ولا أدري إن كان قد ظهر على وجهي ما شقيت به من ذلك الحديث أم لم يظهر، فجعت فجيعة كبرى. ليس الأمر غريبا علي. ولكنني شأن الناس أرى الشيء وهو بعيد ولا أتوقع أن يلاقيني أنا في طريقي. ماذا أنا قائل لابني الآن؟ أأقول اقبل أن تكون راشيا؟ هذه هي المثل العليا التي يريد أب مثلي أن يرسيها في نفس ابنه. وماذا سيكون أمري أمام ابني وهو يرفض لنفسه أن يكون راشيا وأنا أقبل له هذا؟ أم أقول له ارفض وهو يريد أن يخوض الحياة وقد بدأ خوضها فعلا بتلك العجول التي يربيها؟ وكيف يستطيع خوضها وهو بكل هذه الطهارة؟ ويل لمصر مما مر بمصر!
قد يصلح الطريق فيها للسيارة، ولكن ما أظن أنه سيصلح للمثل العليا، وقد لا تنقطع فيها الكهرباء ولكن نور الشرف سيتأخر عن الإنارة، وقد يتحدث التليفون ولكن شقة عمي ما زالت تعمل، وما زال التليفون يستعمل في إقامة لياليها.
قلت لحلمي في حسم: حلمي ما دمت قد دخلت إلى الحياة فينبغي أن تقرر طريقك فيها وحدك. انظر أنت ماذا تريد أنت أن تفعل وافعله.
قال الفتى في حسم: بابا، أنا لن أدفع مليما واحدا، وليكن بعد ذلك ما يكون.
قلت في نفسي: لهفي عليك يا بني، لقد اخترت طريقك لا شك في ذلك، فاللهم يا رب العالمين يا حق يا عدل يا سبحانك ثبته على هذا الطريق وإن لقي فيه ما لقي الحسين بن علي.
وقررت أن أقيم في مصر، وهنا بجانب ابني، فإنه في هذا الطريق سيحتاجني لأكون له نسمة هواء في هجيره، ونفحة دفء في جليده. أنا هنا.
الفصل الحادي والعشرون
قال لي عدلي: ماذا أصنع الآن؟ إن عمي حفني يرسل إلي كثيرا من الزبائن وكلهم أصدقاؤه، وكلهم من ذوي الصداقات ذات النفوذ. وأنا لا أحب صداقاته هذه، ولا أعرف ما تخفي، ولا أدري أقبل أم أرفض.
وأسقط في يدي، فإن كان هو يدري ما وراء هذه الصداقات أو كان لا يريد أن يدريها فأنا أدريها كل الدراية، فإن قلت له اقبل خنت نفسي وخنته، وإن قلت له ارفض أقفلت من دونه بابا واسعا من أبواب الرزق. وليس الرزق له وحده، فربما كان في وفرة تغنيه عن المال وتغنيني عن الحيرة، ولكن الرزق أيضا للشباب الكثيرين الذين يعملون معه والذين يريدون أن يتعرفوا على هؤلاء الناس ويشقوا طريقهم في الحياة كما شقه أستاذهم عدلي. ولم أجد شيئا أقوله إلا أن سألته: ألم تخبرني عن موقفك من مرجان حين أراد لمكتب الدكتور فكري أن يكون مسئولا عن حساباته؟ - أما زلت تذكر؟ - وأنت أيضا يجب أن تذكر. - فهمت ما تعني. - فلا حيرة إذن. - فيما يختص بالزبائن لم تعد هناك حيرة. - إذن؟ - حيرتي لن تنتهي ولن تنتهي.
وعرفت ما كان يقصده تماما، ولكنني أيضا كنت سعيدا بتخلصي من الإجابة على سؤاله، ولم أشأ أن أوقع نفسي في حيرة جديدة معه. •••
Shafi da ba'a sani ba