وقد قال رسول الله ﷺ فيما روينا عنه: "ما قَلَّ وكفى خيرٌ مما كثير وألهى"، فهم - وإن كانوا في هذا الكتاب قليلين في العدد -؛ فإنهم كثيرون بسبب أنهم ذريعة للمَدَد في كل المُدَد.
وقد يقال: إن أعداد الكبار الشم الأنوف ربما عدلت عشراتها بالمئين، ومئوها بالألوف، وأضفت إليهم: أخبار بعض الملوك والشعراء والزهاد، من أعيان الأعيان وأمجاد الأمجاد.
ولما كان الشروع ملزمًا، وإتمام ما شرعت فيه متحتمًا، لم أر بدًا من إلحام ما أسديتُه، وإصماء ما أنميته، فتذكرت من الكلام أوائلَه، وألحقت بكل منه ما شاكَلَه، وما أقدمني على هذا الشأن إلا تخلُّفُ أبناء الزمان، عن إحراز فضيلة السبق في هذا الميدان.
وليس غرضي إلا أداءَ بعض حقهم المفترض، وأبرأ إلى الله من تهمة الغرض، وإني وإن قصرت في مواضع من تراجمهم، فما قصرت وإن طولت في مجال، فما تطولت، وغاية النصفة في هذا المقام هو الاعتراف بقصوره، والإقرار بعدم شعوره؛ فإن المرء ولو بلغ جهده، فالإحاطةُ بهذا الشان وتراجم أهله لله وحده.
ولا أعتقد أني وفيتُ بالمقصود، أو أتيت بالمراد على الوجه الموعود، بل كل ما آمل من هذا الصنيع هو نيل ثواب في المبدأ ونجاة في اليوم المشهود.
فقد ذكر غير واحد من العلماء؛ كابن فهد المكي وغيره، أن الاشتغال بنشر أخبار الأخيار، من أهل العلم والآثار، من علامات سعادة الدنيا وسيادة الآخرة؛ إذ هم شهود الله في أرضه، ولهم المراتب الفاخرة.
والذين ذكرتهم في هذا المختصر - إنما هم بالنسبة إلى من تركتُ ذكرهم من الحفاظ العالمين بالكتاب والسنة، العاملين بهما من بين الأمة، كحركات العوامل، أو عدد الأنامل.
فهاك - أيها المتفضل عليّ - كتابًا لطيفًا يحاكي في حسنه وجماله غصنَ البان، وفنن الجِنان، ويرد ورودَ ماء عذب بارد فراتٍ على الظمآن، ودونك أيها
1 / 8