Tahqiq Al-Wisal Bayn Al-Qalb Wal-Qur'an
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
Mai Buga Littafi
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
Inda aka buga
القاهرة
Nau'ikan
فالله ﷿ يتأسف عليهم، وعلى المصير الذي آلوا إليه، مع أنهم هم الذين فعلوا ذلك بأنفسهم، وأصروا واستكبروا استكبارًا، إلا أن هذا لم يمنع من أن يتأسف الله -سبحانه - عليهم .. ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾.
نعم - أخي - هذا هو ربك الرحيم الودود الذي لا يرضى لعبد من عباده الضلال والكفر ﴿وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧].
لكنه - سبحانه - كتب على نفسه أن يترك للبشر حرية الاختيار، وأن يعبدوه بإرادتهم، فلا يجبرهم على فعل طاعة، أو ترك معصية، وإلا صاروا مثل بقية المخلوقات، وفي نفس الوقت فإنه سبحانه يريد لهم جميعًا الخير ودخول الجنة لذلك فهو لا يُعَجِّل بعقوبتهم إذا ما عصوه، بل يحلم ويحلم لعلهم يرجعون إليه في يوم من الأيام ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ [فاطر: ٤٥].
ألا يكفيك في تأكيد هذا المعنى أن الله ﷿ يرى الناس تكفر به، وتجعل له ندًا، وولدًا وهو مع ذلك يرزقهم ويعطيهم؟!
قال عبد الله بن قيس: قال رسول الله ﷺ: «ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى، إنهم يجعلون له ندًا، ويجعلون له ولدًا، وهو مع ذلك يرزقهم ويعافيهم ويعطيهم» (١).
وعن شهر بن حوشب ﵁: حملة العرش ثمانية: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك (٢).
الرحمة الواسعة:
في يوم من الأيام شاهد رسول الله ﷺ والصحابة الكرام امرأة تسعى ملهوفة تبحث عن ابنها الذي ضل عنها، فلما وجدته أَخَذته فألزقته بطنها، ثم أرضعته، فقال رسول الله ﷺ لأصحابه بعد رؤيتهم لهذا المشهد المؤثر: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قالوا: لا والله. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (٣).
نعم، الله ﷿ أرحم بعباده من هذه بولدها، ومن كل والد بولده.
أرأيت كيف يتعامل الأب مع أبنائه، وكيف يحبهم ويتعب من أجل راحتهم .. أرأيت كيف يفرح بنجاحهم، ويحزن على إخفاقهم، ولا ينقطع رباط الود والشفقة بينه وبينهم مهما طال الزمن، حتى وإن شرد بعضهم، وانحرف عن جادة الطريق، فإنه لا يتخلى عنه، بل يعمل جاهدًا على إعادته لصوابه مستخدمًا أساليب الترغيب والترهيب. فإن أبي إلا السير في طريق الظلام، فإن الأب - وإن بدا غاضبًا عليه - إلا أن حبل الود لا ينقطع أبدًا، فهو يدعو له، ويتمنى لحظة توبته، وينتظر منه أي بادرة خير يُقبل بها عليه حتى يُبادره بأضعافها.
فإن كان هذا هو حب الأب لأبنائه، فإن حب الله ﷿ لعباده أشد وأشد، ومما يؤكد هذه الحقيقة: فرحه سبحانه بتوبة العاصين والشاردين، بل والكافرين.
تأمل معي قوله ﷺ: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فَأَيِس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أَيِس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح» (٤).
وقال ﷺ: «لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد» (٥).
_________
(١) رواه مسلم (٧٠١٣).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/ ٦٤.
(٣) رواه البخاري (٥٩٩٩)، ومسلم (٦٩١٢).
(٤) رواه مسلم (٦٨٩٥).
(٥) رواه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة.
1 / 15