فيها مواده، وأن تنسيقه وتحريره اقتضاه ثماني سنوات من عمره قضاها في عمل دائب. وكان من همه أن يجمع فيه ما لم يرد في المعاجم العربية القديمة التي وقفت باللغة في حدود من الزمان والمكان معينة، فيثبت فيه الألفاظ الطارئة التي دعت إليها ضرورات التطور وفرضها تقدم الحضارة ورقي العلم، واستعملها مؤلفو العصور الوسيطة ومن جاء بعدهم من مؤرخين وقصاص وجغرافيين ونباتيين وأطباء وفلكيين وغيرهم مما أهملته المعاجم القديمة. وهو يرى أن مواد هذا المعجم لابد أن يبحث عنها في هذه المؤلفات وتستخرج منها، غير أنه وأن استمد الكثير من مواد معجمه من مجموعات الألفاظ التي ألحقها المستعربون فيما نشروه من كتب عربية مختلفة أو ترجموه إلى لغاتهم منها، كما استمدها من المعاجم العربية التي ألفها المستعربون، من عربية - لاتينية أو أسبانية أو إيطالية أو انجليزية أو فرنسية وما جاء من ألفاظ في كتب الرحالة الغربيين باللاتينية والفرنسية والانجليزية والألمانية. غير أنه لم يستوف ذكر كل الألفاظ التي فيها، وقد أهمل متعمدًا ألفاظ المتصوفة. ومصطلحات العلوم العربية والدينية، كما أهمل ذكر مصطلحات علوم الأوائل.
إن دوزي لم يرجع إلى المعاجم العربية القديمة ليتأكد من أن ألفاظ معجمه ليست موجودة فيها، وكان من أثر هذا أنه أثبت في معجمه كثيرًا من الألفاظ التي وردت في الكتب العربية المنشورة، وهي مذكورة في هذه المعاجم، وقد فسرها بمثل ما فسرت فيها معتمدًا في الكثير من ذلك على ما ذكره أدور لين من تفسير لها بالانجليزية في معجمه " مد القاموس ".
وقد ذكر في معجمه كثيرًا من الألفاظ العامية التي وجدها في المصادر التي اعتمد عليها من غير أن يشير إلى أنها من كلام العامة، بل إنه يحذف هذه الإشارة إذا وجدها مثبتة المصدر الذي ينقل عنه، ولذلك نرى أن فصيح اللغة يختلط بعاميتها من غير أن ينبه إلى عامية البلد الذي تستعمل فيه.
ولم يجر دوزي على نسق واحد في شرح معاني الألفاظ وتفسيرها، فبينا نراه حينًا يفصل كل التفصيل في تفسير بعض الألفاظ ويأتي بالنصوص المختلفة لذلك نراه حينًا آخر يوجز كل الإيجاز فيكون تفسيره لها مجملًا لا غناء فيه، وكثيرًا ما يكتفي بذكر ما يقابلها بالفرنسية وأحيانًا قليلة ما يقابلها باليونانية أو اللاتينية أو العبرية فقط، بل قد يكتفي بأن يفسر بعض الألفاظ بقوله: صنف من الطير، أو صنف من السمك، أو حيوان، أو نبات لا يزيد على ذلك شيئًا.
لقد وضع دوزي معجمه على نسق المعاجم الغربية فنسق ألفاظه على نسق حروف الهجاء العربية المألوف عندنا ورتبها حسب ترتيب الحروف فيها، لكنه خرج على هذا الترتيب حين تكون الألفاظ مضعفة العين واللام، فقد ذكر مثلًا: أفّ قبل افام .. الخ، وأم قبل أما وأماج .. الخ، وأنَّ قبل أنا وأنا غاليس .. الخ، وبحَّ قبل بحث .. الخ، وبخَّ قبل بخت .. الخ، وبدَّ قبل بدأ إلى آخره، وبرّ قبل برأ .. الخ، كما أنه رتب الأفعال على نسق ترتيبها في كتب القواعد التي وضعها الفرنجة للغة العربية، فهي مرتبة فيه كما يلي: ١ - فَعَل، ٢ - فعّل،
1 / 9