وبالجملة فالصدق من أعلى مقامات المقربين، لأن فيه الانقطاع عن الخلق والانفراد بالخالق.
ولذلك قال بشر بن الحارث: من عامل الله تعالى بالصدق استوحش (١) من الناس (٢).
وقال يوسف بن أسباط: لأن أبيت ليلة واحدة أعامل الله تعالى بالصدق أحب إلي من أن أضرب بسيفي في سبيل الله. (٣)
وهذا ينظر (ق.٧.ب) إلى قول أبي الدرداء: ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم. الحديث.
وفيه: وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال: ذكر الله.
وروى ذلك مرفوعا عن النبي ﵇ (٤).
_________
(١) كذا في النسخة (أ)، وفي النسخة (ب): واستوحش.
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٨/ ٣٤٧).
(٣) هذه المقابلة فيها نظر عندي، وأي تعارض بين الصدق والجهاد، بل من جاهد في سبيل الله صادقا من قلبه فذلك من أعلى مقامات معاملة الله بالصدق.
(٤) رواه الترمذي (٣٣٧٧) وابن ماجه (٣٧٩٠) وأحمد (٥/ ١٩٥) والحاكم (١٨٢٥) والبيهقي في الشعب (١/ ٣٩٤) كلهم من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد عن أبي بحرية عن أبي الدرداء.
ورجاله ثقات، وعبد الله بن سعيد الأكثر على توثيقه، وتكلم فيه أبو حاتم ويحيى القطان وهما متشددان.
لكن رواه أحمد (٥/ ١٩٥ - ٦/ ٤٤٧) من طريق موسى بن عقبة عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن أبي الدرداء.
فأسقط أبا بحرية. ... =
= والقلب أميل إلى ترجيح موسى بن عقبة. ويبعد سماع زياد من أبي الدرداء.
ورواه مالك (٤٩٠) عن زياد بن أبي زياد أنه قال قال أبو الدرداء. فوقفه.
ورواه أحمد (٥/ ٢٣٩) من طريق عبد العزيز يعنى ابن أبي سلمة عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة أنه بلغه عن معاذ بن جبل أنه قال قال رسول الله ﷺ. وفي سنده مبهم.
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع (٢٦٢٩) والحاكم في مستدركه.
وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (٢/ ٢٥٤).
وذكره الدارقطني في العلل (٦/ ٢١٥)، وحكى فيه الخلاف وسكت.
والذي أراه، والله أعلم، أن زياد بن أبي زياد كان يضطرب فيه كما تقدم، وهو متكلم فيه، مع مافيه من النكارة الظاهرة.
1 / 50