244

Tahrir da Tanwir

التحرير والتنوير

Mai Buga Littafi

الدار التونسية للنشر

Inda aka buga

تونس

وَالْفَلَاحُ: الْفَوْزُ وَصَلَاحُ الْحَالِ، فَيَكُونُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي اصْطِلَاحِ الدِّينِ الْفَوْزُ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَفْلَحَ أَيْ صَارَ ذَا فَلَاحٍ، وَإِنَّمَا اشْتُقَّ مِنْهُ الْفِعْلُ بِوَاسِطَةِ الْهَمْزَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الصَّيْرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ حَدَثًا قَائِمًا
بِالذَّاتِ بَلْ هُوَ جِنْسٌ تَحُفُّ أَفْرَادُهُ بِمَنْ قُدِّرَتْ لَهُ، قَالَ فِي «الْكَشَّافِ»: انْظُرْ كَيْفَ كَرَّرَ اللَّهُ ﷿ التَّنْبِيهَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمُتَّقِينَ بِنَيْلِ مَا لَا يَنَالُهُ أَحَدٌ عَلَى طُرُقٍ شَتَّى وَهِيَ ذِكْرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَتَكْرِيرُهُ وَتَعْرِيفُ الْمُفْلِحِينَ، وَتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُولئِكَ لِيُبَصِّرَكَ مَرَاتِبَهُمْ وَيُرَغِّبَكَ فِي طَلَبِ مَا طَلَبُوا وَيُنَشِّطَكَ لِتَقْدِيمِ مَا قدمُوا.
[٦]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢): آيَة ٦]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٦)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ.
هَذَا انْتِقَالٌ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الْكِتَابِ وَمُتَقَلِّدِيهِ وَوَصْفِ هَدْيِهِ وَأَثَرِ ذَلِكَ الْهَدْيِ فِي الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمُ الرَّاجِعِ إِلَى الثَّنَاءِ عَلَى الْكِتَابِ لَمَّا كَانَ الثَّنَاءُ إِنَّمَا يَظْهَرُ إِذَا تَحَقَّقَتْ آثَارُ الصِّفَةِ الَّتِي اسْتُحِقَّ بِهَا الثَّنَاءُ، وَلَمَّا كَانَ الشَّيْءُ قَدْ يُقَدَّرُ بِضِدِّهِ انْتَقَلَ إِلَى الْكَلَامِ عَلَى الَّذِينَ لَا يَحْصُلُ لَهُمُ الِاهْتِدَاءُ بِهَذَا الْكِتَابِ، وَسَجَّلَ أَنَّ حِرْمَانَهُمْ مِنَ الِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ خُبْثِ أَنْفُسِهِمْ إِذْ نَبَوْا بِهَا عَنْ ذَلِكَ، فَمَا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ فِي عَاقِبَةِ أُمُورِهِمْ وَيَحْذَرُونَ مِنْ سُوءِ الْعَوَاقِبِ فَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ، وَكَانَ سَوَاءً عِنْدَهُمُ الْإِنْذَارُ وَعَدَمُهُ فَلَمْ يَتَلَقَّوُا الْإِنْذَارَ بِالتَّأَمُّلِ بَلْ كَانَ سَوَاءً وَالْعَدَمُ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ قَرَنَتِ الْآيَاتُ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا أَضْمَرَ الْكُفْرَ وَأَعْلَنَهُ وَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَمَا هُوَ غَالِبُ اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ فِي لَفْظِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَفَرِيقًا أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَهُوَ مُخَادِعٌ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا [الْبَقَرَة: ٨] . وَإِنَّمَا قُطِعَتْ هَاتِهِ الْجُمْلَةُ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ بَيْنَهُمَا كَمَالَ الِانْقِطَاعِ إِذِ الْجُمَلُ السَّابِقَةُ لِذِكْرِ الْهُدَى وَالْمُهْتَدِينَ، وَهَذِهِ لِذِكْرِ الضَّالِّينَ فَبَيْنَهُمَا الِانْقِطَاعُ لِأَجْلِ التَّضَادِّ، وَيُعْلَمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قِسْمٌ مُضَادٌّ لِلْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهُ مِنْ سِيَاقِ الْمُقَابَلَةِ.
وَتَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ إِمَّا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَغَرَابَتِهِ دُونَ رَدِّ الْإِنْكَارِ أَوِ الشَّكِّ لِأَن الْخطاب للنبيء ﷺ وَلِلْأُمَّةِ وَهُوَ خِطَابُ أُنُفٍ بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ شَكٌّ فِي وُقُوعِهِ، وَمَجِيءُ (إِنَّ) لِلِاهْتِمَامِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. وَقَدْ تَكُونُ (إِنَّ) هُنَا لِرَدِّ الشَّكِّ تَخْرِيجًا لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ حِرْصَ النَّبِيءِ ﷺ عَلَى هِدَايَةِ الْكَافِرِينَ تَجْعَلُهُ لَا يَقْطَعُ الرَّجَاءَ

1 / 247