الفصل الثامن
نهر واحد أخير للأردن
يزعق رجل من فوق منصة صغيرة مصنوعة من صندوق للصابون في الجادة الثانية وشارع هيوستن أمام مقهى كوزموبوليتان: «... هؤلاء الناس يا سادة ... عبيد للأجور كما كنت ... قابضون على أنفاسكم ... إنهم يأخذون الطعام من أفواهكم. أين كل الفتيات الجميلات اللواتي اعتدت رؤيتهن يمشين ذهابا وإيابا في الشارع العريض المشجر؟ ابحثوا عنهن في الملاهي الليلية بشمال البلاد ... إنهم يستنزفوننا يا أصدقاء ... هؤلاء العمال التابعون، العبيد كما ينبغي أن أقول عنهم ... إنهم يأخذون عملنا ومثلنا ونساءنا ... إنهم يبنون فنادق بلازا، ونوادي المليونيرات، ومسارحهم التي تكلف الملايين وبوارجهم، فماذا يتركون لنا؟ ... يتركون لنا هوس الشراء، والكساح، والكثير من الشوارع المتسخة المليئة بصناديق القمامة ... تبدون شاحبين أيها الرفاق ... أنتم بحاجة إلى الدماء ... لم لا تسري الدماء في عروقك؟ ... قديما في روسيا كان الفقراء ... لم يكونوا بهذا الفقر مثلنا ... كانوا يعتقدون في وجود مصاصي الدماء، وهي أشياء تأتي لتمتص دمك في الليل ... هذه هي الرأسمالية، مصاص دماء يمتص دماءكم ... في النهار ... و... الليل.»
بدأت الثلوج في التساقط. رقائقها ذهبية أمام مصباح الشارع. وعبر الزجاج المسطح، يمتلئ مقهى كوزموبوليتان بصدوع من الدخان الشبيهة بالعقيق الأزرق والأخضر كحوض سمك موحل، حيث تستدير الوجوه زهراء حول الطاولات كأسماك غير متناسقة. تبدأ المظلات في الظهور في مجموعات في الشارع المكسو بالثلوج. يرفع الخطيب ياقته ويمشي بسرعة شرقا على طول هيوستن، ممسكا بعلبة الصابون الموحلة بعيدا عن بنطاله.
تتمايل الوجوه، والقبعات، والأيدي، والصحف في عربة مترو الأنفاق الصاخبة العطنة كرائحة الذرة في مقلاتها الشبكية. مر قطار وسط المدينة السريع مدويا بضوئه الأصفر، حيث تتداخل النافذة في الأخرى حتى تصبح كحراشف.
قال ساندبورن لجورج بالدوين الذي كان معلقا يده بحزام بجانبه: «انظر يا جورج، يمكنك أن ترى تقلص أطوال لورينتز.» «بل سأرى ما بداخل صالة استقبال حانوتي إن لم أخرج من مترو الأنفاق هذا سريعا.»
من الجيد أن يتفوق حكم الأثرياء بين الحين والآخر كي نرى كيف يتحرك النصف الآخر من الناس ... ربما سيجعلك ذلك تحفز بعض زملائك الصغار في تنظيم تاماني هول السياسي للتوقف عن التنازع وإعطائنا نحن عبيد الأجور بعض وسائل النقل اللائقة ... يا إلهي، يمكنني أن أقول لهم شيئا أو اثنين ... أفكر في إقامة سلسلة من منصات متحركة لا نهائية في الجادة الخامسة.» «هل دبرت ذلك الأمر عندما كنت في المستشفى يا فيل؟» «لقد دبرت الكثير من الأشياء أثناء وجودي في المستشفى.» «اسمع، لنخرج في محطة جراند سنترال ونمش. لا أستطيع تحمل هذا ... لست معتادا عليه.» «بالتأكيد ... سأتصل بإلسي وأقول لها إنني سأتأخر قليلا عن موعد طعام العشاء ... فأنا لا أراك كثيرا هذه الأيام يا جورج ... مرحى، إن الأمر كالأيام الخوالي.»
في كومة متشابكة من الرجال والنساء، والأذرع، والسيقان، والقبعات المائلة فوق الأعناق المتعرقة، دفعا من فوق الرصيف. فسارا هادئين في جادة ليكسينجتون في ضوء الشفق ذي الضباب الأرجواني كنبيذ الكلاريت. «ولكن يا فيل كيف حدث أن وقفت أمام شاحنة هكذا؟» «صدقا يا جورج لا أعرف ... آخر ما أتذكره هو أنني مددت عنقي لأنظر إلى فتاة رائعة الجمال ركبت سيارة أجرة وبعدها كنت أشرب الماء المثلج من إبريق الشاي في المستشفى.» «عار عليك يا فيل في عمرك هذا.» «يا إلهي، ألا أعرف ذلك؟ ولكني لست الوحيد الذي يفعل ذلك.» «من الغريب أن يصدر منك شيء كهذا ... عجبا، ماذا سمعت عني؟» «يا إلهي يا جورج لا تتوتر، كل شيء على ما يرام ... لقد رأيتها في عرض «فتاة الزينية»... إنها رائعة. تلك الفتاة الأخرى التي هي نجمة العرض ليست بالجيدة.» «اسمع يا فيل، إذا سمعت أي شائعات عن الآنسة أوجليثورب فلتخرسهم بحق السماء. إنه من السخيف للغاية ألا يمكنك الخروج لتناول الشاي مع امرأة دون أن يشرع الجميع في ثرثرتهم القذرة في جميع أنحاء البلدة؟ ... وربي لن تكون لدي فضيحة، لا يهمني ما يحدث.» «اسمع ، اكبح جماح نفسك يا جورج.» «أنا في موقع حساس للغاية في وسط المدينة في هذه الفترة تحديدا، هذا كل ما في الأمر ... ثم إنني وسيسلي قد توصلنا أخيرا إلى تسوية مؤقتة ... لن أفسدها.»
واصلا السير في صمت.
سار ساندبورن وقبعته في يده. غلب على شعره البياض لكن حاجبيه كانا لا يزالان داكنين وكثيفين. كل بضع خطوات كان يغير من طول خطوته وكأنما كان السير يؤلمه. تنحنح. «كنت تسألني يا جورج عما إذا كنت قد دبرت أي مخططات عندما كنت في المستشفى ... هل تتذكر أن الهرم سبيكير كان قبل سنوات قد اعتاد التحدث عن بلاط من الزجاج مصقول فائق؟ حسنا، لقد كنت أعمل على الصيغة التي وضعها بالخارج في هوليس ... كان لصديق لي هناك فرن درجة حرارته 2000 حيث كان يصنع الفخار. ظننت أنه يمكن استخدامه لأغراض تجارية ... يا إلهي، سيحدث ثورة في الصناعة بأكملها. فبدمجه مع الأسمنت سيزيد بشكل كبير من مرونة المواد التي يستخدمها المهندسون المعماريون. يمكننا صناعة البلاط بأي لون، أو حجم، أو شكل ... تخيل هذه المدينة عندما تصبح جميع المباني مزينة بألوان زاهية بدلا من ذلك اللون الرمادي القذر. تخيل نطاقات قرمزية حول ناطحات السحاب المعمدة. سيحدث البلاط الملون ثورة في جميع نواحي الحياة في المدينة ... بدلا من الرجوع إلى التصميمات التقليدية، أو القوطية، أو الرومانسكية؛ يمكننا تطوير تصميمات جديدة، وألوان جديدة، وأشكال جديدة. إن كانت ثمة مسحة من لون في المدينة، فستنهار كل تلك الحياة التي تسكنها المشقة ... سيزيد الحب ويقل الطلاق ...»
Shafi da ba'a sani ba