وبينما باسانيو في نشوة أفراحه لخروج الاقتراع على ما يهواه، ولظفره بفتاة أحلامه إذا به يعلم أن خسرانا كبيرا قد حل بعروض أنطونيو وأن سفنه قد تعرضت لثورة البحار، وأنه أصبح بذلك عاجزا عن الوفاء بدين اليهودي في أجله. وأن اليهودي قد أمعن في المطالبة بتنفيذ حرفية الصك - أي اقتطاع رطل من اللحم من جسد أنطونيو - ما دام قد فات أوان أداء الدين.
وترك باسانيو عروسه الجميلة في زحمة الأفراح بالزواج منها، مصمما على أن يخلص حياة صديقه الوفي أنطونيو من يد شيلوك اليهودي الذي لا يرحم، ولو كان في ذلك حتفه هو. لأنه لا ينسى أن أنطونيو استدان المال من اليهودي لأجله هو لا لأجل نفسه.
ولما علمت بروسيا بالأمر كله وطدت عزمها على أن تدافع عن أنطونيو وأن تخلصه من المحنة التي وقع فيها مع شيلوك المصمم على الوفاء بشرط الصك، وهو اقتطاع رطل من لحم أنطونيو الذي لا ينفعه الآن في نظر اليهودي مال مهما طال ...
وتنكرت بورسيا في زى محام من الفتيان وأجادت الدفاع عن أنطونيو الذي لم يعرفها، كما لم يعرفها زوجها باسانيو، لأنها كانت متنكرة. واستطاعت في ذكاء وحسن حيلة أن تحيل شيلوك اليهودي إلى راج ذليل ... فقد استعملت شرط اقتطاع اللحم ضده، مصممة على أن يكون اللحم بلا قطرة من دم، تمشيا مع حرفية النص الذي ينص على أن رطل اللحم بلا دم ... وهكذا كان القانون على شيلوك لا له، واضطرته بورسيا - وهي في ثوب فتى محام - أن يكتب أمام دوق البندقية عهدا على نفسه بأن ينزل عن كل ثروته يوم وفاته لابنته جسيكا التي كانت سرقت قسطا من ذهب أبيها وأثمن جواهره وهربت بها مع عشيقها المسيحي لورنزو وهو واحد من أصدقاء أنطونيو.
ومن عجب أن يعيش لورنزو وجسيكا بنت شيلوك في بيت بورسيا الضخم خلال اشتغال هذه بالدفاع - متنكرة - عن أنطونيو أمام محكمة البندقية وعلى مشهد من الدوق.
وبعد انتهاء المحاكمة إلى المصير الذي صارت إليه بخيبة شيلوك اليهودي وخسرانه وفقدانه ثروته، وصيرورته مدينا ذليلا محروما بعد أن كان دائنا طاغيا متجبرا - بعد هذا تنتهي الرواية بوصول أوثق الأخبار عن نجاة سفن أنطونيو مما قد أشيع عن هلاكها، وتختم المسرحية ختاما سعيدا يجتمع فيه الأزواج باسانيو وبورسيا، ولورنزو وجسيكا، كما يلتقي معهم صديقهم الوفي أنطونيو الذي عادت إليه سفنه وأمواله سليمة صحيحة، كما عادت إلى جسيكا - ابنة شيلوك وزوجة لورنزو - أموال أبيها شيلوك الذي تمثلت في جشعه وحقده وفساد طبعه وقساوة قلبه حفنة من أخلاق قومه ...
منابع هذه الرواية
قصة تاجر البندقية منسوجة من خيوط متنوعة قديمة قدم الطبيعة البشرية، حتى ليؤكد مؤرخو الأدب الإنجليزي أن هيكل الرواية كله ليس لشكسبير فيه إلا فضل الحبكة الفنية. فإن حكاية الاقتراع على الصناديق، وحكاية اقتطاع رطل من اللحم البشري مما يرتد إلى أصول تاريخية قديمة من المحتمل أن تكون شرقية. على أن حكاية الصناديق - كما جاءت في مسرحية تاجر البندقية - موجودة في مجموعة لاتينية من القصص تسمى: “Gesta Romanorum”
جمعت في سنة 1300. وقد ترجمت إلى الإنجليزية وطبعت بوساطة “Wynkiv de Worde” ، وكانت شائعة بين الإنجليز في عصر أليصابات إلى حد أنها طبعت ست مرات بين سني 1577 و1601، أي في شباب الشاعر شكسبير.
أما حكاية اقتطاع رطل من لحم الإنسان فهي موجودة في الأساطير الآرية وفي الأدب الشرقي جملة والمصري القديم خاصة. وقد ظهرت في الأدب الإنجليزي في قصيدة “Cursor Mundi”
Shafi da ba'a sani ba