باب الغرابة وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى الموضوعة هي له من حيث إنه لم يؤنس استعمال العرب لها، ولو أنس استعمالهم لها لكانت ظاهرة المعنى، ولو لم يؤنس عند العلماء أو عند المولدين، وتسمى التي هي غير ظاهرة المعنى أيضا وحشية لأنها لم يؤنس استعمال العرب لها أشبهت الحيوان الذي هو وحشي، وإذا كانت كذلك لزمها اسم << الغريبة >> و<< الوحشية>> ولو كثر استعمال العرب أو المولدين لها أو العامة، وخرج المتشابه في القرآن والمشكل والمجمل، لأن معانيها لم تعلم لعدم الدلالة عليها، وإنما يعلم المجمل في تفصيله.
والغرابة تتفاوت بالنسبة إلى قوم، فالمراد بالغرابة المخلة بالفصاحة: أن يكون اللفظ غريبا بالنظر إلى الفصحاء كلهم لا إلى العرب كلهم، فإنه لا يتصور، إذ لا أقل من تعارفه عند قوم يتكلمون به؛ فالغرابة أعم مما يخل بالفصاحة، فثبتت فصاحة غريب القرآن والحديث، وبها تقرر علم أن قوله تعالى { إن هذان لساحران } (¬1) فصيح لأنه مأنوس الاستعمال عند قوم من فصحاء العرب، وعدم ظهور المعنى المخل بالفصاحة إنما هو بالنظر إلى الأعراب الخلص كلهم من سكان البوادي لا بالنظر إلى البوادي؛ فإذا وصف اللفظ بها في مقام المدح فإنما هو اعتبار المولدين، وأما باعتبار بعض الأعراب الخلص من أهل البادية فلا قدح ولا مدح. ثم الغرابة قسمان:
أحدهما أن يكون اللفظ قليل الاستعمال فيخفى معناه، فيبحث عنه في كتب اللغة أو في دواوين الأشعار أو نحو ذلك، أو تسأل عنه حفاظ اللغة، فيوجد أن لفظ كذا وضع لمعنى كذا، ولم يكن خفاؤه لتصرف فيه بل لقلة استعماله.
Shafi 17