يجر كرسي المكتب إلى البلكونة. يشعل سيجارته. يطلب مني أن أبحث له عن ورقة وقلم. أحضر له كراسة الواجب وقلمي الرصاص. يطوي الورقة. أقف إلى جواره. أطل على ما يكتبه:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
يتطلع إلى الحارة مفكرا. أدرك أنه يحاول إكمال النظم من تأليفه كعادته في كل عيد. أقول: مش حنخرج بأه؟ لا يرد. ينهض متثاقلا بعد قليل. يحضر صندوق الحلاقة. يضعه على الطاولة. أملأ له كوبا من الماء. يبلل الفرشاة ثم يدعكها بالصابون.
أتناول قميصي الجديد. أقلب الياقة وأدس «باغة» في كل من الفتحتين المخصصتين لها. أرتدي بنطلون البزة الجديدة. القماش ثقيل وخشن. يطلب مني أن أكتفي بالقميص والبنطلون لأن الجو شديد الحرارة. أنصاع متضررا. أطمئن على وجود لفافة الأحجبة في جيب بنطلوني الخلفي. أسمع ضجة الأولاد في الحارة. أهرع إلى البلكونة. كلهم في ملابس العيد. البنات بفيونكات في شعورهن. يصيحون في نفس واحد: حل الكيس وادينا بقشيش يا حالو. يفجرون البمب. يحمل «سمير» شريطا من «حرب إيطاليا». يحك حباته في الأرض فتشتعل.
أستدير وأخطو داخل الحجرة. أروح وأجيء عدة مرات إلى أن ينتهي من الحلاقة. يدعك خديه وأسفل ذقنه بإصبع «الشبة» ذي الغلاف المفضض. يترك عدة الحلاقة فوق المكتب. ينهض واقفا. يخلع ملابسه. يرتدي القميص. يثبت الأزرار. ينقطع واحد ويتدحرج على الأرض. أحضره. يبحث في الرف العلوي للدولاب حتى يعثر على بكرة خيط وإبرة حياكة. يحاول إدخال الفتلة في فتحة الإبرة. يفشل. يعطيهما لي. أبلل طرف الفتلة بريقي. أدسها في الفتحة بسهولة.
يرتدي بنطلون البزة البيضاء. يثبت حمالتيه. - ناولني الجزمة. أحضر له الحذاء البني ذا المقدمة البيضاء. أنظفه بقطعة قماش. يجلس فوق حافة السرير. يدس قدميه في الحذاء. يعقد رباطه. يظل جالسا وهو يحدق في الأرض. أستعجله: يلا بأه. ينهض واقفا. يرتدي سترة البزة. يتناول الطربوش من فوق الشماعة ويضعه فوق رأسه. يلوي طرفي شاربه ويفركهما بأصابعه على الوضع المشدود إلى أعلى.
يغلق مصراعي البلكونة. يبحث عن المفتاح بين الملابس والأغطية المتناثرة فوق الفراش. يتناول المظلة البيضاء المعلقة في الشماعة. يضغط مقبضها فتنبسط ويظهر شق واضح في جانبها. يلقي بها جانبا في سخط. ينبهني ألا أنسى كتاب اللغة الإنجليزية وكراسة الواجبات.
نغادر الغرفة ونغلق بابها بالمفتاح. تظهر «فاطمة» عند باب المخزن: كل سنة وانت طيب يا سيدي، تروح وتيجي بالسلامة. يعطيها العيدية فتقبل يده: ربنا يخليك يا سيدي. يعترضنا المسحراتي في مدخل الحارة. لأول مرة أرى وجهه بالنهار. أسمر مليء بالتجاعيد. يقول لأبي: كل سنة وأنت طيب يا بيه. يعطيه أبي نصف فرنك.
دكان البقال مغلق. نبلغ الميدان. المراجيح منصوبة أمام مدخل شارع «الحسينية». نستقل الترام من الباب المجاور للسائق. أشرئب بعنقي لأقرأ اللافتتين الموضوعتين فوق رأسه: «ممنوع البصق.» «ممنوع الكلام مع السائق.» نترجل في ميدان «العباسية». الترام الأبيض. نغادره في ميدان «الإسماعيلية». يخرج أبي منديلا ويمسح العرق عن وجهه. يدور به حول رقبته خلف ياقة القميص. يخلع طربوشه. يلف المنديل حول إصبعه ويدور به حول الحافة الجلدية الداخلية للطربوش. يضع المنديل فوق رأسه فتتدلى حوافه على جبهته. يكبس الطربوش فوقه.
Shafi da ba'a sani ba