فرع: والتكبر قبيح عقلا لصدوره اعتقاد أمر جهل وشرعا للاجماع، والوعيد عليه كقوله تعالى:?فبئس مثوى المتكبرين?[غافر:76]، ونحوها، ومنه: الاستخفاف بمن لا يعلم فسقه، والترفع عن بعض ما يستحقه الوالد والامام والعالم من التعظيم كما كان ترفع إبليس عن بعض ما يستحقه آدم تكبرا، وما من مرتبة في التعظيم الا ويستحقها هؤلاء، مع صلاحهم الا ما انفرد الله به سبحانه باستحقاقه كالسجود، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد)) فنبه على أن ما دون السجود من التعظيمات مستحق للزوج على الزوجة، والعالم على المتعلم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم حاكيا عن الله تعالى: ((من أراد أن يكرمني فليكرم أحبائي)) أراد العلماء، كما صرح به في آخر الخبر والإمام أعظم حقا لأنه أمر بطاعته كما أمر بطاعة الرسول حيث قال تعالى:?وأولي الأمر منكم?[النساء:59]، ولم يكن مثل ذلك في حق الوالد والعالم، وقال الله تعالى:?تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا? [النور:63]، والإمام قائم مقامه، نعم فالترفع عن بعض ما يستحقه هؤلاء من التعظيم تكبر كتكبر إبليس عما أمر به، فأما لو تركه تسامحا لا ترفعا، مع عزمه على فعله لو اتهم بالأنفة عنه فليس تكبرا، اذ لا يتضيق عليه إلا عند التهمة، ومنه الترفع عن طلب العلم ممن هو أصغر منه سنا أو أقل جاها، والأنفة عن الجواب بلا أدري، حيث لا يعلم الجواب الموافق للحق، وعليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من ترك العلم)) الخبر ونحوه، ولتضمنه الأنفة عن تعظيم المعلم حينئذ، فكان تكبرا كتكبر إبليس، ومنه الزهو، وهو التبختر في المشي إذ لا يفعله عادة إلا المتكبرون، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وجر الذيل بطرا، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من جر إزاره بطرا)) الخبر، ويجوز الزهو للمرأة، إذ تحسن به عين بعلها، ومن ثم قال علي عليه السلام: ((خير خصال النساء شر خصال الرجال الزهو والجبن والبخل)) وقد يحسن الزهو من الرجل، وذلك عند لقاء العدو، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم حين تبتختر أبو دجانة عند بروزه للقتال: ((إن هذه لمشية يبغضها الله تعالى إلا في مثل هذا الموطن)) ومنه تكلف التصدر في المجالس واختيارها ترفعا وطلب مرتبة في التعظيم لا يستحقها.
وقد قال علي عليه السلام (ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه) ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تخطي الرقاب إلى أعلى المجالس، وكذلك طلب القرب الى مجلس السلطان ليشرف به.
فرع: وليس منه الترفع عن مجالسة الأرذال والسقط المتلبسين بالقبائح، لجواز الاستخفاف بهم، لا عن مجالسة المساكين الأتقياء فتكبر ققوله تعالى:?واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم?[الكهف:28] إلى قوله تعالى:?ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا?[الكهف:28]، نزلت فيمن ترفع عن مجالستهم.
فرع: وليس منه الأنفة عن الدخول في مهنة يسترذل صاحبها في جهتها كالحياكة، ونحوها في بعض النواحي لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه)) ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها)) ولا التحشم عن دخول الأسواق، وخدمة نفسه وأهل بيته [إن لم] يجد من يخدمه ويخشى من فعلها استخفاف الجهال به سيما حيث في حط مرتبته مفسدة في أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر فان وجد من نفسه ترك ذلك تكبرا، لا لهذه المصلحة، بل استعظاما لزمه، كبيع النفس وإهانتها بفعلها، وكذلك ما لو خشي أن يقتدي به جاهل في الترفع عن ذلك لا لمصلحة بل استعظاما، لم يحسن تركها.
Shafi 26