ورأيت ما أتى به" مقنعا" (¬1) أغنى عن الزيادة فيه، ويكتفي به عن الاطالة والاسباب، وبالله التوفيق للصواب. وأما ما أورده من متن الحديث واختلاف الرواية فيه وتنازع الناس في تأويله، وتعلق كل فريق منهم بصيغة لفظه، فلقد أجاد فيما أبدى وأعاد، وما ذلك من مثله بمستغرب. والذي أقول: _ وبالله التوفيق_ أن هذا الحديث قد خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، إلا أن فيما خرجه البخاري في الاصلاح بين الناس: "فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (¬2) وظاهره أنه كتب (¬3)، /ص124/ وفيما خرجه البخاري في عمرة القضاء: " فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب وليس يحسن"أن" (¬4) يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقوله: وليس يحسن أن يكتب، فيه دلالة أنه أجرى الله يده من غير تعليم ولا علم (¬1) لما كتبه. وفيما خرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه في حديث الصلح من طريق البراء، قد ذكر القضية وقال: فأمر عليا أن يمحوها فقال علي: والله لا أمحوها ، فقال له_ عليه السلام_: أرني مكانها فمحاها وكتب ابن عبد الله (¬2) فهذا لفظ فيه اشكال. ومحتمل التنزيل بقوله: " أرني مكانها"، ولو علم_ صلى الله عليه وسلم_ ذلك، لم يسأل أن يريه اياها، إلا أن قوله"وكتب"، ظاهره أنه كتب_ صلى الله عليه وسلم_ بيده. وهذا الحديث وان ورد من طرق صحاح، فإنه من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم المقطوع به. /ص125/ وكونه_ صلى الله عليه وسلم_ لم يكن ممن يخط كتابا بيمينه ولا يتلوه قبل بعثه، معلوم صحته من دين الأمة باضطرار، لنطق الكتاب، وورود الآثار بصحته، وحصول الاجماع عليه. وذلك قبل نبوته وبعد رسالته. ونفي التنازع على ذلك مستمرا إلى حين وفاته، ومقصورا على زمان مخصوص، وهو ما قبل بعثته إلى حين تقررت رسالته. ولا خلاف أن ذلك من أحد فضائله الشاهدة لصحة نبوته، لأن ظهور القرآن على بلاغته ونظمه، وما تضمن من أخبار الأولين وقصصه، ممن لم يخط كتابا ولم يتله قبل بعثته، ولا عرف بصحبته أهل السير ولا شافه الأحبار (¬3)، وأهل العلم. فالخبر آية شاهدة، ودلالة قاهرة.
Shafi 87