وإذا كان كذلك، لم يجز لأحد أن يعاملهم /190أ/ إلا بشريعة الله التي تشرع معاملة مثلهم بها، ولا يجوز أن يأمر (¬1) أحد أحدا منهم إلا بما يجوز أن يؤمر به الإنسي، ولا يستعان به إلا فيما يستعان به الإنسي، ولا يعاقب إلا كما يعاقب الإنسي. وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الاستنجاء بالعظم والروث؛ لأنهما طعامهم وطعام دوابهم (¬2)، فنهى عن الاستنجاء لما في ذلك من إفساد طعامهم وعلف دوابهم، فكان ذلك دليلا على أنه لا يجوز العدوان عليهم بما هو أكثر من ذلك، وإن كان في ذلك منفعة للعبد، كما له في الاستنجاء منفعة إزالة النجاسة عنه. ولايجوز لأحد تسخيرهم بغير حق، كما لا يجوز تسخير الإنس بغير حق.
ولهذا يوجد عامة هؤلاء المعزمين فيهم من الذلة وسواد الوجه وقسوة القلب وضعف الإيمان والظلم؛ على ما يأتونه من الكذب والشرك، ويحصل لهم من الضرر في أنفسهم وأولادهم وأهلهم من الجن بحسب ما يعادون به الجن. فإنهم تارة لا يتقون الله في الجن بل يظلمونهم بحسب الإمكان فيتسلطون عليهم لظلمهم، وتارة يكونون (¬3) عاجزين عن مدافعة الجن فتؤذيهم الجن ظلما وعدوانا، وفيهم من يدخل الجني فيه بعد أن يفارق الجني للمصروع.
Shafi 36