بسورة من مثله " كما يقول الرجل لمن يجحده: ما يستحق علي درهمًا ولا دانقًا ولا حبة، ولا كثيرًا ولا قليلًا، ولو قال: ما يستحق علي شيئًا، لأغنى في الظاهر عن ذلك، لكن التفصيل والتنزل دل على الاحتياط وعلى شدة الاستبصار في الإنكار.
ومن إيغال الكتاب العزيز أيضًا قوله تعالى: " اتبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون "، فإن المعنى تم بقوله سبحانه: " من لا يسألكم أجرًا " ثم أراد الفاصلة لمناسبة رءوس الآى، فأوغل بها كما ترى، حيث أتى بها تفيد معنى زائدًا على معنى الكلام، وجاء في الكلام إيغال حسن بعد تتميم ولقد أحسن ابن المعتز في قوله لابن طباطبا العلوي متقارب:
فأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم
فإنه أعطى بني عمه حقهم من الشرف، واعترف لهم من فضل الأبوين بما اعترف، ثم فطن إلى أنه إن اقتصر على ذلك فضلهم على بنته، فتحيل على المساواة، إذ لا طريق له إلى التفضيل بأن قال:
ونحن بنو عمه المسلم
فجعل هذا الفضيلة قبالة تلك، وهذا القسم من الإيغال يحسن أن يسمى إيغال التخيير، فإنه تخير من القوافي التي تفيد الإيغال قافية يكون ما تفيده موفيًا بمقصوده من غير معارضة، فإنه لو قال: " بنو عمه الأفضل " لكونه مسلمًا لعورض بحمزة ﵁، وهو إيغال الاحتياط، لكونه تتميمًا للمعنى؛ وقد ذهب بعض النقاد إلى أنه بهذا الإيغال أراد الاستدلال