نتيجة صادقة، وذلك خلاف ما أخذ في حد القياس وما تبرهن من حاله. وأما إذا كانت النتيجة صادقة فليس يجب لا محالة أن تكون المقدمات صادقة. والسبب في ذلك أن الصادق أعم من الصادق الذي يبين على طريق القياس. والصادق الذي يبين على طريق القياس يبين أيضا عن أكثر من قياس واحد، ولذلك يلزم متى ارتفع القياس أن ترتفع النتيجة- أعني إذا كذبت المقدمات أن تكذب النتيجة- ويلزم إذا ارتفعت النتيجة- أي كذبت- أن يرتفع القياس- أي تكذب المقدمات أو يكون شكل القياس فاسدا. وهذه هي حال اللازم مع الشيء الذي يلزمه إذا لم يكن لزومهما متكافئا- مثل وجود الحيوان والإنسان، فإن الإنسان لما كان أخص من الحيوان لزم متى وجد الإنسان أن يوجد الحيوان ومتى ارتفع الإنسان أن لا يرتفع الحيوان ومتى ارتفع الحيوان أن يرتفع الإنسان، والإنسان هاهنا هو مكان القياس والحيوان وهو مكان النتيجة. وكذلك يظهر أيضا أنه ليس يجب ولا بد إذا كذبت المقدمات أن تكذب النتيجة ولا أن تصدق. والبرهان على هذا هو ما أقوله: لنفرض شيئين أحدهما أول والآخر ثاني ونفرض أن الثاني يلزم عن الأول- أعني أنه متى وجد الأول وجد الثاني- وليكن على الأول علامة اَ وعلى الثاني علامة بَ- مثل أن يكون اَ أبيض وبَ عظيما- فنقول إنه متى كان من شأن اَ إذا وجد أن توجد بَ، فإنه ليس يلزم متى ارتفع اَ أن توجد بَ، وذلك أنه قد تبين أنه متى ارتفعت بَ فواجب أن ترتفع اَ. وذلك أنه إن لم ترتفع اَ فلتكن موجودة، وإذا كانت اَ موجودة فإنا قد فرضنا أن بَ تكون موجودة، فتكون بَ إذا ارتفعت لزم أن توجد بَ، وذلك خلف لا يمكن. وإذا تقرر هذا الأصل فنقول: إنه متى كانت ثلاثة حدود-أول وثان وثالث- وكان الثاني يلزم الأول والثالث يلزم الثاني، فإن الثالث يلزم الأول. وإذا تقرر هذا فنقول إنه ليس يلزم أن ترتفع اَ وتوجد بَ، وذلك أنه قد تبين أن بَ لما كانت لازمة عن اَ أن بَ متى ارتفعت ارتفع اَ. فإن أنزلنا أن اَ إذا ارتفعت وجدت بَ وقد كان معنا أن بَ إذا ارتفعت ارتفع اَ، فيلزم إذا ارتفعت الباء أن توجد الباء، وذلك خلف لا يمكن. فلذلك ليس يلزم إذا كذبت المقدمات أن تصدق النتيجة، بل الصدق لها إنما هو بضرب من العرض، وذلك ما أردنا بيانه. وكذلك يظهر أيضا أنه ليس يلزم عن ارتفاع اَ أن ترتفع بَ، لأنه يلزم أن يكون وجود اَ لازما عن وجود بَ وقد كانت بَ لازمة عن وجود اَ فيكون اللزوم متكافئا ومنعكسا، وذلك مستحيل فلذلك يلزم إذا كذبت المقدمات أن تكذب النتيجة. فأما إذا كذبت النتيجة فإنه تكذب المقدمات، لأنه إذا ارتفعت بَ ارتفعت اَ.
الفصل الثالث
القول في البيان بالدور
الشكل الأول
1 / 70