وإنما كان الصدق كذلك لأنه أصل لسائر أعمال البر، وأعني بذلك: الصدق على الإطلاق، وليس هو مقصورا على صدق اللسان في باب الأخبار، بل ينقسم إلى صدق في الأقوال، وصدق في الأفعال، وصدق في الأحوال.
فأما الصدق في الأقوال فيقدر عليه أكثر المسلمين في مخاطبتهم ومحاورتهم فيما بينهم، وذلك سهل على من لم يتعود الكذب، وإنما الشأن في صدق الأقوال مع الله ﷿، فإن ذلك لا يقدر عليه إلا أفراد (١) من المؤمنين ممن امتحن الله قلوبهم للتقوى، فيجعلون أعمالهم موافقة لأقوالهم.
ومثال ذلك ما قاله بعض العلماء في من كان عبدا حقا لله تعالى، بأن ترك ماعداه وأقبل بكليته عليه أنه إذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] صدق هذا القول منه يوم القيامة، ومن كان عبدا لهواه أو لدنياه لم يصدق في حقه قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥].
ولذلك قال ﷺ: «تعس عبد الدينار وعبد الدرهم» (٢) فجعله عبدا لهما، إذ (٣) كان مشغوفا بهما وحريصا على جمعهما.
وأما الصدق في الأفعال فمثاله الوفاء بالعهد والوقوف عند الوعد، فقد أثنى الله تعالى على إسماعيل نبيه ﵇ بأنه كان صادق الوعد.
_________
(١) كذا في النسخة (أ)، وفي النسخة (ب): الأفراد.
(٢) رواه البخاري (٢٧٣٠ - ٦٠٧١) وغيره عن أبي هريرة.
(٣) كذا في النسخة (أ)، وفي النسخة (ب): إذا.
1 / 47