[مقدمة المؤلف]
وفي الختام، نسأل المولى الكريم أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفع بها المسلمين والمسلمات، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وكتبه
في 28 شوال 1421ه صلاح محمد أبو الحاج
الموافق 23 كانون الثاني2001م ... ... شارع حيفا/بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
يا رب لك الحمد حمدا يوافي كرمك، ويكافئ نعمتك، كيف لا أحمدك؟ وقد ربيتنا أحسن ترتيب، أشهد أنك لا إله إلا أنت، القريب المجيب، وأصلي وأسلم على حبيبك المصطفى، ورسولك المجتبى، المبعوث للترغيب والترهيب، وعلى آله وصحبه الذين دعوا الخلق إلى الهداية بأعلى التثويب.
أما بعد:
فهذه بضاعة مزجاة للعبد المعتصم بالحبل القوي أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الحنفي، مشتملة على ما يتعلق بالتثويب، مسماة ب:
((التحقيق العجيب في التثويب))
يرجو من فضل مولاه أن يتقبله بفضله العميم، ويجعلها وسيلة لوصوله إلى دار النعيم.
اعلم أن التثويب في اللغة عبارة عن أن يجيء الرجل مستصرخا، فيلوح بثوبه ليرى.
وسمي الدعاء تثويبا لذلك، وكل داع مثوب.
Shafi 8
وقيل: إنما سمي تثويبا، من ثاب يثوب: إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة(1).
ومنه: تسمية: الإقامة تثويبا، كما في رواية البخاري ومسلم من أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب للصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: أذكر كذا، أذكر كذا، ما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)(2).
Shafi 9
والشاهد على أن المراد بالتثويب الإقامة رواية مسلم : ( فإذا سمع الإقامة)(1)، فإن الروايات(2) بعضها يفسر بعضا.
ومنه: تسمية: الصلاة خير من النوم تثويبا، كما ورد في رواية الطحاوي(3) في ((شرح معاني الآثار)): عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن: حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم(4).
Shafi 10
وروى الترمذي من طريق أبي إسرائيل، عن الحكم، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن بلال رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تثوبن في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر)(1).
Shafi 11
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي(1)، وهو(2) لم يسمع عن الحكم ابن عتيبة(3)، وإنما رواه عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن إسحاق(4) وليس بالقوي.
واختلف أهل العلم في تفسير التثويب:
فقال بعضهم: هو أن يقول في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم، وهو قول ابن المبارك(5)، وأحمد.
Shafi 12
وقال إسحاق(6) في التثويب غير هذا: إنه شيء أحدثه الناس بعد رسول الله، إذا أذن المؤذن واستبطأ القوم، قال المؤذن بين الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح.
وهذا الذي قاله إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم.
والذي فسر به أحمد وابن المبارك قول صحيح، ويقال له: التثويب أيضا، وهو الذي اختاره أهل العلم، ورأوه. انتهى كلامه(1).
وروى ابن ماجه عن بلال رضي الله تعالى عنه، قال: أمرني رسول الله أن أثوب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء(2).
وروى الترمذي، والبيهقي(3)، وابن ماجه بسند ضعيف عنه قال: أمرني رسول الله أن لا أثوب إلا في الفجر(4).
Shafi 13
وفي ((البناية))(1): ولم يبين المصنف التثويب القديم.
وفي ((الأصل))(2): إن التثويب في صلاة الفجر بعد الأذان: الصلاة خير من النوم(3) مرتين.
Shafi 14
وفي ((المحيط))(1): (4روي عن أبي حنيفة هكذا(2).(3)
وروي(4) عن أبي حنيفة أن: الصلاة خير من النوم بعد الأذان لا فيه، وهو اختيار أبي بكر محمد بن الفضل البخاري(5).
وفي رواية عن أصحابنا: إنه في الأذان، يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اجعله في أذانك)(6).
Shafi 15
وقال فخر الإسلام البزدوي(1): الصحيح أنه كان بعد الأذان. انتهى(2).
وفي ((الكافي))(3): التثويب القديم: الصلاة خير من النوم، كان بعد الأذان إلا أن علماء الكوفة ألحقوه بالأذان. انتهى.
قلت: كيف يكون الصحيح كونه بعد الأذان مع ورود الأحاديث بخلافه.
فروى النسائي عن أبي محذورة رضي الله تعالى عنه قال:كنت أوذن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وكنت أقول في أذان الفجر: حي على الفلاح،الصلاة خير من النوم،الله أكبر،الله أكبر،لا آله إلا الله(4).
وروى أبو داود عنه في حديث تعليم رسول الله له الأذان قال: (فإن كان في صلاة الصبح، قلت: الصلاة خير من النوم)(5)، أي بعد حي على الفلاح.
Shafi 16
وروى البيهقي، والدارقطني(1)، وابن خزيمة(2) عن ابن سيرين(3)، قال: من السنة أن يقول المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم(4).
Shafi 17
وروى الطبراني(5) في ((معجمه)) عن بلال رضي الله تعالى عنه: إنه أتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما يؤذنه لصلاة الصبح فوجده راقدا، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين، فقال رسول الله: ما أحسن هذا يا بلال! ((اجعله في أذانك))(1).
قال صاحب ((البحر الرائق))(2): يؤخذ من قوله: ما أحسن هذا! أن هذه الزيادة مستحبة. انتهى(3).
وروى الطحاوي(4) عن ابن عمر قال: كان في الأذان الأول بعد حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم(5).
Shafi 18
وقال الطحاوي: فهذا أنس وابن عمر يخبران مما قال المؤذن في صلاة الصبح ، فثبت من ذلك ما(6) ذكرنا من أن الصلاة خير من النوم في الأذان، وهو قول أبي حنيفة، ومحمد، وأبي يوسف(1). انتهى(2).
وروى الحافظ أبو الشيخ(3) في ((كتاب الأذان)) عن ابن عمر قال: جاء بلال إلى رسول الله يؤذنه بالصلاة فوجده قد أغفا، فقال: الصلاة خير من النوم، فقال: (اجعله في أذانك إذا أذنت للصبح)(4).
Shafi 19
وروى ابن ماجه عن سعيد بن المسيب(1) عن بلال: أنه أتى رسول الله يؤذنه لصلاة الفجر فقيل: هو نائم، فقال: الصلاة خير من النوم مرتين، فأقرت في تأذين الفجر(2).
وروى ابن أبي شيبة(3) عن أبي محذورة: إنه أذن لرسول الله ولأبي بكر وعمر فكان يقول في أذانه: الصلاة خير من النوم(4).
Shafi 20
وروى البيهقي(1) في ((المعرفة)) عن الحاكم(2) بسنده إلى الزبيري عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن: أن سعدا كان يؤذن لرسول الله.
قال حفص: فحدثني أهلي أن بلالا أتى رسول الله يؤذن لصلاة الفجر فقالوا: إنه نائم، فنادى بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، فأقرت في أذان الفجر.
قال البيهقي: هذا مرسل حسن، وطريقه صحيح.
Shafi 21
وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد(1) في ((الإمام)): أهل حفص غير مسلمين، فهم مجهولون.
وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله استشار الناس، فذكر البوق فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكر الناقوس فكرهه من أجل النصارى، فأري النداء تلك الليلة رجل من الأنصار، يقال له: عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله فأمر بلالا فأذن به.
قال الزهري(2): وزاد بلال في نداء الصبح الصلاة خير من النوم، فأقرها رسول الله(3).
Shafi 22
وروى نحوه ابن حبان(1)، وغيره(2).
فهذه الأخبار صريحة في أن الصلاة خير من النوم إنما كانت(3) في أذان الفجر، لا بعده وعليه اعتمد جمهور الفقهاء.
لا يقال هذه الروايات تعارضها رواية مالك في ((الموطأ)) قال: بلغني عن عمر أن المؤذن: جاءه يؤذنه بالصلاة فوجده نائما، فقال: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في أذان الصبح(4).
فإن الروايات المذكورة تدل على أن رسول الله هو الذي أدخل هذا التثويب في الأذان.
وهذه الرواية تدل على أنه كان في زمان عمر.
Shafi 23
لأنا نقول: أمر عمر لم يكن ابتداء أمر، بل سنة سمعهما من رسول الله، فكأنه كره استعمال: الصلاة خير من النوم؛ في غير ما شرع، وأنكره على المؤذن، قال: اجعله في أذانك لا غير، كذا قال الطيبي(1).
وأما الجواب بأنه يحتمل أن يكون هذا من ضروب الموافقة، فمردود بأن أمضاه(2)؛ لأن مجيء مؤذن عمر كان في زمان خلافته، وهو ينافي النداء(3)، ولبعد عدم وصوله إليه سابقا.
Shafi 24
والقول بأنه يحتمل أن عمر رضي الله عنه لم يبلغه نص أبي محذورة، فأمر باجتهاده فوافق اجتهاده النص، وبأنه يحتمل أنه كان بلغه فنسيه، فلما سمعه في هذه الحالة تذكر، فأمر به فبعيد للزوم أنه كان متروكا في الزمن النبوي، وبعد مماته وليس كذلك، كذا في ((المرقاة))(1).
فإن اختلج في قلبك أنه كما جازت زيادة الصلاة خير من النوم في أذان الفجر مع عدم وروده في أحاديث هذا الأذان، كذلك تجوز زيادة حي على خير العمل فيه، كما هو معمول عند الروافض(2).
Shafi 25
قال في كتاب ((من لا يحضره الفقيه))(1): روى أبو بكر الحضرمي، وكليب الأسدي عن أبي عبد الله أنه حكى لهما الأذان، فقال:
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله.
حي على الصلاة، حي على الصلاة.
حي على الفلاح، حي على الفلاح.
حي على خير العمل، حي على خير العمل.
الله أكبر الله أكبر.
لا إله إلا الله.
وهذا هو الأذان المروي الصحيح، لا يزاد فيه ولا ينقص، وبعضهم لعنهم الله قد وضعوا أخبارا، وزادوا في الأذان: أشهد أن عليا ولي الله.
ومنهم من روى بدل أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن عليا ولي الله، أمير المؤمنين حقا، وأن محمد وآله خير البرية، ولكن ليس لذلك أصل في الأذان. انتهى كلامه.
فأزحه(2) بأن الصلاة خير من النوم، وإن لم يرد في بدء الأذان، لكنه
ورد من صاحب الشرع في المشاهير؛ فلذلك قلنا باستحبابه، ولا كذلك حي على خير العمل.
Shafi 26
ولذلك قال النووي(1) في ((شرح المهذب(2))): يكره أن يقال في الأذان: حي على خير العمل؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله، والزيادة في الأذان مكروهة عندنا. انتهى(3).
ونقله صاحب(4) ((البحر))، وأقره عليه(5).
فإن قلت: قد روى البيهقي عن عبد الله بن محمد بن عمار، وعمار وعمر ابني سعد بن عمر بن سعد، عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال رضي الله تعالى عنه: أنه كان ينادي بالصبح فيقول: حي على خير العمل، فأمره رسول الله أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم، وترك حي على خير العمل(6).
Shafi 27