Tahqeeq al-Kalam fi al-Masail al-Thalath - within 'Athar al-Mu'allimi'
تحقيق الكلام في المسائل الثلاث - ضمن «آثار المعلمي»
Bincike
علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس
Mai Buga Littafi
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٣٤ هـ
Nau'ikan
تحقيق الكلام في المسائل الثلاث
(الاجتهاد والتقليد، السنة والبدعة، العقيدة)
تأليف
عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (١٣٨٦)
تحقيق
علي بن محمد العمران ومحمد عزير شمس
مقدمة 4 / 1
راجع هذا الجزء
عبد الرحمن بن صالح السُديس
سليمان بن عبد الله العُمير
مقدمة 4 / 3
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فبين أيدينا الآن كتاب من أعظم كتب الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله تعالى، حقّق فيه الكلام على مسائل كبرى تتعلق بالعقيدة، والسنة والبدعة، والاجتهاد والتقليد، فدقّق وحقّق، وناقش واستدلّ وتعمّق، وأطال وتوسّع وأغْدَق، وناقش المخالفين وأنصفهم وتحقّق. والعجب أنه ألّف هذا السِّفر النفيس في مقتبل شبابه، وعلى حين غُربة عن وطنه، وبُعدٍ عن كتبه، وعلى جناح سفر!
وقد دلّت تلك المعطيات جميعًا على براعة المؤلف المبكّرة، وامتلاكه لناصية علوم الاجتهاد في تلك السن، ودلت أيضًا على صفاء مشربه، ووضوح طريقته، وانتهاجه نهج السلف الصالحين والعلماء المحققين؛ في قضايا الاعتقاد، ومسالك السنة والبدعة، ومسائل الاجتهاد والتقليد. وهذه المسائل الثلاث هي المسائل الرئيسة التي ناقشها في الكتاب على ما سيأتي مفصلًا.
وقد كان إخراج الكتاب بهذه الصورة عملًا مضنيًا شاقًّا نحتسب أجره وتعبه، وذلك لأمور اكتنفت نسخَه ومخطوطاتِه كما سيأتي شرحه، فالحمد لله على ما يسّر ووفق وأعان.
وقد كان العمل في تحقيقه من أوله إلى ص ١٧١ من نصيب محمد عُزير شمس، ومن ص ١٧٢ إلى ٤٥٤ من نصيب علي بن محمد العمران.
مقدمة 4 / 5
بالإضافة إلى ملاحق خمسة متعلقة بالكتاب اشتركنا فيها.
ولنتحدّث عن الكتاب بما يكشف عن مضمونه ويعرّف به في النقاط الآتية:
- موضوع الكتاب.
- اسم الكتاب.
- تاريخ تأليفه.
- سبب تأليفه.
- عرض مفصّل لموضوعات الكتاب.
- العثور عليه ومعاناة ترتيبه والعمل عليه.
- وصف النسخة الخطية.
- طريقة العمل في الكتاب.
- ترجمة الشيخ أحمد السوركتي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
المحققان
علي بن محمد العمران ومحمد عزير شمس
في ٢٠ من رمضان ١٤٣٣ هـ
مقدمة 4 / 6
- موضوع الكتاب
الكتاب عبارة عن جواب لسؤال سائل عن كتاب (المسائل الثلاث) للشيخ أحمد بن محمد السوركتي، فإن السوركتي ألف رسالة بهذا العنوان ناقش فيها ثلاث قضايا هي: بعض قضايا الاعتقاد، وبعض الأمور البدعية، ومسائل الاجتهاد والتقليد. وكان تأليف السوركتي لهذه الرسالة إبّان اشتداد الخلاف بينه وبين بعض السادة العلويين في إندونيسيا حول قضايا في العقيدة والاجتهاد والتقليد والسنة والبدعة (^١)، فيبدو أن قدوم المؤلف إلى هذا البلد كان في وقت اشتداد الخلاف في هذه القضايا وغيرها بين الفريقين.
فطلب هذا السائل من المؤلف ثلاثة أمور: أن يبدي رأيه في هذه الرسالة إجمالًا، ثم في مؤلفها، ثم يتكلم على مسائلها تفصيلًا. فلبّى الشيخ الأمرين الأولين واعتذر عن الأخير، فألحّ عليه السائل، فاستعان بالله وكتب هذا الكتاب. وسيأتي تفصيل مباحثه في عرض موضوعات الكتاب.
- اسم الكتاب
لم نقف على تسمية للكتاب في أي من الأوراق التي عثرنا عليها مما هو متعلق بهذا الكتاب، ولا في أوراق المؤلف الأخرى التي وقفنا عليها،
_________
(^١) انظر طرفًا منه في كتاب «حضرموت وعدن وإمارات الجنوب الغربي» للبكري، و«تاريخ حركة الإصلاح والإرشاد وشيخ الإرشاديين أحمد محمد السوركتي في إندونيسيا» لأحمد أبو شوك.
مقدمة 4 / 7
وحيث كان موضوع الكتاب كما أسلفنا هو الكلام على رسالة الشيخ أحمد السوركتي (المسائل الثلاث) استوحينا اسمًا من هذه المناسبة، فرأينا أن نطلق عليه اسم «تحقيق الكلام في المسائل الثلاث» كعنوان رئيس، وذكرنا تحته بخط أصغر الموضوعَ الرئيسَ لهذه المسائل إجمالًا؛ فقولنا: (تحقيق الكلام) مناسبته أن المؤلف نحا في كتابه نحو التحقيق والاجتهاد في كل المباحث التي عرض لها، فناسب أن نقول (تحقيق الكلام)، وقولنا: (المسائل الثلاث) لأنه عنوان رسالة السوركتي، ويصلح أيضًا أن ينطلق على المسائل التي حقّقها المؤلفُ هنا وأدارَ الكلام في الكتاب عليها.
- تاريخ تأليفه
أسلفنا أن هذا الكتاب ألفه الشيخ في مقتبل شبابه، فقد ألَّفه سنة ١٣٤٤ هـ في إندونيسيا وهو في الثانية والثلاثين من عمره. يدلّ على ذلك أمران:
١ - ما ذكره المؤلف في المجموع رقم ٤٦٥٧ (ص ٢٢) فقال: «مما يحتاج إلحاقه في رسالة الاجتهاد والتقليد: الأم جزء ١ ص ١٣٢». وتحته فائدة قُيّدت في يوم الخميس جمادى الثانية ٤٤. أي سنة ١٣٤٤ هـ.
٢ - أن الشيخ السوركتي من سكان إندونيسيا ــ كما سيأتي في ترجمته ــ، وطبعت رسالته هناك، وصار بسببها لغط ونقاشات من بعض المتصوفة والمخالفين للسنة، فقُدّمت هذه الرسالة للشيخ المعلمي أثناء مقامه هناك إبان قدومه من اليمن.
وهل رجع المؤلف إلى كتابه بعد هذا التاريخ للإضافة والتنقيح؟
الجواب: أن المعروف من طريقة المؤلف أنه يعتبر كتبَه، وينقّحها
مقدمة 4 / 8
ويضيف إليها، بل يكتب نسخًا عدةً بغرض الوصول لنسخة منقحة، وما عثرنا عليه من أوراق الكتاب تدلّ أنه كتبه مرة واحدة، لكنه كان يكتب بعض المباحث مرتين، وربما أضاف بعض الفوائد أو المراجع التي لم يكن وقف عليها وقت تأليفه للكتاب كإحالته على «فتح الباري» لابن حجر، فإنا نرجّح أنه لم يكن بين يديه وقت تأليف الكتاب؛ لأنه ينقل عنه بواسطة ثم وقف عليه بعد ذلك وألحق الإحالة.
- سبب تأليفه
ذكر المؤلف في صدر كتابه أن مناسبة تأليف الكتاب: أن بعض الإخوان أطْلَعه على كتاب بعنوان «المسائل الثلاث» للشيخ أحمد بن محمد سوركتي، وطلب من الشيخ ثلاثة أمور:
١ - أن ينظر فيه ويقدِّر حيثية مؤلفه؛ لأن كثيرًا من المخالفين له آنذاك كانوا يجهِّلونه ويبدِّعونه. فطالعه الشيخ ووصف مؤلفه بأنه على مكانة من العلم والدين والفهم الصحيح في الكتاب والسنة، لا يُنكِر هذا إلا مَن كان ناظرًا من وراء حجاب الهوى والتقليد.
٢ - وطلب منه السائل أن يبيِّن ما يجب التنبيه عليه في الكتاب المذكور، فذكر ملاحظةً حول رأي المؤلف في علة النهي عن الجلوس على القبور، وعقَّب عليه بما رآه راجحًا في ضوء الأحاديث.
٣ - وطلب منه السائل أيضًا الكلام على تلك المسائل الثلاث، فاعتذر منه، ولمَّا لم يعذره شرع في كتابة ما تيسر مستعينًا بالله ومرجئًا البسط إلى وقت آخر.
مقدمة 4 / 9
- عرض مفصّل لموضوعات الكتاب
حقق الشيخ في هذا الكتاب الكلام على المسائل الثلاث: (الاجتهاد والتقليد، والسنة والبدعة، ومباحث من العقيدة).
* المسألة الأولى: في الاجتهاد والتقليد
بعد الخطبة وبيان مناسبة التأليف قدم له بمقدمة في بيان التكليف وما يتصل به، وذكر في أثنائها أن بقاء التكليف لما كان متوقفًا على بقاء الكتاب والسنة واللسان الذي وردا به، تكفَّل الله ﷾ بذلك. بيَّن المؤلف طريقة حفظ القرآن والسنة واللغة، وأن بحفظها حصل حفظُ الدين، وقامت الحجة على العالمين.
ثم عقد فصلًا لبيان الدليل القطعي والظني، وأن الأحكام أيضًا على قسمين: قطعي وظني، وأحال للتفصيل إلى أصول الفقه، ثم عقد فصلًا لبيان حقيقة الظنّ، وحكم العمل بالدليل الظنّي، وما هو الظنّ الذي ذمّه الله سبحانه في القرآن الكريم، وأجاب عنه بجوابين: إجمالي وتفصيلي، بحيث تناول كل آية، وبيَّن معناها، وذكر الأدلة الموجبة للعمل بالظن بشرطه، ثم عقد فصلًا لبيان أن الله تعالى خلق بني آدم على الفطرة، وركَّب فيهم العقول، وأمدّهم بآلات توصلهم إلى المطلوب منهم من السمع والأبصار والأفئدة وغير ذلك من الحواس الظاهرة والباطنة. ثم أرسل إلى كل قوم رسولًا بلسانهم، وأرسل محمدًا ﷺ إلى الخلق كافة وأنزل عليه الكتاب وأمدَّه مع ذلك بالسنة بيانًا للقرآن وإيضاحًا له، واختار له أصحابًا أمناء حفظ الله بهم كتابه وسنة نبيه. ثم فصَّل القول في طريقة تلقي الصحابة الأحكام عن النبي ﷺ، وكيف كان عوامُّ القرن الأول يستفتون العلماء ويعملون، وكيف كان
مقدمة 4 / 10
حالهم في زمن التابعين وأتباعهم ومن بعدهم.
ثم عقد فصلًا ذكر فيه أنه لما كان معرفة الدليل من الكتاب والسنة متوقفًا على العلم بهما، وجب أحد أمرين: إما أن تكون معرفة ذلك فرض عين على كلِّ مكلَّف، أو تكون فرض كفاية. وعليه فما هو فرضُ القاصر؟ أتقليد أحد المجتهدين أم غيره؟ ومن هنا ينشأ الكلام على المسألة الأولى في هذا الكتاب، وهي الاجتهاد والتقليد.
وطريقة المؤلف فيها ذكر حجج الفريقين غالبًا بقوله: «قال المقلدون» و«قال المانعون»، ليطلع القارئ على ما أدلى به الفريقان، فيتيسر له الحكم بينهما.
بدأ المؤلف كلامه في الاجتهاد والتقليد بذكر أن تحصيل العلم مراتب:
١ - تحصيل علوم اللسان العربي.
٢ - العلم بأصول الفقه.
٣ - العلم بالكتاب والسنة.
وفرض المجتهد هو الاجتهاد في كل ما يعرض له، وفرض من لم يحصّل المرتبة الثالثة سؤال المجتهد، فيتلو عليه المجتهد الآية أو يروي له الحديث، ويُخبره أنه قد اجتهد فلم يجد ما يعارض ذلك، ويفسّر للعامي أو الأعجمي الآية أو الحديث بلغته.
وعقد فصلًا بعنوان «سؤال المجتهد» بيَّن فيه كيف كان العمل في حياة رسول الله ﷺ وفيما بعد من القرون الثلاثة، ثم بدأ الحوار بين المقلدين
مقدمة 4 / 11
والمانعين، يذكر وجهة نظر كل طائفة وأدلتها، وأشار في أثنائه إلى نهي الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وبيَّن أن إفتاءهم للناس على طريقة السلف من إجابة السائل بتلاوة الآية أو رواية الحديث وتفسير ذلك وبيان دلالته.
وذكر أجوبة المانعين عن خمسة أسئلة للمقلدين، وهي:
(١) أأنتم أعلم أم الأئمة الأربعة، فإن قلتم: هم أعلم، فكيف يسوغ لكم مخالفتُهم؟
(٢) أأنتم أعلم أم الأئمة الذين جاءوا بعدهم مقلِّدين لهم؟ فإن قلتم: هم أعلم، فلِمَ لا تقلِّدون كما قلَّدوا؟
(٣) ما تعتقدون في المقلِّدين من علماء وغيرِهم وهم جمهور الأمة، أهم على حقّ أم على ضلالة؟
(٤) ما تعتقدون في مشايخكم الذين أخذتم عنهم العلم ومشايخهم وهلمَّ جرًّا؟
(٥) ما تعتقدون في مؤلفي هذه الكتب التي تأخذون عنها العلم.
وبالرد على هذه الأسئلة بتفصيل من قبل المانعِين تنتهي المسألة الأولى المتعلقة بالاجتهاد والتقليد.
* المسألة الثانية: السنة والبدعة
كتب المؤلف تمهيدًا في نحو عشرين صفحة، ذكر فيه أولًا معنى السنة والبدعة والمحدثة لغةً واصطلاحًا وشرعًا، وقرر أن كل فعل من الأفعال إما أن يكون موافقًا للكتاب والسنة وإما أن يكون مخالفًا. ولا واسطة بينهما. والموافق ما دلَّ على موافقته دليلٌ معتبر منهما، فهو من السنة، والمخالف ما
مقدمة 4 / 12
دلَّ على مخالفته دليلٌ منهما، فإن كان موجودًا من أول الإسلام فهو حرام أو مكروه ولا يُسمَّى بدعة ولا محدثة، وإن لم يكن موجودًا من أول الإسلام بل حدثَ بعد ذلك فهو محدثة بدعة.
وليس المراد بقوله: ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ أن يكون كل شيء بنص خاص، وإنما المراد أنه ما من شيء إلّا وحكم الله فيه مبيَّن في كتابه، إن لم يكن بالمطابقة فبالتضمن أو الالتزام أو المفهوم. ثم ذكر المؤلف أمثلة لذلك في المأمورات والمباحات والوسائل. وتكلم على معنى حديث «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات»، فإن ظاهره إثبات الواسطة. وردّ عليه بأن المشتبهات ما تعارضت فيه دليلا الحل والحرمة، فإنه عند من لم يظهر له الترجيح ــ وهم كثير من الناس ــ مشتبه، فأرشد النبي ﷺ بأن يُعمل فيه ما يقتضي الاحتياط، مع أنه في نفس الأمر إما حلال وإما حرام. فالحديث دليل على عدم الواسطة عند التأمل.
ثم إن الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:
الأول: ما كان فيما يتعلق بمصالح الدنيا مما لا يضر بالدين، فهذا جائز لدخوله تحت عمومات الإباحة، فليس بدعة في الشرع ولا محدثة، لموافقته للشرع.
الثاني: ما كان فيما يتعلق بالأمور الدينية خاصةً، فهذا على قسمين: وسائل ومقاصد. فأما الوسائل فإنه يجوز العمل بما أُحدِث منها بشرط تعذُّر أو تعسُّر الوفاء بمقصدها الديني بوسيلته التي كان العمل عليها في عهده ﷺ. ومن هذا إجماع الصحابة على جمع القرآن في مصحف واحد. وأما المقاصد فالمحدث منه كلُّه بدعة ضلالة، وليس منه صلاة التراويح كما يظن
مقدمة 4 / 13
بعضهم، فإنها من السنة. وقد أطال الكلام في بيان ذلك.
ثم ذكر أن اختراع قواعد اللغة العربية صالح لأن يكون من النوع الأول، فإن الناس محتاجون إلى اللغة في أمور دنياهم، وأن يكون من النوع الثاني، فإن الدين محتاج إلى معرفة اللغة، وعلى هذا فهو من الوسائل.
وفي ضوء ما ذكر شرح معنى الحديث المشهور: «من سنَّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها ...»، وبيَّن أن المراد بالسنة فيه معناها اللغوي، أي من عَمِل في الإسلام عملًا حسنًا يتبعه فيه الناس، كما يدل عليه سبب الحديث. ثم ذكر أمثلةً من المخالف الموجود من أول الإسلام: شرب الخمر ودعوى الجاهلية والنياحة، وبيَّن أن من المخالف المبتدع غلوُّ بعض الفرق بالخوض في آيات الصفات إلى صريح التشبيه، أو تأويل ما ورد في الكتاب والسنة منها، وردَّ على من يرى ضرورة الخوض في علم الكلام لإبطال شبه المبتدعة، ويجعله من القسم الأول من النوع الثاني مثل جمع القرآن ونحوه. وقرَّر أن جميع البلايا التي فرَّقت أهل الإسلام ومزَّقت شملهم ناشئة عن سببين:
أحدهما: الخوض في آيات الصفات وأحاديثها، والرغبة في إدخالها تحت القوانين الفلسفية.
والثاني: إحياء ما أماته الدين من العصبيات القومية.
وقد حرص الشارع على بقاء دين الإسلام دينًا واحدًا لا اختلاف ولا افتراق فيه، ولما كان الاختلاف في الدين قد يكون في الأصول وقد يكون في الفروع، جاء الشرع بمنع الخوض في الأصول، بل ما كان منها ظاهرًا فأمره واضح، وما كان بخلاف ذلك فالواجب الإيمان به فقط دون الخوض
مقدمة 4 / 14
فيه. وقد أورد المؤلف الآيات والأحاديث والآثار الواردة في ذلك، وذكر أن الأشعري رجع عن الخوض فيه إلى مذهب السلف، وكذا غيره من أكابر المتكلمين. ولكن بعدما تمزَّقت الجامعة الإسلامية سلكت كل فرقة مذهبًا، وحصل الاختلاف الذي ورد النهي عنه، والتنازع والفشل الذي حذَّر الله ورسوله منه.
أما الفروع فقد جاء الإسلام فيها بما يمنع الاختلاف، وهو ردُّ ما اختُلف فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله، ولكن البلاء دخل على المسلمين من هذه الجهة أيضًا، بحملهم على تقيُّد كل فرقة منهم بمذهب مخصوص، مع الإعراض عن أدلة الحق ونصوصه من الكتاب والسنة، وآل بهم الأمر إلى العصبية المنهي عنها، فصار كلُّ أحد يتعصب للمذهب الذي ينتمي إليه ويقدح فيما عداه. وهكذا تجزأت العصبية الدينية.
وبعد هذا التمهيد الذي قرَّر فيه معنى السنة والبدعة حدد ستة مباحث تتعلق بمسائل من العقيدة والتوحيد تكلم فيها عن حكم هذه المسائل بالدليل والحجة وما يجوز منها وما لا يجوز، وناقش المخالفين وفنَّد أدلتهم وشبهاتهم.
البحث الأول: البناء على القبور
لم يصلنا من هذا البحث إلا مسوّدته، وهذا ظاهر من خلال سياق المؤلف للأحاديث بأسانيدها ــ على خلاف عادته ــ. وأيضًا نقص المادة العلمية في البحث، فأكثر البحث في سرد الروايات وتلخيصها. وقد تكلم المؤلف على هذه المسألة في مؤلَّف مفرد حافل سماه «عمارة القبور في الإسلام» وهو مطبوع ضمن هذه الموسوعة، فليراجع.
مقدمة 4 / 15
البحث الثاني: اتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور
كتب المؤلف صدر هذا البحث عدة مرات رجّحنا أن ما أثبتناه هو أكملها وآخرها.
فذكر أولًا حجة من يجيز البناء من القرآن وهو استدلالهم بقوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١]، ثم أجاب عن هذا الاستدلال من أوجه عديدة سواء على المنع من التسليم بالاستدلال أو بالتسليم.
ثم نظر المؤلف إلى السنة فذكر الأحاديث الواردة في المنع من ذلك، فذكر جملة صالحة منها عن عدد من الصحابة، وأن فيها الكفاية لمن هداه الله. ثم ذكر وجه الدلالة منها على المسألة، ثم ذكر اعتراضًا وأجاب عليه.
ثم عنون بقوله «تنبيهات»، فذكر تنبيهين يتعلقان بالاستدلال بالآية، والثالث كلام لابن حجر الهيتمي في عدّ الشافعية البناء على القبور من الكبائر.
ثم نقل نصًّا عن يحيى بن حمزة من أئمة الزيدية يجيز فيه بناء القباب والمشاهد على قبور الفضلاء والملوك ... مع الجواب عليه. والنص والجواب ذكرهما العلامة الشوكاني في رسالته «شرح الصدور» كما بينَّا في التعليق.
وختم المؤلف البحث بنص لابن القيم من «زاد المعاد» في البناء على القبور وتحريمه ...
ثم عنون بـ «تتمّة» ذكر فيها الجمع بين نهي النبي ﷺ عن البناء على قبره، وبين إدخال قبره الشريف في المسجد وهل هو من البناء عليه؟
مقدمة 4 / 16
البحث الثالث: زيارة القبور
ذكر أولًا ما يُحتجّ به في المسألة من القرآن مع نقاش الاستدلال به، ثم ذكر ما يحتج به من السنة على المسألة، فذكر أحاديث الباب المتعلقة بزيارة القبور. ثم ذكر عدة فروع في المسألة وهي:
١ - علة النهي أولًا.
٢ - الحكمة من استحباب زيارة القبور.
٣ - في النساء هل يزرن القبور؟
٤ - هل تُزار قبور الكفار؟
٥ - كيفية الزيارة.
ثم عقد فصلًا في زيارة قبور الأنبياء والصالحين. فذكر أن الأصل مشروعية زيارة القبور عامة للأنبياء والصالحين وسائر المسلمين وإنما النزاع في شيئين:
١ - في شدّ الرحال.
٢ - الغرض المقصود من الزيارة.
فذكر المسألة الأولى، وناقش دليلها المشهور «لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...» ووجه الدلالة منه، والتحقيق في مسألة شدّ الرحال والمقصود منها. ثم خلص إلى مسألة الغرض من زيارة القبور، وهي المسألة الثانية، وعقد فيها مناظرة بين المانعين من شدّ الرحل لزيارة قبور الأنبياء والصالحين وبين المجيزين لها بناءً على استدلالهم بخصوصية زيارة قبور الأنبياء والصالحين على غيرها من القبور، وأطال وأطاب في المناظرة بين
مقدمة 4 / 17
الفريقين، وخلص إلى المنع منها.
البحث الرابع: التبرك
بدأ هذا البحث بتمهيد قرر فيه أن كل عاقل يعلم أن النفع والضر بيد الله تعالى، ومن اعتقد في غيره قدرةً مستقلّة على النفع والضر فذلك هو الكفر. وأن هذا مما لا خلاف بين المسلمين فيه. ثم قرر أن المقاصد الدينية (التي يراد بها رضوان الله تعالى) والمقاصد الدنيوية التي لا يقدر عليها إلا الله، أو تتناولها قدرة البشر بالأسباب العادية وأريد تحصيلها بغيرها= كل ذلك لا يكون سببه إلا شرعيًّا، أي يفتقر ثبوته في الشرع إلى دليل معتبر.
وإذا تقرر ذلك فالتبرك هو التسبُّب لحصول البركة، والمقصود به أحد الأمور الثلاثة السالفة، فثبوته مفتقر إلى دليل معتبر من الشرع.
ثم ذكر بعض ما ثبتت بركتُه بالأدلة الشرعية؛ فذكر بركة ماء زمزم، وبركة القرآن الكريم والأدعية الشرعية، ثم خلص إلى الحديث عن الرقى وحكمها، ثم تكلم على التمائم والتِّوَلة وحكمها.
ثم عاد إلى ذكر ما ثبت التبرك به، فذكر التبرّك بآثار النبي ﷺ وأدلته وأطال فيها، ثم ذكر الاختلاف في حكم التبرّك بوضع اليد على منبره ﷺ.
ثم عقد مسألة هي معقد هذا البحث، وهي: هل للمسلمين أن يتبركوا بصلحائهم كما يتبرّك الصحابة برسول الله ﷺ استنادًا إلى تلك الأحاديث؟ فتكلم في المسألة في عشرين صفحة (ص ٢٣٩ - ٢٥٩) وجعلها على هيئة مناظرة بين المجيزين والمانعين، وجعل محور البحث والمناظرة في بيان الفرق بين النبي ﷺ وبين الصالحين والأولياء، فقياسهم التبرّك عليه لا يصح
مقدمة 4 / 18
مع الفارق، وكذلك قياس ذريته عليه لا يصح مع الأدلة على ذلك، ودفع الاعتراضات التي أوردها المجيزون.
ثم عنون بـ «خاتمة» ذكر فيها أنه رأى في بعض الكتب بحثًا في فضل العلم والشرف أيهما أعظم ...؟ فذكر كلامه وناقشه فيه، واختار أن العلم هو الأفضل.
ثم ذكر ما بقي من أقسام التبرك، فذكر مسألة التبرك بالقبور والمشاهد وما بُني عليها، واختار التحريم، وذكر أدلة ذلك وفصَّل فيها بما لا مزيد عليه.
البحث الخامس: التوسُّل
ذكر معنى التوسّل، وقرّر أنه لا يُتقرَّب إلا بشيء قد أقرّه الشرع، أما التقرّب إليه بسؤاله والإقسام عليه بحق شيء من الأشياء فهو على أقسام، فذكر ثلاثة أقسام وحكم كل قسم منها.
ثم ذكر حديث أن النبي ﷺ علّم بعض أصحابه أن يدعو فيقول: «اللهم إني أسألك وأتوسّل إليك بنبيك نبي الرحمة ...»، وذكر من استدل به على جواز التوسّل بالنبي ﷺ في حياته وبعد مماته، وذكر حديث: «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ...». فتكلم على الحديثين من حيث الثبوت، ورجَّح ضعفهما وعدم الاحتجاج بهما، وأجاب عن اعتراضات المجيزين ــ بعد أن تبسّط في عرضها ــ على تضعيف الحديث والاستدلال به.
ثم عنون بـ «فصل» صدّره بأن المجيزين للتوسل المتعارَف لم يثبت لهم دليل صريح في ذلك، وذكر بعض حججهم وأجاب عنها ... ثم ختم البحث بقوله: «والذي أختاره لنفسي: أن أُكْثِر من الصلاة على النبي ﵌ أوّل الدعاء وأثنائه وآخره، وأتتبّع الأدعية الواردة في الكتاب والسنة
مقدمة 4 / 19
والإرشادات التي جاءت عن النبي ﵌ في آداب الدعاء، وأكتفي بالترضِّي والترحُّم والاستغفار للعلماء والصالحين، وأدَعُ التوسُّل عملًا بحديث الحسن السبط ﵁: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث الحسن السِّبط ﵁، وما في معناه من الأحاديث.
وأرجو أن تكون هذه الطريقة هي الأسلم؛ لأني على يقين أنه لو ثبت التوسّل المتعارَف ثم تركه إنسانٌ لم يكن عليه إثم؛ إذ لا قائل بوجوبه، فكيف والحال أنه لم يثبت؟ فتَرْكه بنيّة الإحجام عما لم يطمئنّ القلبُ بثبوته مما أرجو أن يأجرني الله تعالى عليه.
فمن أحبّ السلامة فهذا سبيلها، ومَن أقْدَم على التوسُّل فهو وما تولّى، ولا أقطع بخطئه ولا ضلاله، بل أرجو له التوفيق والهداية إن شاء الله تعالى».
وهنا انتهى الكلام على البحوث الخمسة التي عنون لها.
وقد أتبعنا هذه البحوث الخمسة بحثًا في حكم اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا، لم يتحرّر لنا مكانه في الكتاب ولم يعنونه المؤلف بعنوان، فرأينا أن هذا الموضع هو اللائق بسياق موضوعاته.
وقد بدأه بقوله: «قال المانعون: ومن المحدَث اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا»، ثم ذكر أول مَن أحدث ذلك، ثم بدأ البحث ــ كما سبق في البحوث السالفة ــ على شكل مناظرة بين المجيزين لذلك والمانعين منه، فبدأ بقول المجيزين ثم المانعين وهكذا، وتطرق في أثنائه لحكم العمل بالحديث الضعيف وشروطه ... وأطال في الرد على من أجاز الاحتفال بهما والتشنيع عليهم.
مقدمة 4 / 20
ثم ختم البحث بذكر نص وقع له في «تاريخ المحبّي» فيه رأي لبعض العلماء بجواز ضرب الطبل في المسجد قياسًا على الجهاد، وأجاب عن ذلك بكلام طويل وتقرير ماتع.
* المسألة الثالثة: النداء للغائبين والموتى وغيرهم
تكلم على هذه المسألة في تمهيد وثلاث مقامات.
أما التمهيد فلم نعثر منه إلا على بضعة أسطر، أفادتنا بذكر المقامات الثلاثة وهي:
المقام الأول: في الاطلاع على الغيب (^١)
ذكر أولًا العلم القطعي وأقسامه الثلاثة، ثم عرَّف الغيب وذكر قسميه، ثم ذكر الصور الست لـ «علم الغيب» الناتجة عن الأقسام السالفة، ثم تكلم على الصور الستّ، لكن لم نعثر إلا على كلامه على الصورة الخامسة، أما باقي الصور (الأربع الأول والسادسة) فلم نقف عليها في قطع الكتاب التي وقفنا عليها.
وفي الصورة الخامسة ــ وهي: العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق ــ ذكر أن العلم الخبري إنما يحصل بأحد خمسة أمور، فذكرها، ثم ذكر ما الذي يقع منها للأنبياء والملائكة والبشر وما الذي لا يقع.
ثم شرع في الكلام على القسم الأول من الغيب، وذكر بعض ما يستدل به أهل الأرض على الغيب وهو لا يحصّل إلا الظن، فذكر:
_________
(^١) صدر هذا المقام (من ص ٣١٢ إلى ص ٣٢٧) وجدناه في المجموع رقم [٤٧٠٧].
مقدمة 4 / 21
١ - الرؤيا، وهل يلزم منها علم الغيب؟ (٣٢٨ - ٣٤٠).
وقع في أول هذا المبحث نقص، وأول الموجود منه في حجج مَن يرى أن في الرؤيا دليلًا على علم الغيب ثم أجاب عنها فيما بعد. وتكلم على الرؤيا وأقسامها وصورها بكلام طويل نفيس، ورؤية النبي في النوم وتمثّل الشيطان به.
ثم عقد فصلًا في مسألة مفارقة الروح للجسد عند النوم فذكر المذهبين وأدلتهما، واختار المؤلف الوقف والرد في علم ذلك إلى الله تعالى.
ثم تكلم عن التنويم المغناطيسي ومعناه، وما يقاس عليه من أنواع السحر وتحضير الأرواح وغيرها، وهل تفارق الروح الجسد فيه، وتعرّض الروح لتلاعب الشيطان في تلك الأحوال.
ثم ذكر عدة أشياء مما يَستدلُّ به أهلُ الأرض على بعض الغيب من القسم الأول وهو في حقيقته لا يُحَصِّل إلا الظنَّ، فذكر:
٢ - التحديث (٣٤١ - ٣٤٣).
٣ - والكهانة (٣٤٣ - ٣٤٨).
٤ - والنظر في النجوم (٣٤٨ - ٣٥١)، وذكر من متعلّقاتها.
٥ - ومعرفة الأنواء (٣٥١ - ٣٥٢).
٦ - ومعرفة أحوال النجوم المتعلقة بذواتها (٣٥٢ - ٣٥٣).
٧ - والخط في الرمل (٣٥٣ - ٣٥٤).
٨ - والعرافة (والفأل والطيرة) (٣٥٤ - ٣٥٥).
مقدمة 4 / 22