77

Tajaribin Falsafa

تجارب فلسفية

Nau'ikan

حقا! الشرف جذره الاتضاع، والارتفاع كعبه الضعة. من أجل هذا يدعو الأمراء والملوك (القدامى) أنفسهم باليتامى والعجزة والفقراء. أليس هذا لأنهم يتخذون من الاتضاع جذرا لهم؟ حقا، من يبالغ في الترفع لا يرتفع إلا قليلا. لا تشته أن تبرق كالجوهرة، ولا أن ترن كالحجر الرنان!

وتتوالى الحكم في الثناء على الوداعة واللين والضعف التي تهزم التصلب والخشونة والعنف، وفي تمجيد البساطة والحب والسكينة والإيثار، والحض على تجنب التطرف والتهور، والالتزام بالحد والمقياس الأول والأخير، وهو اتباع الطاو والتجانس معه. فإذا سألناه: وكيف يحكم الحاكم شعبه، ويدبر شئون مملكته؟ وجدناه ينصح ب «عدم الفعل» في تنويعات وأشكال مختلفة؛ فالحاكم الذي يفعل عدم الفعل، ينتظم في بلده كل شيء. إنه يترك الشعب بلا علم ولا شهوة، يفرغ العقول ويملأ البطون، ينتج ولا يتملك، يدبر ولا يسيطر، وإذا فعل عدم الفعل، لم يبق شيء يستعصي على الفعل أو على الحكم.

لكن كيف يحكم بلده ويكسب شعبه عن طريق عدم الفعل؟ كيف يتحقق الإيجاب عن طريق السلب؟ إن رد الحاكم الحكيم بسيط، وهو يقوم من ناحية على نفي ما هو سائد، ومن ناحية أخرى على التمسك بالفضيلة الصوفية:

كلما زاد في المملكة الحظر والتحريم، ازداد الشعب فقرا. كلما زاد عدد الأسلحة الحادة بين الناس، ازداد الاضطراب في بيت الحاكم. كلما ازداد الناس مكرا ودهاء، ازداد الإخلال بالنظام.

كلما ازداد عدد القوانين والتعليمات، ازداد عدد اللصوص وقطاع الطرق. لذلك يتكلم الحكيم قائلا: أنا لا أفعل شيئا، والشعب يتحسن من تلقاء نفسه. أنا أحب السكينة، والشعب يهتدي بنفسه إلى النظام. أنا لا أمارس تجارة، والشعب يصبح من نفسه غنيا.

أنا لا أشتهي شيئا، والشعب يعود من نفسه إلى الفطرة.

ويبلغ أسلوب المفارقة ذروته حين يقرر المعلم الصيني أن الشعب يكون سعيدا وقرير العين عندما يكون الحاكم كسولا وضيق الحيلة، وأنه - أي الشعب - يقع في البؤس ويعلن السخط عندما يكون الحاكم نشيطا وحازما (أي بتعبيرنا الحديث عندما يكون طاغية ومستبدا، يرزح فوق أنفاسه، ويكلفه ما لا يطيق). وهكذا تكتمل النصائح بعدم الفعل في هذه الحكمة الشهيرة: «احكم البلد العظيمة كما لو كنت تقلي (أو تطبخ) سمكة صغيرة.» وحين لا يخشى الشعب قوتك، تكون قد بلغت أقصى قوتك. لا تضيق مساكنهم. لا ترهق عيشهم.

وإذا كان هذا الحاكم الحكيم يترك كل شيء يجري مجراه الطبيعي دون تدخل من جانبه، كأنما هو طيف مجهول يحرك الدمى في صمت وسكون من وراء ستار، فمن الطبيعي أنا يكون محبا للسلام، وألا يدخل حربا إلا لدفع عدوان عن بلده، حتى إذا أتم واجبه وانتصر على عدوه توارى عن الأنظار، كما فعل القائد الطاوي الذي عرفنا قصته. وطبيعي أيضا أن تكون الأسلحة هي أشد ما يكرهه، وأن يتحاشى ما استطاع أن يعيش بالقرب منها؛ لأنها في رأيه أدوات الشر، وليست أدوات الرجل الحكيم أو النبيل. وهو لا يلجأ إليها إلا مضطرا. وإذا انتصر لم يجد في الانتصار جمالا؛ لأن من يجده جميلا، يفرح بقتل غيره من البشر؛ ومن يفرح بقتل غيره من البشر، لا يصح أن يفرض إرادته على المملكة، ولا أن يحتفل بانتصاره إلا كمن يحتفل بجنازة.

مرت «الطاوية» بتطورات مختلفة لا يتسع هذا المجال المحدود للكلام عنها؛

5

Shafi da ba'a sani ba