بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ، ﵁ وأرضاه: الحمد لله المتفرد بالنعماء، المتوحد بالآلاء، ذي العزة الغالب، والدين الواصب، أحمده على نعمائه التي لا تخفى، وآلائه التي لا تحصى. وصلى الله على سيدنا محمدٍ، خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء، وعلى أهله الطيبين، وأصحابه المنتجبين، وسلم تسليمًا.
أما بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قراء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة، وتركهم استعمال ما ندب الله تعالى إليه، وحث نبيه ﷺ وأمته عليه، من تلاوة التنزيل بالترسل والترتيل -أن أعملت نفسي في رسم كتابٍ خفيف المحمل، قريب المأخذ، في وصف علم الاتقان والتجويد، وكيفية الترتيل والتحقيق، على السبيل التي أداها المشيخة من الخلف، عن الأئمة من السلف، واجتهدت في بيان ذلك، وبذلت طاقتي، وبالغت في إيضاحه عنايتي، وأفصحت عن جليه وظاهره، ودللت على خفيه وداثره، وأودعته الوارد من السنن والأخبار في
1 / 68
معناه، على حسب ما إلينا أداه من لقيناه من العلماء، وشاهدناه من الفهماء، عن الأئمة الماضين والقراء السالفين، لتتوفر بذلك فائدته ويعم نفعه من رغب حفظه وأراد معرفته من المتناهين والمقصرين، إن شاء الله تعالى.
قال أبو عمرو: وقراء القرآن متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق، فمنهم من يعلم ذلك قياسًا وتمييزًا، وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمه سماعًا وتقليدًا، وهو الغبي الفهيه، والعلم فطنةً ودرايةً آكد منه سماعًا وروايةً. وللدراية ضبطها ونظمها، وللرواية نقلها وتعلمها، والفضل بيد لله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
1 / 69
باب ذكر البيان عن معنى التجويد وحقيقة الترتيل والتحقيق وما جاء من السنن والآثار في الحث على استعمال ذلك والأخذ به
اعلموا -أيدكم الله بتوفيقه- أن التجويد مصدر جودت الشيء. ومعناه انتهاء الغاية في إتقانه، وبلوغ النهاية في تحسينه، ولذلك يقال: جود فلان في كذا، إذا فعل ذلك جيدًا، والاسم منه الجودة. فتجويد القرآن هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه، وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته من غير إسرافٍ ولا تعسفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلفٍ، وليس بين التجويد وتركه إلا رياضة من تدبره بفكه.
1 / 70
والترتيل مصدر رتل فلانٌ كلامه: أتبع بعضه بعضًا على مكثٍ وتؤدةٍ، والاسم منه الرتل، والعرب تقول: ثغرٌ رتلٌ إذا كان متفرقًا. وهو صفةٌ من صفات التحقيق وليس به، لأن الترتيل يكون بالهمز وتركه والقصر لحرف المد والتخفيف والاختلاس، وليس ذلك في التحقيق.
وقال الله تعالى مؤدبًا لنبيه وحاثًا لأمته على الاقتداء به: ﴿ورتل القرآن ترتيلًا﴾، أي تلبث في قراءته، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخل بعض الحروف في بعض. واشتقاقه من الرتل. قال صاحب العين: رتلت الكلام تمهلت فيه. وثغرٌ رتلٌ حسن التنضيد. وقال الأصمعي: وفي الأسنان الرتل وهو أن يكون بين الأسنان الفرج، لا يركب بعضها بعضًا.
ولم يقتصر ﷾ على الأمر بالفعل حتى أكده بمصدره تعظيمًا لشأنه، وترغيبًا في ثوابه، وقال تعالى: ﴿ورتلناه ترتيلاٍ﴾. أي أنزلناه على الترتيل،
1 / 71
وهو التمكث، وهو ضد العجلة. وقال ﷾: ﴿وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ﴾. أي على ترسلٍ.
والتحقيق مصدر حققت الشيء، أي عرفته يقينًا. والعرب تقول بلغت حقيقة هذا الأمر، أي بلغت يقين شأنه والاسم منه الحق، فمعناه أن يؤتى بالشيء على حقه من غير زيادةٍ فيه ولا نقصانٍ منه.
والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، والتحقيق لرياضة الألسن وترقيق الألفاظ الغليظة وإقامة القراءة، وإعطاء كل حرفٍ حقه من المد والهمز والإشباع والتفكيك، ويؤمن معه تحريك ساكنٍ واختلاس حركة متحرك.
وتفكيك الحروف وفكها: بيانها وإخراج بعضها من بعضٍ بتيسرٍ وترسلٍ، ومن ذلك فك الرقبة وفك الأسير، لأنه إخراجهما من الرق والأسر، وكذلك فك الرهن هو إخراجه من الارتهان، وفك الأعضاء هو إخراجها من مواضعها، وفك الكتاب هو استخراج ما فيه.
وكتاب الله تعالى يقرأ بالترتيل والتحقيق، وبالحدر والتخفيف، وبالهمز وتركه، وبالمد وقصره، وبالبيان والإدغام، وبالإمالة والتفخيم.
1 / 72
وإنما يستعمل القارئ الحدر والهذرمة، وهما سرعة القراءة مع تقويم الألفاظ وتمكين الحروف، لتكثر حسناته، إذ كان له بكل حرفٍ عشر حسناتٍ، وذلك بعد معرفته بالهمز من غير لكزٍ، والمد من غير تمطيطٍ، والتشديد من غير تمضيغٍ، والإشباع من غير تكلف.
فهذا معنى التجويد وحقيقة الترتيل والتحقيق، على ما توجبه اللغة وما حكاه أهل العلم بالقراءة والمعرفة بالأداء. فنحن نورد من الآثار ما يدل على صحة ما نقلناه، ويحث على استعمال ما وصفناه، إن شاء الله تعالى.
ذكر ذلك ..
حدثنا محمد بن خليفة الإمام، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، حدثنا مالك بن سعير، حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، في هذه الآية ﴿ورتل القرآن ترتيلًا﴾، قال بينه بيانًا.
1 / 73
حدثنا خلف بن إبراهيم المقرئ، حدثنا أحمد بن محمد المكي، حدثنا علي ابن عبد العزيز، حدثنا القاسم بن سلام، حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿ورتل القرآن ترتيلًا﴾ قال: ترسل فيه ترسلًا.
حدثنا محمد بن خليفة، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا أبو بكر بن زنجويه، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، في قوله تعالى: ﴿لتقرأه على الناس على مكثٍ﴾، قال: على تؤدة.
حدثنا خلف بن أحمد بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن يحيى بن حميد، عن محمد بن يحيى بن سلام، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود القرشي، أن رسول الله ﷺ كان يفسر ويرتل إذا قرأ.
حدثنا علي بن خلف المكي، حدثنا علي بن مسرور، حدثنا أحمد بن علي
1 / 74
ابن أبي سليمان، عن سحنون، عن عبد الرحمن، عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبي وداعة، عن حفصة أم المؤمنين ﵂ أنها قالت: ما رأيت رسول الله ﷺ يصلي في سبحته قاعدًا قط حتى [كان] قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعدًا، ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها.
حدثنا خلف بن حمدان، حدثنا أبو بكر المكي، حدثنا علي عن أبي عبيد، حدثنا أحمد بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك، عن الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة ﵂ أنها نعتت قراءة رسول الله ﷺ مفسرةً حرفًا حرفًا.
حدثنا فارس بن أحمد بن موسى المقرئ، حدثنا أحمد بن محمد وعبيد بن محمد، قالا: حدثنا علي بن الحسن القاضي، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا
1 / 75
وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن بعض أزواج النبي ﷺ ورضي عنهن -أنها سئلت عن قراءة النبي ﷺ فقالت: إنكم لا تستطيعونها. فقالوا: إنها أخبرتنا فقرأت قراءة ترسلت بها.
حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن عفان القشيري، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا جرير بن حازم، عن قتادة، قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة رسول الله ﷺ قال: كان يمد صوته مدًا.
حدثنا الخاقاني خلف بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا القاسم بن سلام، حدثنا يزيد عن يحيى بن سعيد، عن رجل حدثه عن أبيه أنه سأل زيد بن ثابت عن قراءة القرآن في سبع، فقال: حسنٌ، ولأن أقرأه في عشرين أو في النصف أحب إلي من أن أقرأه في سبعٍ، وسألني عن ذلك، أردده وأقف عليه.
حدثنا فارس بن أحمد حدثنا أحمد بن محمد، وعبيد الله بن محمد، قالا: حدثنا علي بن حرب، حدثنا يوسف بن موسى، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل،
1 / 76
عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، عن عبد الله، قال: أتاه رجل فقال: أقرأ القرآن، بالمفصل في ركعة، فقال: هذا كهذ الشعر، ونثرًا كنثر الدقل.
حدثنا خلف بن حمدان، حدثنا أحمد بن محمد حدثنا علي، حدثنا أبو عبيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قرأ علقمة على عبد الله فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي رتل فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن.
حدثنا محمد بن خليفة، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا حماد بن شعيب، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن عمرو ﵄ عن النبي ﷺ قال: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق في الدرجات، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آيةٍ كنت تقرأها.
حدثنا الخاقاني، حدثنا أحمد المكي، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد، حدثنا أبو نعيم، عن بشير بن المهاجر، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كنت عند رسول الله ﷺ فسمعته يقول: إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة كالرجل الشاحب، وذكر الحديث، وفي آخره: ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج
1 / 77
الجنة وغرفها، فقال: فهو في صعودٍ ما دام يقرأ، هذا كان أو ترتيلًا.
قال أبو عمرو: والأخبار الواردة لدينا بهذا المعنى كثيرة، اختصرنا هذه منها، إذ فيها كفاية ومقنع، وبالله التوفيق.
1 / 78
باب ذكر الوارد في قراءة التحقيق وتجويد الألفاظ ورياضة الألسن بالحروف
حدثنا أبو الفتح شيخنا، حدثنا عمر بن محمد، حدثنا الحسن بن أبي الحسن العسكري، حدثنا محمد بن الحسن بن عمير، حدثنا عبد الرحمن بن داود بن أبي طيبة، قال: قرأت على أبي التحقيق، وأخبرني أنه قرأ على ورش التحقيق، قال: وأخبرني ورش أنه قرأ على نافع التحقيق، قال نافع: إنه قرأ على الخمسة التحقيق، قال: وأخبرني الخمسة أنهم قرأوا على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة التحقيق، وأخبرهم عبد الله أنه قرأ على أبي بن كعب ﵁ التحقيق، وأخبره أنه قرأ على رسول الله ﷺ التحقيق، قال: وقرأ النبي ﷺ علي التحقيق.
1 / 79
قال أبو عمرو: هذا الخبر الوارد بتوقيف قراءة التحقيق من الأخبار الغريبة والسنن العزيزة التي لا توجد روايته إلا عند المكثرين الباحثين، ولا يكتب إلا عن الحفاظ الماهرين، وهو أصل كبير في وجوب استعمال قراءة التحقيق وتعلم الاتقان والتجويد، لاتصال سنده وعدالة نقلته، ولا أعلمه يأتي متصلًا إلا من هذا الوجه.
حدثنا عبد الرحمن بن خالد الفرائضي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا البخاري، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن قتادة، قال: سئل أنس ﵁ كيف كانت قراءة رسول الله ﷺ -قال: كانت مدًا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد (بسم الله)، ويمد (الرحمن)، ويمد (الرحيم).
قال أبو عمرو: وهذا حديث مخرج من الصحيح، وهو أصل في تحقيق القراءة، وتجويد الألفاظ، وإخراج الحروف من مواضعها، والنطق بها على مراتبها، وإيفائها صيغتها، وكل حق هو لها، من تلخيصٍ وتبيينٍ ومد وتمكينٍ وإطباقٍ
1 / 80
وتفش وصفيرٍ وغنةٍ وتكريرٍ واستطالة وغير ذلك، على مقدار الصيغة وطبع الخلقة، من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ، وسترى ذلك محدودًا ممثلًا مشروحًا في ما بعد، إن شاء الله تعالى.
حدثنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي، حدثنا أبو بكر بن مجاهد، قال: حدثني محمد بن سهل، حدثني إسحاق بن أحمد بن إبراهيم المروزي، عن عمر بن عمران العدوي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن عاصم بن بهدلة، قال: قلت للطفيل بن أبي بن كعب ﵃ إلى أي معنى ذهب أبوك في قول رسول الله ﷺ: أمرت أن أقرأ عليك القرآن، قال: ليقرأ علي فآخذ ألفاظه.
قال أبو عمرو: وهذا الحديث أيضًا أصل كبير في وجوب معرفة تجويد الألفاظ وكيفية النطق بالحروف على هيئتها وصيغتها، وأن ذلك لازم لكل قراء القرآن أن يطلبوه ويتعلموه وواجبٌ على جميع المتصدرين أن يأخذوه ويعلموه، اقتداء
1 / 81
برسول الله ﷺ في ما أمر به، واتباعًا له على ما أكده بفعله، ليكون سنة يتبعها القراء، ويقتدي بها العلماء.
حدثنا عبد الرحمن بن عثمان الزاهد، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا محمد بن أبي غالب، حدثنا هشام، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن جده، أنه كان عند عمر بن الخطاب ﵁ فسمع رجلًا يقرأ في سورة يوسف ﴿ليسجننه عتى حين﴾، فقال له عمر: من أقرأكها؟ قال أقرأنيها ابن مسعود، فكتب عمر إلى ابن مسعود ﵁ سلامٌ عليك، أما بعد فإن الله أنزل هذا القرآن فجعله قرآنًا عربيًا مبينًا، وأنزله بلغة هذا الحي من قريشٍ، فإذا جاءك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريشٍ، ولا تقرئهم بلغة هذيلٍ، والسلام.
قال أبو عمرو: وهذا الخبر أصل كبير، ومعناه تعليم عمر عبد الله ﵄ رياضة الألسنة، وأمره إياه أن يأخذ من يقرئه بالتفرقة بين الحروف المتشابهة في اللفظ المتقاربة في المخرج، حتى يؤدي القرآن على ما أنزل عليه من القراءات
1 / 82
واللغات دون ما يجوز من ذلك من كلام العرب ولغاتها، إذا كان مخالفًا لما أنزل عليه من الأحرف، ألا ترى أن الفرق بين العين والحاء بحة الحاء، لولا هي لكانت عينًا. وإنما كانت ذات بحةٍ لهمسها وجهر العين، فقد ميز عمر ﵁ الفرق بينهما، وأمر عبد الله ﵁ بتتبع ذلك على القارئين وتلخيص بيانه للتالين. فيلزم سائر القراء وجميع أهل الأداء استعمال ذلك وتفقده، حتى يلفظه بالحروف على هيئتها، وينطق بها على مراتبها.
حدثنا علي بن محمد الربعي، حدثنا عبد الله بن مسرور، حدثنا يوسف بن يحيى، حدثنا عبد الملك بن حبيب، قال حدثني طلق بن السمح وأسد بن موسى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن عفان، حدثنا أحمد بن ثابت، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا نصر بن مرزوق، حدثنا علي بن معبد. وحدثنا خلف بن حمدان، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد، حدثنا نعيم بن حماد، قالوا: حدثنا بقية بن الوليد، واللفظ لأبي عبيد، عن حصين بن مالك
1 / 83
الفزاري، قال سمعت شيخًا يكنى أبا محمد، يحدث عن حذيفة بن اليمان، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها.
قال أبو عمرو: وهذا الخبر أصلٌ لصحة افتراق طباع أئمة القراءة في الترتيل والتحقيق والحدر والتخفيف، واختلاف مذاهبها في ما تلقته من أئمتها ونقلته عن سلفها، من الهمز وتركه، والمد وقصره، والإمالة والتفخيم، والبيان والإدغام، والروم والإشمام، إلى سائر ما ورد عنها استعماله والأخذ به من المطرد من الأصول والمفترق من الفروع، إذ معنى قول النبي ﷺ بلحون العرب وأصواتها يريد طباعها ومذاهبها، وذلك إجماع باتفاق من أهل العلم باللسان من طباعها ومذاهبها. ولكل ضربٍ منه حد ينتهي إليه لا يتجاوز، وغاية يبلغ إليها لا تخالف، وسنوضح ذلك ونبينه في ما بعد، إن شاء الله تعالى.
أخبرت عن محمد بن الحسن النقاش، حدثنا محمد بن جعفر الإمام، عن أبي هشام الرفاعي، عن سليم عن حمزة، قال: إن الرجل يقرأ القرآن فما يلحن حرفًا، أو قال: ما يخطئ حرفًا، وما هو من القراءة في شيء.
قال أبو عمرو: يريد أنه لا يقيم قراءته على حدها، ولا يؤدي ألفاظه على
1 / 84
حقها ولا يوفي الحروف صيغتها، ولا ينزلها منازلها من التلخيص والتبيين والإشباع والتمكين، ولا يميز ما بين سينٍ وصادٍ ولا ظاءٍ ولا ضاد، ولا يفرق بين مشددٍ ومخففٍ، ومدغمٍ ومظهرٍ، ومفخمٍ ومرققٍ، ومفتوحٍ وممالٍ، وممدودٍ ومقصورٍ، ومهموزٍ وغير مهموزٍ، وغير ذلك من غامض القراءة وخفاء التلاوة الذي لا يعلمه إلا المهرة من المقرئين، ولا يميزه إلا الحذاق من المتصدرين الذين تلقوا ذلك أداءً، وأخذوه مشافهة، وضبطوه وقيدوه، وميزوا جليه، وأدركوا خفيه، و[هم] قليل في الناس.
وأخبرت عن محمد بن الحسن أيضًا، حدثنا علي بن عباس، حدثنا محمد ابن عمر بن وليد، حدثنا إسحاق بن منصور، عن الحسن بن صالح، قال: ربما قرأ الرجل على عاصم فيقول: ما قرأت حرفًا.
قال محمد: وحدثنا الحسن بن [أبي] مهران الجمال والحسين بن علي الأزرق قالا: حدثنا الحلواني، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا هشام بن بكير، وكان هو وأبوه من القراء. قال: كنت عند عاصمٍ ورجلٌ يقرأ عليه، قال: فما أنكرت من قراءته شيئًا، قال: فلما فرغ قال له عاصمٌ: والله ما قرأت حرفًا.
قال أبو عمرو: يريد أنك لم تقم القراءة على حدها، ولم توف الحروف
1 / 85
حقها، ولا احتذيت منهاج الأئمة من القراء، ولا سلكت طريق أهل العلم بالأداء. وهذا وما قدمناه دال على توكيد علم التجويد والأخذ بالتحقيق، والله ولي التوفيق.
1 / 86
باب ذكر الأخبار الواردة عن أئمة القراءة في استعمال التحقيق
حدثنا محمد بن أحمد الكاتب، حدثنا ابن مجاهد، حدثنا الحسن بن أبي مهران الجمال، حدثنا الحلواني، حدثنا قالون، عن نافع أنه كان يمد ويحقق القراءة، ولا يشدد، ويقرب من المدود وغير الممدود. قال ابن مجاهد: وكذلك كان مذهب ابن كثير وأبي عمرو.
حدثنا عبد العزيز بن جعفر، حدثنا عبد الواحد بن عمر، حدثنا الحسن بن المهلب، حدثنا محمد بن هشام، حدثنا أحمد بن يزيد، عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر أنه كان يقرأ بالمد والهمز والإدغام.
حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا ابن مجاهد، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا منجاب، حدثنا شريكٌ، قال: كان عاصمٌ صاحب همزٍ ومد وقراءةٍ شديدةٍ.
1 / 87