106

وذكر في (الأحكام) (1) غسل الوجه، فقال(2): (يغسله غسلا، ولا يمسحه مسحا)، ففصل بينهما، ولا فصل يعقل سوى ما ذكرنا، سيما(3) مع قوله بتعميم مسح الرأس، ثم قال: (ولا يجزيه حتى يحمل الماء في كفيه، فيغسل به وجهه)، فدل ذلك أيضا على ما قلناه.

وقال في (المنتخب) (4) في مسح الرأس: (يأخذ الماء بيديه، ثم يريقه من كفيه ويمسح بهما)، فدل على أن المسح دون الغسل، والذي يدل على ذلك أن الله سبحانه فصل بين الغسل والمسح، فقال عز وجل: {اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم}، ولا فصل بينهما غير ما ذكرنا.

فإن قيل: ما أنكرتم أن الغسل يكون باستيعاب العضو، والمسح دونه، فيكون ذلك هو الفصل؟

قيل له: ذلك فاسد؛ لأن بعض العضو قد يغسل فيكون مغسولا، وجميع العضو قد يمسح فيكون ممسوحا، وذلك غير ممتنع في اللغة، على أنا قد دللنا فيما تقدم أن الرأس يجب استيعابه بالمسح، وأيضا فإمساس الماء العضو، لا يقال فيه إنه غسل، وذلك ظاهر في اللغة، وإذا ثبت ذلك، وثبت أن الله تعالى قد أمر بغسل الوجه، فالماسح له لا يكون غاسلا، فهو غير ممتثل للأمر.

وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر، وأنقوا البشر ))، والإنقاء لا يكون بالإقتصار على إمساس الماء/52/.

فإن قيل: فقد قال: (( بلوا الشعر ))، فالتبليل(5) دون ما تذهبون إليه؟

قيل له: إذا وجب غسل البشرة على ما نذهب إليه، فلا أحد فصل بين الشعر والبشرة في ذلك، والإنقاء لا يمنع التبليل، والاقتصار عليه يمنع الإنقاء.

فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه اغتسل فبقيت في جسده لمعة، فأخذ شعره ومسح اللمعة ببلته؟

Shafi 106