فنقول ان النوم والسهر يرسمان برسوم. احدها ان النوم حس بالقوة. فانه ظاهر ان النائم يرى انه ياكل ويشرب ويحس بجميع حواسه الخمس. واما اليقظة فانها حس بالفعل. ومن هذين الرسمين يظهر ان النوم عدم اليقظة لان ما بالقوة عدم ما بالفعل، والحس الذى بالقوة فى النوم قد يتفق ان يخرج الى الفعل، وذلك فى المنامات الصادقة والانذارات العجيبة. وحينئذ يكون الحس الذى بالقوة اشرف من الحس الذى بالفعل. واما الكاذب من الحس الذى بالقوة فخسيس، والذى بالفعل اشرف منه. ويشبه ان يكون الامر، كما يقول ارسطو، ان الحس الذى بالفعل جسمانى والذى بالقوة روحانى. والجسمانى اشرف عند الحاس الجسمانى، والروحانى اشرف عند المدرك الروحانى. وليس الروحانى اشرف من الجسمانى عند الجسمانى ، ولا الجسمانى اشرف من الروحانى عند الروحانى. واما الروحانى على الاطلاق، فهو اشرف من الجسمانى. والحس الروحانى ليس انما يوجد فى النوم فقط، بل قد يوجد فى اليقظة عند اجتماع القوى الثلاث واتحادها كما سلف من قولنا ومن هذين الرسمين يظهر ان هاتين القوتين واحدة بالموضوع، اثنتان بالماهية والحد، وان موضعهما هى القوة الحساسة المدركة، وانهما مشتركتان للنفس والبدن, وإن افعال النفس الحساسة من الامور المشتركة للنفس والبدن لانها لا تفعل الا بآلات. وقد يظهر انها منسوبة لقوة الحس المشترك مما اقوله. وذلك انه ليس يمكن ان تنسب الى القوة الغاذية، فان النبات لا نوم له اذ لا ادراك له. واذا لم تنسب الى النفس الغير مدركة، فهى ضرورة منسوبة الى النفس المدركة، ومن المدركة الى غير الناطقة، فان الحيوان الغير الناطق ينام. ولما كان الحيوان لم يعدم شيئا فى حال نومه من آلات الحس ولا من آلات الحركة، وهو مع هذا لا يحس ولا يتحرك وتمر به المحسوسات فلا يشعر بها، علمنا ان السبب فى النوم هو ان المدرك للمحسوسات قد انصر عن تلك الآلات الى باطن البدن. ولما قد تبين فى كتاب النفس ان هاهنا قوة حسية مشتركة لجميع الحواس الخمس، وهى التى تقضى على تباين المحسوسات وتقابلها وكثرتها، علمنا ان المنصرف عن هذه الآلات انما هو الحس المشترك، وان ماهية النوم انما هو غوور هذه القوة الحساسة المشتركة الى داخل الجسم، وان اليقظة هى حركة هذه القوة الحساسة الى آلاتها خارج الجسم. ولهذا قد يرسم النوم بانه سكون الحركة، واليقظة اتصال الحركةا وهذا القول هو ادل على ماهية النوم من القول المتقدم.
Shafi 54